ثلاث مناضلات ومدافعات عن فكرة تحرير المرأة (2)

جسدت زهرة بركل معنى التَّضحيّة الحقيقي، إذ أنها لم تكن سياسية أو دبلوماسية، ثارت بفكرها فأوقدت نيران الحرية في صدور العديد من نساء إقليم الفرات بشمال وشرق سوريا، واستمرت بهذا حتى لحظة اغتيالها

زهرة بركل... شرارة فكرها الحر أوقدت النَّيران في صدور النَّساء فاغتالوها
نورشان عبدي 
كوباني ـ .
"إذا أردت أن تعرف رقي أمة، فأنظر إلى نسائها"، هذه المقولة تلخص مدى أهمية دور المرأة في الحضارات فالمرأة التي تهز المهد بيمينها قادرة على أن تهز العالم بيسارها، وفي شمال وشرق سوريا نجد بين صفحات التّاريخ المعاصر أسماء منقوشة بالدماء، ولعل أبرزهنَّ عضوة منسقية مؤتمر ستار زهرة بركل.
قصفت الدولة التركية في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو عام 2020  قرية حلنج التابعة لمدينة كوباني شمال شرق سوريا بطائرات مسيرة (SIHA). وقد أسفر الهجوم الذي استهدف منزلاً مدنياً عن استشهاد عضو الإدارة في مؤتمر ستار هبون ملا خليل، وعضو منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات زهرة بركل، وصاحبة المنزل المرأة الوطنية أمينة ويسي.
 
كانت المعيلة والمسؤولة عن الأسرة
زهرة بركل (33) عاماً، امرأة كردية، من قرية برخ بوطان جنوب مقاطعة كوباني بشمال وشرق سوريا، ولدت وترعرعت في كنف عائلة وطنية مؤلفة من 6 أخوات و4 أخوة، من عشيرة كيكتان، والدتها خالدة سنجار، ووالدها بكر بركل. 
تَميزت بحسب ما ذكرت عائلتها بالفطنة والذَّكاء، وقوة الشَّخصيَّة، وإدارتها للأمور، ورجاحة عقلها في استيعاب الكبار والصَّغار. 
درست المرحلة الابتدائية والإعدادية في كوباني، واكملت تعليمها في كلية الحقوق بجامعة حلب لعامين، إلا أنها لم تواصل تعليمها نتيجة الظَّروف المادية، وعملت على تعليم الأميات لمدة عام كامل، ودَرست اللغة الكردية في مدارس كوباني لمدة خمس سنوات.
بعد أن توفي والدها عام 2013 متأثراً بسكتة دماغيَّة، وعلى الرغم من أنها كانت الطفل السابع في الأسرة إلا أنها حملت على عاتقها مسؤولية إعالة أسرتها ودعمها معنوياً.
تقول صديقة زهرة بركل العضوة في مجلس حزب الاتحاد الدَّيمقراطي في إقليم الفرات ألماز رومي، التي عملت في أعوام (2018 ـ 2019) مع المناضلة زهرة بركل في مؤتمر ستار، " لقد أرادت القيام بالعشرات من الأعمال، تعلمت منها الكثير من أساليب العمل، وطرق التَّعامل، وكانت تهدف لترسيخ قدراتها لخدمة شعبها، ولا سيما المرأة التي يُمارس بحقها العُنف".
وتكمل "كانت تردد دائماً أن واجبنا هو تحرير النَّساء من الذَّهنية الذَّكوريَّة، وتعمل دون كلل أو ملل لتمد يد العون لمن لا يستطعنَّ الخروج من منازلهنَّ، كانت تطالب بالتطبيق العملي وأعربت عن ذلك خلال اللقاءات والاجتماعات أثناء زياراتها للعائلات".
وتبين أن زهرة بركل كانت دائمة الابتسام "قلبها حنون، كانت لديها القدرة على الاستماع لمعاناة النَّساء، ولها رفيقات يفقنها عمراً بعضهنَّ تتجاوز أعمارهنَّ الـ 50 عاماً".
 
