"ست الملك" الخليفة الخفي لدولة الفاطميين في مصر

لم تعتلي أي امرأة عرش الخلافة الإسلامية التي استمرت لقرون، غير أن النساء كان لهن دوراً خفي في الحياة السياسية

مركز الأخبار ـ . ست الملك اسم شهير تردد صداه كرمز من رموز الحضارة الإسلامية، اعتبرت الحاكم الفعلي للفاطميين لأربع سنوات.
ولدت ست الملك في عام (970) م في قصر المنصورية بتونس انتقلت عائلتها إلى مصر في حملة المعز لدين الله رابع الخلفاء الفاطميين عام 972م ونشأت في القاهرة.
هي ابنة الخليفة العزيز بالله نزار بن معد بن إسماعيل خامس الخلفاء الفاطميين، وشقيقة الخليفة الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز بالله.
عرف عنها دفاعها عن الشعب والنساء. من خلال موقفها الرافض لقرارات الخليفة المعز بالله الجائرة بحق نساء مصر ولدورها في إنهاء أكثر من سبع سنوات من القمع بحقهن فاعتبرت من أنصار النساء.
وعلى عكس المعروف في ذلك الزمن وهو الزواج الحتمي للنساء خاصة كابنة للخليفة اختارت ست الملك العزوبية وكرست حياتها للعمل السياسي.  
 
ست الملك مستشارة الخليفة
حظيت بمكانة كبيرة عند والدها الذي هيئ لها كافة أسباب الراحة، وقدم لها الكثير من المقتنيات والأراضي، امتلكت ثروة كبيرة من التحف الثمينة والجواهر، وفي الصعيد المصري والوجه البحري كان لديها الكثير من الأراضي الزراعية والبساتين الخاصة بها.
لم يكتفي والد ست الملك بما منحها من ثروة، لكنه زاد على ذلك بأن قربها من حكمه لثقته بها وبرجاحة عقلها وهي التي عُرفت عنها صفات الرزانة والحزم والجدية، فكان يستشيرها في الكثير من الأمور الهامة فيما يتعلق بالحكم. وكان لها دور في سياسة التسامح التي انتهجها والدها مع أهل الذمة (المسيحيين واليهود).
استلم والد ست الملك الخلافة في عام 996م واستمر حتى وفاته فجأة عام 1021م، فاستلم الخلافة شقيقها المثير للجدل الحاكم بأمر الله وهو ما يزال صغير العمر تقول المصادر التاريخية أنه لم يتجاوز الـ 11 أو 12 عاماً، مما فتح المجال أمامها لتسيير شؤون البلاد وهي صاحبة الخبرة في الحكم. 
وكانت ست الملك قد انحازت إلى جانب عبد الله أبن المعز ابن عمها لكي يستلم الخلافة لكنها لم تنجح في مساعيها فوزير والدها ويدعى أرجوان سبقها لأخذ البيعة لشقيقها. 
امتلكت ست الملك نزعة ديمقراطية ثورية فكانت ومع أنها تحسب على العائلة الملكية تعمل لصالح الشعب إذ عملت كوسيط بينه وبين الخليفة بعد تقديم الشكاوى لها.    
 
ست الملك تقف إلى جانب النساء
بالنسبة للنساء تعتبر فترة حكم الخليفة الحاكم بأمر الله من أكثر الفترات تشدداً في تاريخ الدولة الفاطمية، فالخليفة أصدر أوامر بتنظيم دخول النساء إلى الحمامات ومنعهن من السير خلف الجنائز، منع الغناء والجلوس على الطرقات كما منع الرجال من النظر إلى النساء، ومنعهن كذلك من الاجتماع على شواطئ النيل والاختلاط مع الرجال، ومن إقامة المناسبات الدينية كذكرى مقتل الحسين "يوم عاشوراء". 
لم يكتفي عند ذلك الحد بل إنه أصدر قرارات تمنع النساء من الخروج من المنازل ليلاً ونهاراً، والنظر من النوافذ والأسطح، الخادمات اللواتي يعملن في المنازل كن الوحيدات القادرات على الخروج وجلب الحاجيات الضرورية.
دعمت ست الملك ابن شقيقها الخليفة "الحاكم بأمر الله" أبو الحسن علي "الظاهر لإعزاز دين الله" الذي كان يعيش معها فأصبحت الوصي على العرش وباسم الخليفة اصدرت قرارات تلغي كل ما سبق.
 
