بطرف صناعي تسعى لتحقيق حلمها وتدريب فريق لكرة السلة
لم تثنيها حادثة في سن الطفولة أدت إلى بتر قدمها عن وضع هدف نصب عينيها والسعي لتحقيقه. نسرين أكيوز أول مدربة رياضية بطرف اصطناعي في الشرق الأوسط
كارولين بزي
بيروت ـ ، بإرادة صلبة وعزيمة تحدت العراقيل والتحقت بعالم لطالما أحبته وهي تسعى لأن تصبح مدربة لفريق كرة سلة.
"هكذا اكتشفت أنني مختلفة عن الآخرين"
تروي نسرين أكيوز لوكالتنا تفاصيل الحادثة التي أدت إلى بتر قدمها وتعود إلى العام 1992 وتقول "كنت أقف على شرفة منزل عائلتي عندما كنت في سنتي الثانية، فأصبت حينها برصاصة طائشة أثناء إطلاق النار ابتهاجاً بالانتخابات النيابية".
وتتابع "أصابت رصاصة طائشة قدمي ثم انفجرت ما أصابني بالغرغرينا التي وجد الأطباء أنه من الأفضل بتر ساقي وقدمي من أسفل الركبة". وعن تقبلها لذاتها بعد بتر قدمها تقول "لا أذكر تفاصيل كثيرة عن الحادثة لأنني كنت في سن صغيرة، ولكني كنت أخضع لعلاج فيزيائي وأتعلم المشي، لم أكن أدرك أنني مختلفة عن الآخرين".
وعن الحادثة التي جعلتها تشعر بالاختلاف عن غيرها تقول "في الثامنة من عمري تعرضت ساقي المصابة إلى كسر خلال ممارستي رياضة كرة السلة عندها أدركت بأنني مختلفة عن أصدقائي وبأن لدي طرف اصطناعي لا أستطيع أن أركض مثلهم، وعلمت سبب عدم استطاعتي مجاراة سرعتهم خلال ممارسة رياضة كرة السلة والاختلاف بيننا"، وأضافت "في الحادية عشرة من العمر تعرضت قدمي نفسها للكسر مرة أخرى، وأيضاً خلال ممارسة كرة السلة، وحينها لم يعد باستطاعتي أن أمارس هذه الرياضة، لكن حبي وشغفي لها لم يتوقف أبداً".
لم تثنيها الإصابة عدة مرات عن الالتحاق بالمجال الذي لطالما حلمت به، "عندما أنهيت دراستي الجامعية في اختصاص جمع التغذية والرياضة، شعرت أن ثمة شغف وشعور في قلبي لم أحققه بعد، لذلك قررت أن أتابع هدفي وأدخل مجال الرياضة، وبدلاً من أن أكون لاعبة كرة سلة سأعمل على أن أكون مدربة لفريق كرة سلة وهذا هو الهدف الأساسي لدخولي مجال الرياضة".
"اتهموني بالجنون واتباع حلم مستحيل"
لم يكن من السهل تغيير نظرة المجتمع اللبناني إلى مدربة رياضية بطرف اصطناعي، "لا يزال هناك أشخاص لا يتقبلون وجودي في مجال الرياضة، على الرغم من أن هناك من يشجعني ويدعمني، لكن هؤلاء أنفسهم لا يثقون بي وبقدراتي لمنحي فرصة العمل في النادي الخاص بهم مثلاً. هناك قلة من يثق بي وأعتقد أن هذه العقلية تحتاج وقتاً طويلاً لتغييرها"، وتتابع "حتى لو وجد هؤلاء بأنك ناجحة يحاولون إيجاد عراقيل مثل أنك لم تدرسي هذا المجال، وفي حال التحقت به يعتبرون أن ما تمت دراسته عبارة عن نظريات لا تطبيق وبالتالي التطبيق مختلف عن المواد النظرية".
وتلفت إلى أن هناك من يجد أنها تتبع حلماً صعب المنال، وتقول "يوجد من يتقبل حالتي ولكن بالتأكيد هناك من يرفضني، وهناك من يتهمني بالجنون لأنني أتبع حلماً مستحيلاً. حتى عندما التحقت بدراستي اعتبروا أنني دخلت مجالاً خاطئاً وطلبوا مني أن ألتحق بمجال آخر ولكنني ثابرت لأنني أريد أن أحقق الهدف الذي التحقت من أجله بالجامعة، فهم يعتبرون الرياضة هواية عادية، لا يعرفون أن كرة السلة بالنسبة لي عشق وشغف وحلم سيتحول إلى حقيقة".
لا تنكر نسرين أكيوز أن هناك من لا يقبل أن يلتحق بصفوفها ولكن هناك بالتأكيد من لديه الثقة الكاملة بأدائها الرياضي، "من يلتحق بصفوفي يشعر بأنني أمارس ضغطاً أكبر عليه، فرؤيتهم أنني قادرة على أداء الحركات الرياضية الصعبة يخلق لديهم تحدي، ولذلك يترددون بالتعبير عن الإرهاق أو التعب وهو ما يعطيهم اندفاعاً أكبر لكي يتدربوا بطريقة أقوى وبجدية أكثر".
وعن تجربتها تقول "أنا بدأت من تحت الصفر في الرياضة وبعدها وصلت لما أنا عليه اليوم، وكل ذلك لأنني لم أستسلم لأن لدي هدف معين وحلم وكذلك لأكتسب قوة بدنية وأحسن لياقتي البدنية"، وتؤكد بأن الثقة ولدت لدى المتدربين لأنهم لمسوا ثقتها بنفسها، كما لمسوا النتائج المميزة التي يحصلون عليها من خلال التدريبات.
وعن أهمية الرياضة تقول "هناك من يدّعي بأن جسمه جيد وليس بحاجة للرياضة، ولكن الرياضة تمنح الفرد حياةً صحية وكذلك تطيل عمر الإنسان وتخفف من المشاكل الصحية التي يمكن أن يتعرض لها عندما يتقدم بالسن. كما أن هناك نساء يشعرن بالخوف من أن تكتسب أجسامهن عضلات كالرجال وبالتالي يفقدن أنوثتهن، ولكن ذلك ليس شرطاً فثمة العديد من النساء اللواتي اكتسبن القوة البدنية ولكنهن حافظن على أنوثتهن".
"ثقوا بأنفسكم وحققوا أحلامكم"
وتحدثت نسرين أكيوز عن الإيجابيات التي عكستها الرياضة على جسمها وصحتها النفسية، وأشارت إلى أن الرياضة تساهم في تفريغ الطاقة السلبية، وتذكر ما عاشته في مرحلة الإقفال العام بسبب انتشار وباء كورونا في تلك الفترة التي لم تمارس فيها التمرينات الرياضية، ما زاد لديها الشعور بالتوتر بينما بارتياد النادي الرياضي تفرغ كل التوتر والطاقة السلبية.
وتتوجه نسرين أكيوز برسالة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتقول لهم "ثقوا بأنفسكم ولا تعتبروا الإعاقة عائقاً أمامكم أو نقص لديكم، كل شخص لديه عيوب حتى لو كنت تراه كاملاً وبصحة وقوة بدنية جيدة ولكن ذلك لا يعني أنها الحقيقة، وبالتالي كل شخص لديه عيوب جسدية أو عقلية ونفسية قد تمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي، لذلك ثقوا بأنفسكم ومارسوا حياتكم وكأنكم أشخاص طبيعيين وفكروا وحققوا أحلامكم".