العداءة نجاة سليماني: ضربوني بالحجر فرميتهم بالورود
لم تكن الرياضات الفردية في تونس تستهوي النساء، فقد كانت الرياضة سابقاً تحتل مكانة ثانوية بالنسبة لاهتمامات المرأة التونسية ولكن السنوات الأخيرة شهدت بروز نساء تحملن المسؤولية في تسيير الأندية الرياضية أو التألق في جميع صنوف الرياضة محلياً وعالمياً.
زهور المشرقي
تونس-
نجاة سليماني، امرأة استثنائية سعت إلى تحقيق المستحيل، حصدت ميداليات مختلفة في رياضة الماراثون، شقت طريقها بالعزيمة والمثابرة منذ عقدين من الزمن بعد دخولها الرسمي المجال وهي في الأربعين من عمرها.
نجاة سليماني رياضية العدو التونسية تجاوزت عتبة الستين، فهي من مواليد 1957، تنحدر أصولها من منطقة قصر هلال بمحافظة المنستير بالساحل التونسي، لم تكن امرأة تقليدية عادية برغم مجيئها في وقت لم تكن المرأة قد تحررت بعد من التقاليد وعمليات الشد إلى الوراء، فقد كانت مكبلة بعرف العادات البالية التي ترى في المرأة زوجة وماكينة لإنجاب الأطفال وربة بيت، لكن نجاة كانت الاستثناء الجميل في منطقتها وصنعت من الضعف قوة واستمدت من تشجيع والدها إيمانها وقوتها كرياضية تألقت في رياضة العدو لتصبح حياتها مليئة بالأمل والنجاحات والتحدي ما قادها من المحلية إلى العالمية.
تقول نجاة سليماني لوكالتنا إن هدفها الوحيد هو رفع راية بلدها عالياً وقد نجحت في ذلك طيلة عقود من الزمن، وتضيف "أعدو وراية تونس فوق كتفيّ، ودم الأجداد وأبي المناضل يجري بين عروقي، حب الجمهورية التي ولدت يوم إعلانها عام1957 دفعني إلى العمل والتضحية لخدمة بلدي من مكاني ومجهودي الخاص".
مسيرة حافلة
تقول نجاة سليماني التي ترى أن الحياة هي مدرستها الأولى، أنها تزوجت وهي في سن 16عاماً لكنها لاقت الدعم والتشجيع من زوجها الذي كان يرافقها في العدو وكان مؤمناً بقدراتها الرياضية وبما تفعله "مسيرتي الرياضية انطلقت حين كنت طفلة في سن السابعة، لم أحمل دمية ككل الفتيات بل حملت الكرة ولعبت مع الفتيان في حارتي وكنت الفتاة الوحيدة بينهم، كانت نظرة الاستنكار ترافقني من بعض الجيران الذين يستغربون من تصرف بنت تختلط مع الشباب وتلعب كرة القدم وترفع صوتها حين تفوز، باعتبار أن في مرحلة أواخر الخمسينات وبداية الستينات كانت المرأة التونسية غير متحررة كما هي اليوم وكانت تفتقر إلى الجرأة لتعيش حياة منفتحة، لكنني وبعزيمة فتاة بريئة تحديت كل الظروف وواصلت طريقي غير مهتمة بكلام الناس"، وتضيف "كنت أرى الرضا في عيني أبي بينما في المقابل كانت أمي ترفض ما أقوم به لكن إصراري أقنع الجميع بما أحلم به وكأن العَدْو قضية وطنية حملتها على عاتقي وأوصلتها إلى أجيال فكسبت صداقات وسافرت ورأيت العالم، ورفعت راية تونس".
ميداليات محلية وعالمية
حدثتنا نجاة سليماني عن أكبر مشاركاتها المحلية والعالمية في ممارسة رياضة العدو، حيث تمكنت من الفوز في العديد من المسابقات وكانت المرأة الوحيدة بين مجموعة من الرجال، واستطاعت عدو 100كلم في صحراء الجنوب التونسي.
كما شاركت في بطولة عالمية من ليون الفرنسية عام 2015 وحصلت على ميداليتين فضيتين عام 2017 في كوريا الجنوبية بعد مشاركتها في ماراثون خاص بكبار السن.
