كرة القدم النسائية من الرفض إلى العالمية

كرة القدم النسائية التي نشاهدها اليوم كانت لوقت ليس ببعيد مرفوضة من قبل المجتمع وحتى من النساء، باعتبارها لعبة رجالية ولا تليق بالجنس اللطيف

مركز الأخبار ـ
ما نراه اليوم من انتشار للعبة مر بتاريخ طويل من النضال، يمتد حتى القرن الثامن عشر عندما انخرطت النساء بالعمل في المعامل، وعلى غرار ما يقوم به الرجال قامت العاملات بلعب كرة القدم فيما بينهن.
آن ذاك لم تكن اللعبة سوى هواية ولم يكن ببال لاعباتها تطوير اللعبة وتكوين الأندية والمنتخبات أو تنظيم بطولات على الصعيد المحلي حتى، فما بالك اليوم وكرة القدم النسائية تغزو منازل الرافضين لها والمحافظين تجاهها.
يقول مؤرخون للعبة أن بداية كرة القدم كانت من بريطانيا، كانت تقام منذ القرن الثامن عشر، كحملات لتزويج الفتيات، فكانت نساء اسكتلندا العازبات يلعب ضد نظيراتهن المتزوجات في مباراة نسائية خالصة تقام كل عام؛ الهدف منها عرض الفتيات والتي تنال استحساناً من قبل الجمهور تكون عروساً للراغب بالزواج منها، بناءً على قدراتها الرياضية.
تأسس أول نادي نسائي عرفه التاريخ عام 1895 من قبل رائدة اللعبة نيتي هونيبول، أطلق على النادي اسم "نادي السيدات البريطانيات لكرة القدم" تلقى دعماً من الصحفية والروائية البريطانية الليدي فلورانس ديكسي.
نيتي هونيبول لم يكن الاسم الحقيقي للاعبة. كانت العديد من نساء الطبقة المتوسطة والعليا اللاتي لعبن كرة القدم في ذلك الوقت وحتى القرن التاسع عشر يخجلن من البوح بحقيقة مشاركتهن في اللعبة. على العكس من ذلك حرصت الليدي فلورانس ديكسي التي ترأست النادي على أن تبقى شخصيتها كما هي حيث كانت متحمسة جداً لفكرة المساواة بين الجنسين.
جذبت المباريات الودية التي كان ينظمها "نادي السيدات البريطانيات" بين فرق شمال وجنوب انكلترا من أجل جمع التبرعات لأجل الأعمال الخيرية الآلاف البريطانيين، لكن الصحافة كانت بخيلة تجاه التغطية. 
سيطرت كرة القدم الرجالية على اللعبة والاهتمام العام، لكن مع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 تراجعت كرة القدم بشكل عام وانشغل الجميع بالتحضير للحرب، انضم الرجال للمجهود الحربي وانشغلت النساء بإنتاج بالأسلحة والذخيرة.
رغم انشغالهن استمرت النساء باللعب خلال فترة استراحة الغداء، كان رؤساء المصانع يحضرون المباريات بهدف تشجيع النساء وتعزيز الروح المعنوية لهن وزيادة الانتاج. اعجبت النساء بالفكرة فقمن بخضم الحرب بتشكيل الفرق وترتيب المباريات الودية كان الهدف منها أيضاً جمع التبرعات من أجل المجهود الحربي ومن أجل الجنود والبحارة المسرحين بسبب الإعاقة.
زادت شعبية كرة القدم النسائية في بريطانيا عندما كان الرجال مشغولين بالقتال حتى أنه في عيد رأس سنة 1917 شاهد حوالي 10 آلاف شخص مباراة السيدات من شمال انكلترا. لفت فريق ديك كير انتباه المتابعين، هذا الفريق هو من اقترح إقامة مباريات ودية لجمع التبرعات، أخذ الفريق اسمه من شركة "ديك كير آند كو" التي تعمل فيها اللاعبات، والتي اختصت بإنتاج الذخيرة منذ اندلاع الحرب، بعد أن كانت تعمل على تصنيع القاطرات والقطارات الخفيفة أو ما يعرف بالترام. 
حتى عام 1920 انتشرت كرة القدم النسائية بشكل كبير يمكن القول بأنها فترة ذهبية لكرة القدم للسيدات، برزت اسماء العديد من اللاعبات مثل لاعبة وسط فريق ديك كير للسيدات ليلى بار (1905ـ 1978) التي بدأت اللعب بعمر 14 سنة واستمرت مسيرتها الكروية 30 عام، تميزت ليلى بار ببنية وشخصية قوية.
في عام 1921 أصدر الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم بياناً جاء فيه "وصلتنا شكاوى حول ممارسة المرأة لكرة القدم، المجلس مجبراً على إبداء رأيه الحاسم في هذه المسألة، والقول بأن كرة القدم لا تناسب الجنس اللطيف وبالتالي يجب عدم التشجيع على ممارستها".
كان البيان واضحاً بخصوص منع اللعبة وحصرها في نطاق ذكوري بحت، في وقت كانت فيه قد انتشرت بشكل كبير ولم تتعرض لرفض كبير أو مؤثر بل على العكس من ذلك نال فريق ديك كير شهرة كبيرة وضم رائدات الكرة الإنكليزية.
حوربت كرة القدم للسيدات لأسباب سياسية هذه هي الحقيقة أما القول إنها لا تليق بالجنس اللطيف لم يكن إلا غطاء. القصة باختصار كانت أن فريق ديك كير قرر اقامة مباريات لدعم عمال المناجم مما لفت الانظار لكونه أداة لمساعدة حزب العمال.
استمرت النساء بلعب كرة القدم وازدادت شعبية اللعبة رغم بيان الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم، وهو ما دفع الاتحاد لإعلان حظر المباريات النسائية في عام 1921 من أجل حشد الجماهير لحضور مباريات كرة القدم للرجال، تحت شعار حماية النساء لأن كرة القدم تشكل خطراً جسدياً عليهن، متناسين انهم شجعوها في فترات الحرب لاستغلال جهدهن من أجل انتاج المزيد من الذخيرة، لكن الحقيقة ظهرت بعدما وضعت الحرب أوزارها، استمر الحظر في بريطانيا حتى عام 2008.
 
