نسرين ستوده... أيقونة الحرية في إيران
التهميش والاستبداد وفرض القيود على حرية المرأة هي أبرز الممارسات التي نددت بها الناشطة الحقوقية الإيرانية نسرين ستوده التي حكم عليها بالسجن 38 عاماً على خلفية مطالبتها برفع القيود المفروضة على النساء في بلادها.
مركز الأخبار ـ اشتهرت الناشطة الإيرانية نسرين ستوده بدفاعها المستميت عن قضايا المرأة والطفل والحريات العامة في إيران وأبرزها قضية الحجاب الإلزامي، واعتُقلت مرات عدة حُكم عليها بالسجن مؤخراً لمدة ثماني وثلاثون عاماً، إلا أن قضيتها لاقت تفاعل دولي كبير حتى لقبت بـ أيقونة الحرية في بلادها.
المرأة وحقوقها المهمشة
ولدت المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان نسرين ستوده عام 1963 بمحافظة كيلان الشرقية في إيران، لعائلة تنحدر من أصول كردية، كانت مهتمة بالأدب والفكر لدرجة دفعتها إلى السعي لدراسة الفلسفة عند دخولها الجامعة.
اهتمامها بالفلسفة لم يكن كافياً فقد حصلت على المركز 53 في اختبارات التأهل لهذا القسم في الجامعة لذلك لم تتمكن من دراسة الفلسفة، فاتجهت في عام 1995 إلى دراسة الحقوق في جامعة الشهيد بهشتي في العاصمة طهران.
بعد تخرجها لم تتمكن من مزاولة مهنتها كمحامية وكان يجب أن تنتظر ثماني سنوات للحصول على شهادة القانون لتتمكن من العمل، وخلال تلك الفترة تزوجت من الناشط الحقوقي رضا خندان وأنجبت منه طفلين.
واعتُبر عملها في المكتب القانوني لوزارة الإسكان بعد عامين من مزاولة مهنتها بداية انطلاقتها، وفي وقت لاحق عملت كمستشارة في المجال القانوني لبنك تجاري، وهي من المساهمات في حل أزمة الرهائن الشهيرة بين أمريكا وإيران عام 1979.
وأخذت توسع أنشطتها واهتماماتها حتى أصبحت واضحة للعلن، فقد ركزت اهتمامها في الدفاع بشراسة عن الأطفال الذين تعرضوا للعنف والمعاملة السيئة من قِبل آبائهم وكذلك دافعت عن المعنفات، كما دافعت عن المحكوم عليهم بالإعدام في جرائم ارتكبوها وهم قصّر وكانت ضد حكم الإعدام بشكل عام.
ودافعت إلى جانب العديد من النشطاء/ات والصحفيين/ات عن السياسيين/ات والمعارضين/ات ضد نظام حكم الملالي في إيران وقضايا جنائية أخرى، فيما عملت مع منظمات غير حكومية وساعدت في إنشاء بعضها بما في ذلك مركز المدافعين عن حقوق الإنسان، لكن سرعان ما أغلقته السلطات الإيرانية عام 2008.
واستكمالاً لنشاطها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ظهرت نسرين ستوده في فيلم "تاكسي" الذي صدر عام 2015، سلطت من خلاله الضوء على الصعوبات التي يواجهها المعارضون للنظام الحاكم والمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران.
جرأتها اخترقت جدران النظام الحاكم
شجاعة نسرين ستوده دفعت بها إلى أن تتحدى السلطات الإيرانية أثناء محاكمة شاب إيراني عام 2010 حيث وصفت المحكمة بالكاذبة بشأن اتهام شاب لم يتجاوز الـ 19عاماً بمحاولة الإطاحة بالنظام وقد تم إعدامه في وقت لاحق.
ونتيجة أنشطتها، ضغطت عليها السلطات مراراً لتحيد عنها ومحاولة مقايضتها بإصدار تصاريح لصالح النظام الإيراني مقابل تخفيف الحكم عنها لكنها رفضت ذلك، وما كان من السلطات في 28 آب/أغسطس 2010 إلا أن داهمت مكتبها واعتقلتها وجاء ذلك تزامناً مع دفاعها عن الهولندية الإيرانية زهرة بهرامي.
وفي الرابع من أيلول/سبتمبر من ذات العام اعتُقلت مرة أخرى أثناء حضورها اجتماع لجمعية المحاميات المحترفات وأودعت حينها في زنزانة انفرادية بسجن إيفين سيء السمعة، وأثناء فترة سجنها أضربت عن الطعام 4 أسابيع احتجاجاً على حظر المكالمات الهاتفية والزيارات.