وترى نجاة سليماني أن العدو من أفضل الرياضات التي يمكن ممارستها للنساء حيث لها تأثير مسكن على الحالة المزاجية وتعزز التأثير النفسي الإيجابي، وهو تمرين آمن يساعد على بناء قوة الجزء السفلي من الجسم، وأمر أساسي لتحقيق التوازن، "يوصي الأطباء كبارَ السن بأن يقوموا بمشي مشدود لتحسين التوازن، وذلك بالسير على خط مستقيم مع إبقاء الرأس في وضعية مستقيمة".
وتستطرد قائلة "العدو ينمّي القدرة على التحمل، بمعنى أن المرأة تكون قادرة على حرق السعرات الحرارية بكفاءة أكبر، ويساعد ذلك على التخلص من الوزن والحفاظ على لياقتها وجمالها".
وتوصي نجاة سليماني النساءَ بممارسة الرياضة بمختلف الأعمار حيث تساهم في تقوية مناعتهن إضافة إلى أنها منشط طبيعي للجسم.
وترى أن رياضة العدو لا تتطلب سوى اتخاذ قرار بالركض وهي غير مكلفة ويمكن ممارستها في أي مكان.
وفي سؤالنا عن سر النضارة والشباب وهي التي تجاوزت الستين من عمرها، تقول "أن ممارسة رياضة العدو تحفز الدورة الدموية وتساعد على نقل العناصر الغذائية إلى باقي أعضاء الجسم بسرعة، مما يساعد على التخلص من الفضلات وتقليل نسبة الدهون المتركزة تحت الجلد".
لا تأبه نجاة سليماني بتقدم سنها وهي المصرة على بلوغ أهدافها التي رسمتها منذ كانت طفلة، تركض ولا تحبو كمثيلاتها من البنات، وتؤكد أن تأسيس الجمعية أضاف الكثير لمسيرتها حيث ساهمت في خلق جيل رياضي مؤمن بنفسه، وكسبت محبة الآخرين ممن كانوا يعرقلونها بعد أن شاهدوا نتيجة إصرارها وعملها وإيمانها بأهمية الرياضة الفردية، وتشدد على أن "العمل الجمعوي يعتبر الوسيلة الأنجع لتطوير ظروف العيش والقضاء على بعض الآفات التي يشكو منها المجتمع. وقد يعتقد البعض أن العمل التطوعي يقتصر على الجمعيات إلا أن آفاقه أوسع من ذلك فيكون ممكناً عن طريق عدة منظمات أخرى، كل منها يهتم بميدان معين والالتحاق بها يمنحك فرصة تحسين المسار".
وحدثتنا نجاة سليماني عن دعم زوجها لها وهو الذي غرس فيها حب العلم والمطالعة وشجعها على العدو، ومثّل جمهورَها الأول "كان يشتري لي القصص وكان أول داعم لي، كان يحب فيّ روح المغامرة والاجتهاد وحب الاطلاع ولم يقف يوماً في طريقي، وبدأت مسيرتي المهنية في العدو رسمياً وأنا في الأربعين من العمر بعد وفاته".
ضربوني بالحجر فرميتهم بالورود
عن العراقيل التي اعترضت سبيلها طيلة مسيرتها، تعلق نجاة سليماني "ضربوني بالحجر، ألغوا مواعيدي دون علمي، حرموني من الدعم، حرضوا ضدي، فالرياضة النسائية في حالة مزرية، في ظل غياب الدعم والأموال والبرامج المخصصة لها، إلى جانب إهمال المسؤولين لها، وخاصة الرياضات الفردية التي لا توليها الدولة أي اهتمام".
أسست الجمعية الرياضية لألعاب القوى بقصر هلال
عن الجمعية الرياضية لألعاب القوى بقصر الهلال تقول إن الفكرة جاءت بعد تجربة طويلة في العدو وبعد مشاورات مع مجموعة اللاعبين واللاعبات الذين دربتهم "أسست الجمعية عام 2017 برغم امتناع الجميع عن دعمي ومساعدتي حتى يرى هذا المولود الرياضي النور، وكان هدفي توعية الشباب وإرشادهم وتأطيرهم عن طريق الرياضة، وسعيت إلى ملء أوقات فراغهم لإبعادهم عن التطرف والتزمت، ولغرس حب البلد في عقولهم وقلوبهم".