اتخذت التَّنظيم طريقاً لها وطورت النَّساء فيه
مع بداية ثورة روج آفا بشمال وشرق سوريا والتي اندلعت في تموز/يوليو 2012 انضمت زهرة بركل للعمل في دار المرأة عام 2013، وتطوعت كذلك في الهلال الأحمر الكردي لمُساعدة ومُعالجة المرضى، ولكن نتيجة لسوء الأوضاع المالية والمعيشية لأسرتها، انتقلت إلى شمال كردستان مع أسرتها قبل شهرين من مقاومة كوباني وبدأت العمل في الزراعة. لم يشكل هذا الأمر عقبة أمام زهرة حيث عملت بنشاط على تنظيم النساء في شمال كردستان أيضاً. ومع انتصار مقاومة كوباني، شغلت منصب الرئاسة المشتركة لديوان مجلس الشعب في عام 2015.
وعملت ضمن حركة المُجتمع الدَّيمقراطي كذلك، وبعدها في مجلس العدالة الاجتماعيَّة، إلى أن عُينت رئيسة مشتركة لبلدية الشَّعب في كوباني عام 2017، كما وانتخبت كعضوة منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات خلال الكونفرانس الثَّامن للمؤتمر عام 2018، وبعد أن انضمت للعمل، تلقت تدريباً فكرياً في مدينة رميلان في إقليم الجزيرة، وبهذا الشكل وضعت زهرة عشقها للبحث عن الحرية ووجودها في خدمة المرأة والمجتمع.
ساهمت خلال عملها في مؤتمر ستار بالعمل التَّنظيمي والمهني، عبر تنظيم المرأة في المؤسسات ودمجها بالمجتمع، وإجراء الزَّيارات للمنازل، للتعريف بحركة المرأة ودورها، وتشجيع المرأة على الانضمام للتدريبات الفكريَّة، وتخطي القيود المُجتمعية التي فرضتها الذَّهنية الذّكوريَّة، داعيةً للعدالة والمساواة بين الجَّنسين.  
وسعت لتطوير نفسها في عملها وتوسيعه، هادفة للوصول لكافة النَّساء في إقليم الفرات، لإيجاد الحلول المُناسبة لمشكلاتهنَّ، إضافة للإشراف على كافة الفعاليات ليس فقط لمؤتمر ستار بل لجميع مؤسسات المرأة، واقترحت زهرة بركل افتتاح دورات فكرية للرجال، وانضمت بدورها للعديد من الدورات في مقاطعة كوباني وإقليم الجزيرة، وكان آخرها في رميلان عام 2019.
لم ينحصر عمل زهرة بركل على مؤتمر ستار فقط، فبالإضافة إلى أنشطتها الأساسية، لعبت دوراً في دار المرأة ومنظمة سارة لمناهضة العنف ضد المرأة، وقد استندت على كتاب وأيديولوجية وفكر القائد عبد الله أوجلان في حياتها واتخذتهم أساساً لها، كانت امرأة ذات شخصية مدركة لهدفها وتكافح باستمرار. 
تمتعت بشخصية شعبيَّة مؤثرة لها أواصر اجتماعيَّة وطيدة مع كافة الفئات، مُلتزمة بوعودها، مُؤمنة بنظام الكومينات، نشيطة في عملها، وكانت قد قالت عن السبب الذي دفعها للعمل ضمن مؤتمر ستار "اخترت طريق المقاومة لأصل لجميع النَّساء وأُحررهنَّ".  
اشتهرت بصفاتها المتمثلة في وجهها الضحوك والروح المرحة والمسؤولية والتواضع والتواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أنها كانت تعاني من مشاكل صحية إلا أنها لم تتخل عن كفاحها داخل المنزل والمجتمع.
كانت على اتصال دائم بوسائل الإعلام وتقدم لهم المساعدة، كان آخر لقاء لها مع وكالة JINNEWS، حيث قالت "نتيجة لاعتداءات وتهديدات الدولة التركية على المنطقة، يتم استهداف النساء بشكل يومي، ولكن لن تنجح مشاريع ومخططات الدولة التركية بمساعيها للتشهير بالمنظمة النسائية وتدميرها. سنعزز تنظيم النساء من خلال كفاح المرأة الحرة. ولأننا كنا ضعفاء في الدفاع عن حقوق المرأة، فإننا كمنظمة مؤتمر ستار ننتقد جميع النساء". عندما يسمع المرء هذه الكلمات، يؤمن أن زهرة بركل كانت تعلم أنها ستضحي بحياتها لبناء مجتمع حر وسياسي وديمقراطي. وقبل أن تفقد زهرة بركل حياتها في النضال من أجل الحرية، ردت على هجوم الدولة التركية وأظهرت الطريق إلى الحرية.
 
