من ضحية لزواج البدل وأم مسلوبة الأطفال إلى امرأة مؤثرة

عانت فاطمة الأوسو الأمرين بعد وقوعها ضحية لزواج البدل، وحرمت من أطفالها، إلا أن هذا لم يمنعها من التّعرف على حقوقها ونشر ثقافة المرأة الحرة، فكانت من المؤسسين لمجلس عوائل الشّهداء، وتستمر بالعمل لتكون امرأة مؤثرة وفاعلة

دلال رمضان  
كوباني ـ .
في شمال وشرق سوريا، ليس من الغريب أن تعاني النّساء من العادات الرّجعيّة البالية، التي كانت منتشرة منذ أعوام طويلة، ولكن هذا لم يقف حائلاً أمام تقدمهنَّ وسعيهنّ للتعرف على حقيقتهنَّ.
فاطمة الأوسو (57) عاماً من قرية خرخرة التّابعة لمدينة كوباني، وهي عضوة مجلس عوائل الشّهداء في ناحية قنايا، ترتيبها الثّاني لـ 12 أخ/ وأخت، والدتها نايلة بلال محمد توفيت منذ عشر أعوام، قالت عن ذلك "بفقدانها خسرت ملجأي في الظّروف الصّعبة".
 
طفولة عادية وحياة كومينالية 
لم تختلف طفولة فاطمة الأوسو عن فتيات قريتها، فعملت بجمع الحطب ورّعي الأغنام، وساعدت والدتها في المنزل وتعلمت حياكة الصّوف والنّسيج، وسردت لنا تفاصيل ذلك "عندما كانت والدتي مريضة، دعتني لأتعلم العمل بالصَّوف، وكان عمري آنذاك 15 عاماً، في البداية شعرت بصعوبة في نسج السَّجاد".
كذلك عملت بالتّطريز والخياطة "كنت أتقن مختلف أشكال التّطريز وأتعلمها بسرعة، بعد رسمها على القماش"، ولم ترتد المدرسة بسبب العادات والتّقاليد، واعتبار تعليم الفتيات عاراً، على الرغم من وجود مدرسة في قريتها. 
وأمتاز مكان نشأتها بنمط الحياة الاجتماعية الكومينالية، الذي كان يغلب على المجتمع الرّيفي غير المُتكلف، كون معظم السّكان يقتاتون من العمل بالزّراعة والاهتمام بالثروة الحيوانية والحرف اليّدوية، إضافة للعلاقات الوثيقة الناتجة عن صلة القرابة وانعدام الطبقية.
وتصف أسلوب حياتها في السّابق "كنا نجتمع في القرية لنساعد بعضنا في موسم حصاد القمح والشّعير والعدس، باستخدام المنجل، وفي الشّتاء كان الرّجال يتناوبون على الحراسة والنّساء يتعاونَّ بالزراعة وجلب المياه من البئر بعد سحبها في الصّباح الباكر".
 
زواج البدل حول مسار حياتها لكابوس
ورغم بساطة العيش، إلا أنه لم يخلو من العادات الشّرقية كزواج البدل، الذي وقعت فاطمة الأوسو ضحية له، فزوجوها بعمر الـ 18 من أحد أقارب والدها، وتزوج شقيقها من أخت زوجها "رفضت هذا الزَّواج، لأنني لم أكن أريده، ولكن التّسلط وفرض الآراء أجبرني على القبول، وعانيتُ جراء هذه الخطوة كثيراً".
ورزقت فاطمة الأوسو بثلاث أطفال، ذهبت معهم إلى رأس العين/سري كانيه للعمل بالزراعة وقطف القطن وتربية المواشي، واستمر زواجها لـ 12 عاماً، لتعود لعائلتها في قرية خرخرة بعد أخذ أطفالها منها، وزواج زوجها بامرأتين "كنت مريضة، وبحجة أخذي للطبيب، رموني خارج منزلي، ولم يسمحوا لي بالعودة لأخذ أطفالي، منذ زواجي وهم يهددوني بتزويج زوجي وكان هناك خلافات بيننا، ولكنني بقيت من أجل الأطفال".
وترى أن النّساء اللواتي كنَّ يعانينَّ من الظَّلم، ولم يكن قادرات على الدّفاع عن أنفسهنَّ، امتلكنَّ القوة والإرادة بعد ثورة 19 تموز/يوليو "بطليعة مؤتمر ستار ودار المرأة والمؤسسات النّسوية النساء يتقدمنَّ للأمام"، وأضافت "والدة زوجي لم تعرف حقيقتها وحقيقة المرأة، وظنت أننا خلقنا للظلم والعبودية فأصبحت بدورها أداة للعنف، لذا حرمتني من أولادي".
وأكدت على أن فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، عرف النساء على حقيقتهنَّ، مما أسهم بتحررهنَّ من العبوديَّة، التي كانت تُمارس بحقهنَّ بذريعة العادات والتَّقاليد، وهذا ما أدى لانحصار عملهنَّ في المنزل.
 
عملت لتكون مؤثرة وفعالة وتعرف النّساء بحقوقهنّ
في التّسعينات من القرن الماضي تعرفت فاطمة الأوسو على حركة التّحرر الكردية، عن طريق شقيقها الذي كان منضماً لحركة التحرر الكردستانية واستشهد عام 1991، وكذلك عبر احتفاليات 15 آب/أغسطس وأعياد النّوروز.
وتتابع "بدأت بجمع التّبرعات، وتحضير المواد الغذائيَّة لإرسالها للمعسكرات في جنوب لبنان التي كان يوجد فيها شقيقي مع القائد عبد الله أوجلان، إلى جانب عقد الاجتماعات مع نساء القرى المحيطة وزيارة عوائل الشّهداء"، وتمنت لو أنها انضمت في وقتها وحملت سلاح أخاها الشَّهيد.
وقبل انطلاق ثورة روج آفا، كانت فاطمة الأوسو أحد المؤسسين لمجلس عوائل الشّهداء في كوباني بسرية، كي لا يعلم النّظام السّوري، وعملت على حل مشاكل هذه العوائل.
وتأثرت بشخصية الشَّهيدة زيلان، التي كانت متعلمة وأبت الظلم والرّضوخ للاستبداد، والشّهيدتين سما وبريتان، وآرين ميركان التي فجرت نفسها بين مرتزقة داعش في كوباني عام 2014، وآفيستا خابور التي استشهدت أثناء هجوم الدّولة التّركيَّة على عفرين عام 2018، والعديد من النّساء العربيات اللواتي انضممنَّ لصفوف الثّورة "اليوم النَّساء يتحدنًّ في العالم ليقفنَّ معاً ويدعمنَّ بعضهنَّ". 
وخلال الحرب على كوباني هُجرت لشمال كردستان كبقية سكان مدينتها "عندما لجأت عرفت قيمة الوطن أكثر، وتساءلت فيما إذا كنت سأعود يوماً ما لأرضي، وبعد تحريرها في 2015، وتأسيس كافة المؤسسات المدنية، عملت دون كلل لأمارس دوري الفعال في الثّورة".