وتضيف "لقد نجحت في استقطاب شباب كانوا مدمنين على تعاطي المخدرات والكحول، والرياضة هي من أعادتهم إلى الطريق السوي، وغرست فيهم الثقة بالنفس وحب الآخر وإرادة التحدي والمثابرة على النجاح، إني أرى نفسي في هؤلاء الشبان، وأشعر بأن لدي رسالة نبيلة في الحياة يجب أن أواصل أداءها بأمانة، وأن أقدس ما أقوم به حتى أنجح في تغيير بعض العقليات".
"خضت تجربة التدريب... النساء أكثر إقبالاً"
تقول نجاة سليماني، "لقد كانت تجربة التدريب صعبة مع الرياضيين، فحاولت إبراز نفسي بالاحترام المتبادل بيني وبين أولاد قلبي نجحت في كسب حبهم وودهم، ولم أتردد بتدريب الآخرين الذين يقصدونني، واعتبرها تجربة مميزة برغم كل العراقيل والمشاكل التي واجهتها".
وتعتبر أن النساء أصبحن يتنافسن على ممارسة العدو "تسعى النساء لإبراز أنفسهن والمشاركة في المسابقات المتنوعة التي قمت بتنظيمها في تونس والعديد من الجهات"، مبينةً أنها سعيدة بالتأثير الإيجابي في نساء تونس وحبهن للرياضة الفردية التي لا توليها الدولة قيمة كبرى وتنقصها الإمكانيات الكبرى لتتطور بالشكل الذي وجب أن تكون عليه منذ سنوات وعقود.
وتكمل بأن النساء في ربوع هذه البلاد أصبحن يتصلن بها لمعرفة مواعيد الماراثون ويجهزن أنفسهن للجري، "هذا أكبر إنجاز أفتخر بتحقيقه".
واعتبرت نجاة سليماني أن مهمة رئاسة المرأة للجمعيات الرياضية الفردية صعبة اذ تشهد الساحة الرياضة أزمة تمويل، مما عرقل الجهود لتوفير موارد وتحمل النفقات الباهظة لضمان النجاح.
حضور بارز للمرأة التونسية في المجال الرياضي
وتصف حضور المرأة التونسية في المجال الرياضي بالجيد حيث نجحت في فرض نفسها ومكانتها برغم كل العراقيل، مذكرة بأن الحكومة التونسية شهدت في عام 2016 تعيين أول امرأة على رأس وزارة الرياضة، وهي مجدولين الشارني التي بقيت في ذلك المنصب حتى عام 2018.
النظرة الدونية للمرأة الرياضية
تلقّب نجاة سليماني بالمرأة الحديدية الصلبة التي واجهت المستحيل لتحقيق حلمها، وهي التي تحدت نظرة مجتمع تقليدي.
وتؤكد أنها عانت كثيراً من النظرة الدونية ونظرة الاستصغار من قبل مجتمع كان يرفض المرأة الرياضية وخاصة العدو، بالرغم من أهمية الرياضة للنساء من النواحي النفسية والجسدية.
واعتبرت أن نظرة المجتمع لا تزال سلبية بالنسبة للرياضة النسوية بحكم العادات والتقاليد. وتضيف "كنت أتعرض للقذف بالحجر وأحياناً تتم عرقلة المسابقات التي أنوي المشاركة فيها، وذات مرة اتصلت بي إحدى المؤسسات الإعلامية المرئية لتصويري، تأخر الفريق عن الموعد وحين اتصلت بهم أخبروني بأن جهة ما ألغت اللقاء".
وتؤكد بأن "اسمي بات مقلقاً كامرأة رياضية ناجحة من قبل بعض السياسيين خوفاً من منافستهم، أذا قررت الترشح لأي استحقاق انتخابي، لكني أقول وأصر على أني رياضية فقط لا تهمني الأمور الأخرى وأعمل للنهوض بالرياضة الفردية ولا أكترث مهما تمت عرقلتي".
وتختتم نجاة سليماني حديثها بالقول إن أي هدف صعب يستحق المواجهة والتعب، ووجهت كلمة إلى كل النساء مفادها "أبحثن عن هدف تجدن أنفسكن فيه، وأسعين إلى تحقيقه حتى لو واجهتن كل المعوقات".