وفي التاسع من كانون الثاني/يناير 2011، صدر بحقها حكماً بالسجن 11 عاماً، ومنعت من السفر ومزاولة مهنة المحاماة لمدة 20 عاماً.
أثارت قضيتها الرأي العام
كتبت نسرين ستوده وهي في السجن رسالة مؤلمة إلى طفلها "نيما" على مناديل قالت فيها "لا أعرف ما أخبرك عن السجن والاعتقال، إنه صعب على طفل بريء مثلك أن يستوعب معنى المحاكمة والظلم والرقابة والقمع ونقيضها الحرية والعدالة والمساواة، وكيف أشرح لك أن العودة إلى المنزل ليست مسألة اختيارية، وإنني لست حرة، وليس لي الحق برؤيتك ولو لساعة واحدة".
لاقت قضيتها تعاطفاً دولياً كبيراً ففي تشرين الأول/أكتوبر 2010 أصدرت منظمة العفو الدولية بيان مشترك مع الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران ومنظمة هيومن رايتس ووتش واللجنة الدولية للحقوقيين، إلى جانب الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والرابطة الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان، والاتحاد الدولي للمحامين والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب وطالبت بالإفراج عنها.
فيما أدانت الولايات المتحدة ما أسمته "الحكم الجائر والقاسي"، بينما عقدت منظمة العفو الدولية في عام 2011 احتجاجاً ليوم كامل في السفارة الإيرانية للتنديد باعتقالها.
وفي نيسان/أبريل عام 2011 نالت جائزة "باربرا جولد سميث" لحرية الكتابة من مركز القلم الأمريكي للدفاع عن حرية التعبير، وفي نفس العام نالت جائزة كلية الحقوق بجامعة جنوب إلينوي، بالإضافة لميدالية جوزيب موتة.
وفي الـ 31 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2012 طالبت المحامية شيرين عبادي مع 6 منظمات حقوقية منها مراسلون بلا حدود بوضع حد للمعاملة السيئة التي تتلقاها نسرين داخل السجن، ليتم إطلاق سراحها في الـ 18 أيلول/سبتمبر عام 2013 مع 10 سجناء سياسيين آخرين.
وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته منحها البرلمان الأوروبي جائزة ساخاروف للفكر، إلا أنها لم تتمكن من استلام الجائزة بسبب منعها من السفر حينها، فتسلمتها نيابة عنها المحامية شيرين عبادي.
وفي 31 آب/أغسطس عام 2014، وبعد أيام من اعتصامها خارج نقابة المحامين في العاصمة الإيرانية طهران، سمحت لها المحكمة التأديبية للمحامين بالعودة إلى ممارسة عملها كمحامية حقوقية.
38 عاماً... عقوبة الفكر المستنير بإيران
على الرغم من إطلاق سراح نسرين ستوده إلا أن جهاز الاستخبارات الإيراني بقي يراقب تحركاتها حتى اعتقلها من جديد في حزيران/يونيو 2019، وذلك بعد قيامها بالدفاع عن نساء جرى اعتقالهن بسبب احتجاجهن السلمي على قانون الحجاب الإجباري، فحُكم عليها بالسجن لمدة 33 عاماً بالإضافة لـ 148 جلدة.
وكان قد حكم عليها غيابياً في أيلول/سبتمبر 2016 بالسجن لمدة خمس سنوات في قضية منفصلة مرتبطة أيضاً بعملها في مجال حقوق الإنسان، لذلك فإن إجمالي عقوبة السجن بحقها وصلت 38 عاماً وستة أشهر.
بعد قرابة أكثر من نصف العام على اعتقالها وبالرغم من تدهور وضعها الصحي تم منحها في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إجازة من سجن قرتشك بسبب إصابتها بكورونا، وعلى الرغم من تدهور وضعها الصحي تم نقلها من سجن إيفين إلى سجن قرتشك في كانون الأول/ديسمبر 2020 بدلاً من نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ورداً على المعاملة السيئة التي تعرضت لها طالب نواب في البرلمان الأوروبي السلطات الإيرانية بإطلاق سراحها على الفور دون قيد أو شرط والسماح لها بالحصول على الرعاية الصحية التي تحتاجها وحصل ذلك بالفعل.
لكن بعض المصادر أكدت أنه تم اعتقالها في يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 2023 مع أشخاص آخرين أثناء مشاركتها في مراسم تشييع جنازة الشابة أرميتا غرافاند التي قتلت على إثر تعرضها للضرب من قبل شرطة الأخلاق التابعة للسلطات الإيرانية في مترو الأنفاق لرفضها ارتداء الحجاب الإلزامي.