تشويه التاريخ 
عند بلوغ شقيقها الحاكم بأمر الله 15 عاماً من العمر رفض نصائح ست الملك ضارباً بعرض الحائط كل ما قدمته للدولة الفاطمية، فرغم خبرتها مقارنة به عمل على إبعادها عن القصر متهماً إياها بسوء المسلك وهددها بإرسال القابلات لفحصها؛ كل ذلك من أجل إسكاتها.
تعرض تاريخ ست الملك للتشويه وحتى اليوم يقال إنها وراء اختفاء شقيقها الحاكم بأمر الله وأنها قمعت الدروز في مصر لكونهم حلفاء شقيقها وأبرز الداعمين له، والحقيقة هي أن ست الملك منعتهم من تأليه الخليفة الحاكم بأمر الله الذي قيل إنه ادعى الألوهية.  
اتهمت ست الملك بتصفية أخيها دون أي دليل والحقيقة أنه حاول قتلها كما ينقل لنا المؤرخ تقي الدين المقريزي في تاريخ أخبار الأئمة الفاطميين. 
العديد من المصادر التاريخية تجاهلت فترة خلافة الحاكم بأمر الله والتي اتسمت بالتوتر، فقد كسب السخط الشعبي نتيجة لسياساته ففي وقت انتشرت عصابات من المغاربة والعبيد والترك في البلاد وأخذوا يهاجمون أهل الفسطاط (مدينة على النيل) ينهبون الحوانيت ويخطفون النساء ويغتصبونهن حتى أن عدد منهن أقدمن على الانتحار، لم يحرك الخليفة ساكناً بل إنه اكتفى بلعن المجرمين، فما كان من الشعب الذي فقد ثقته بالحاكم إلا أن ثار بنفسه على العصابات وأوقف إجرامها. 
بعد إبعادها عن القصر وتصفيته لأهم رجالات الدولة آثرت ست الملك الاعتكاف في قصرها تراقب الأحداث من بعيد، ازدادت ممارساته التي اعتبرها المؤرخون طائشة فقرر توريث الحكم لابن عمه عبد الرحيم بن إلياس وليس لابنه الذي يعيش مع عمته ست الملك، في مخالفة واضحة لنهج الدولة الفاطمية. 
في نهاية المطاف كسب الخليفة الحاكم بأمر الله السخط الشعبي وهو ما سرع في نهايته، ففي ليلة الثالث عشر من شباط/فبراير 1021 أقدمت جماعة مجهولة على قتله. 
بحسب الرواية التاريخية الأشهر فإنه خرج في الليل إلى جبل المقطم لمراقبة النجوم والأجرام لكنه لم يعد وقيل أنهم عثروا على عباءته ملطخة بالدماء، لف الغموض مقتل الخليفة لكن وبعد أربع سنوات اعترف أحدهم بقتله.  
ست الملك في سنواتها الأخيرة
 
بعد أسبوع على اختفاء الخليفة الحاكم بأمر الله خرج ابنه أبو الحسن علي "الظاهر لإعزاز دين الله" وكان لا يتجاوز 16 عاماً من عمره بكامل ملابس الخلافة وتمت مبايعته.
في عام 1021م أصبحت ست الملك وصية على العرش، فألغت القرارات الظالمة للنساء بعد سبع سنوات عجاف، واصلحت ما أفسده أخيها وخاصة مع أهل الذمة واستكملت مسيرتها الاستشارية التي وصلت حد الحكم الفعلي للدولة، ولم تنسى مهامها الإنسانية فكانت تقدم المساعدات للأرامل والفقراء وبذلت العطاء للجند. 
أما سياستها الخارجية فتمثلت في العمل على تقليل الاضطرابات التي سادت في تلك الفترة بين الفاطميين والإمبراطورية البيزنطية (الرومانية) حول ملكية مدينة حلب الواقعة شمال سوريا، حيث بدأت تتأزم العلاقات بين الدولتين بعد فتح الفاطميين لجزيرة صقلية في البحر الأبيض المتوسط.
انتهت المفاوضات بموتها المفاجئ في عام 1023 وقد بلغت الـ 55 من العمر.
تبقى ست الملك من أكثر الشخصيات النسائية في التاريخ الإسلامي شهرة وجدلاً. حتى أولئك الذين يختلفون معها لا يستطيعون إنكار حقيقة أنها سياسية عظيمة حكمت دولة امتدت على مساحة واسعة وأدارتها بذكاء ودهاء وحكمة.