فريق ديك كير
استطاع فريق ديك كير أن يكمل المسيرة وذهبت لاعباته في جولة نحو أمريكا وكندا، في ذلك الوقت اصطف اتحاد الكرة الكندي إلى جانب نظيره الانكليزي في منع اللاعبات من اللعب، إلا انهن استطعن الوصول إلى ملاعب الكرة الأمريكية.
لم تكن اللعبة ذات شهرة في أمريكا لكن الفريق الإنكليزي استقطب جماهير وصل عددها إلى نحو 10 الآلاف متفرج، لعب ديك كير مع فرق الرجال حيث لم يكن في أمريكا فرق للنساء، هذه الجولة التي قام بها الفريق الإنكليزي ساهمت في انتشار كرة القدم النسائية حول العالم. خرقت نساء اسبانيا الحظر ولعبن الكرة وكذلك ناضلت نساء الأرجنتين للمساواة بين الجنسين في الرياضة، وفي الولايات المتحدة الامريكية لاقت اللعبة رواجاً كبيراً مقارنة بالكرة الرجالية في البلاد.
مع أن النساء استطعن تأسيس اتحاد كرة قدم نسائي في بريطانيا عام 1969 إلا أن الحظر الذي استمر حتى عام 2008 وعدم دعم الفرق أثر سلباً على تطور اللعبة في البلاد.
 
في الشرق الأوسط
النظرة الدونية لكرة القدم النسائية مزدوجة، الرجال يعتبرونهن متطفلات على لعبة خاصة بهم، والعديد من النساء لا يحبذن انخراط بنات جنسهن في اللعبة كونها كما يعتقدن لعبة رجالية ولا تناسب الجنس اللطيف.
لم يكن هناك حظر لكن لم يكن هناك رغبة في المبادرة والدعم بقيت اللعبة حكراً على الرجال حتى الآن. 
أسس أول نادي في مدينة حلب السورية. هذه المدينة التي تعد من المدن المحافظة انبثق منها أول نادي لكرة القدم النسائية عام 1950 أسوة بالفرق المنتشرة في البلاد للذكور. وفي إيران تأسس أول فريق نسائي عام 1970 لكن اللعبة غابت بعد الثورة الإيرانية ولم تعد حتى عام 2003.
في فلسطين كذلك أسست هني ثلجية أول فريق نسائي عام 2006 واعتبرته كفاحاً لاستقلال المرأة وخطوة نحو المساواة بين الجنسين. الكرة عندما تعيد الهوية للفلسطينيين حيث يعترف الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بالبلاد منذ عام 1998. 
لكن المنتخبات الشرق أوسطية لا تستطيع مجاراة المنتخبات العالمية فلم يتأهل أي منها لكأس العالم للسيدات منذ تأسيسه عام 1991. لا تأخذ الدول كرة القدم النسائية على محمل الجد ولا تقدم لها التمويل المناسب أو الدعم حتى المعنوي منه على عكس الفرق الرجالية مع أنها هي الاخرى لا تجاري المنتخبات الأخرى ولم يتأهل منها لكأس العالم إلا في النادر وتخرج من الدور الأول.