امرأة أسهمت في توسيع الحركة النَّسويَّة
زهرة بركل امرأة أسهمت في توسع إطار الحركة النَّسوية ونشر مبادئها السامية، وتقول ألماز رومي إحدى اللواتي تأثرنَّ بها "كانت مدنية لا علاقة لها بالمجال العسكري، لقد أرادت فقط تنظيمنا وتوعيتنا،  وعملت من أجل قضية المرأة".
جددت ألماز رومي عهدها بالوفاء بمطالب المناضلة زهرة بركل مبينةً الغرض من المجزرة "نحن نقترب من الذكرى الأولى لمجزرة حلنج. وبما أن أولئك الذين فقدوا حياتهم في ذلك الهجوم كانوا أعضاء في منظمة مؤتمر ستار، فإننا نسميها حدثاً يستهدف حركة تحرير المرأة. وقد رأينا قبل زهرة ورفاقها، إن العديد من السياسيات والمقاتلات والقياديات تعرضن لنفس الحدث".
وبناءً على كل هذا سعت الدَّولة التَّركية التي أخافها التَّقدم النَّسوي في أراضي شمال وشرق سوريا، لاستهداف زهرة بركل ومن معها، لإنهاء كيان المرأة التي وصلت لمستويات عُليا من الحرية، وحققت نجاحات كبيرة ونظمت نفسها، وأدارت مجتمعها.
بعد أعوام من العمل الدؤوب، استهدفت طائرة مُسيرة للاحتلال التَّركي أحد منازل المدنيين بقرية حلنج في 23 حزيران/يونيو 2020، مما أسفر عن استشهاد زهرة بركل ورفيقتيها.
ولم تتوقف الدَّولة التَّركية عن استهداف النساء في شمال وشرق سوريا، فمع كل خطوة تخطوها المرأة الكردية ونساء شمال وشرق سوريا، تغضب الدولة التركية وتقوم بالهجوم. وفي أعقاب مجزرة حلنج شنت الدولة التركية وعصاباتها هجمات على المنظمات النسائية.
 ففي 22 كانون الثَّاني/يناير من العام الجَّاري، اغتالت الأجندات التَّركية الرّئيسة المُشتركة لمجلس بلدة تل الشَّاير في ناحية الدَّشيشة بمقاطعة الحسكة سعدة الهرماس ونائبتها هند الخضير.
وبناء على ذلك ولإلقاء القبض على الجناة في هذه القضية، أعلنت قوات سوريا حملة عسكرية للانتقام،  حيث قام مقاتلو QSD بإلقاء القبض على العشرات من أعضاء العصابات والخلايا النائمة واعتقلت القتلى في 23 شباط/فبراير.
كما تتعرض النساء المشاركات في المستويين الإداري والرئاسي المشترك يومياً لتهديدات وهجمات عصابات الدولة التركية. ومن ناحية أخرى تتعرض النساء اللائي يعشن في المناطق المحتلة لعمليات الاختطاف والاغتصاب والقتل اليومية. كذلك اغتيلت عضو حزب الشعوب الديمقراطي السياسية دنيز بويراز على يد مسلح تابع للدولة التركية في السابع عشر من حزيران/يونيو في مدينة إزمير. لذا أعلنت منظمة مؤتمر ستار يوم الثالث والعشرين من شهر حزيران "يوم النضال ضد الجرائم التي تستهدف الهوية السياسية للمرأة". وبهذا الإعلان رد مؤتمر ستار على جميع الاعتداءات على النساء وإنجازاتهن. وأكد أن استهداف المرأة يقوي نضالها بدلاً من إضعافه".