جوزفين بتلر رائدة الإصلاح الاجتماعي التي غيرت مسار البشرية

رائدة قوانين الإصلاح الاجتماعي البريطانية جوزفين بتلر الأشهر في العصر الفيكتوري، ناهضت المعايير الجنسية المزدوجة التي كانت سائدة في مجتمع يهيمن عليه الذكور

مركز الأخبارـ .
اشتهرت جوزفين بتلر بحملاتها الدؤوبة ضد اضطهاد النساء والأطفال الفقراء في المجتمع، كما أطلقت حملات نادت بحق المرأة في الاقتراع، وقادت حملة صليبية ضد قوانين الأمراض المعدية التي قمعت وانتهكت حقوق الإنسان الخاصة بالنساء، وكافحت ضد الاستغلال الجنسي لهن بما في ذلك الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ 12 عاماً.
وساهمت في إنهاء غطاء القانون البريطاني وإلغاء استغلال الأطفال في البغاء ووضع حد للإتجار بالبشر شابات كن أم أطفالاً، في الوقت الذي كان فيه القانون البريطاني مجحفاً بحق النساء لدرجة أنه لم يكن يعترف بها كإنسان.
 
طفولة مكتظة 
ولدت جوزفين إليزابيث غراي التي عرفت ما بعد زواجها بـ جوزفين بتلر في 13 نيسان/أبريل عام 1828، في مدينة ميلفيلد بمقاطعة نورثمبرلاند شمال شرق إنجلترا، كانت الابنة الرابعة والطفل السابع لجون وهانا غراي، ترعرعت في وسطٍ مكتظ بالقيم والمبادئ التي تحث على المساواة، حيث كان جون غراي مثقفاً ووكيلاً للأراضي وخبيراً زراعياً معروفاً، تولى شخصياً تعليم أطفاله القضايا الاجتماعية والسياسية بينما كانت والدتها تدرسهم قيمها المسيحية.
انعكست القيم التي زرعها الوالدين في جوزفين بتلر، ففي أثناء زيارتها لشقيقتها بمقاطعة لاويس في إيرلندا بمنتصف عام 1847، شهدت ذروة المجاعة الكبرى، لتكون المرة الأولى التي تتلمس فيها معاناة واسعة النطاق بين الفقراء، وقد تركت تلك التجربة أثراً عميقاً في نفسها وذكرت لاحقاً "لم يكن لدي أي تصور للمغزى الكامل من البؤس الذي رأيته من حولي، ومع ذلك فقد طبعت نفسها على ذهني وذاكرتي".
ساهمت الصلات السياسة التقدمية للأسرة، في توطيد صلات جوزفين بتلر الاجتماعية وساعدها على تطوير وعيها الاجتماعي، حيث كان جون غراي ابن عم رئيس الوزراء البريطاني الإصلاحي اللورد غراي، كذلك ساهم تلون فكرها الغربي تحت تأثير المسيحية بتسلحها بالكثير من المثل الدينية القيمة والراسخة.
انتقلت أسرتها عام 1833 حين ترأس والدها إدارة مستشفى غرينويتش في ديلستون بالقرب من كوربريدج في مقاطعة نورثمبرلاند، في هذه الأثناء عمل والدها ككبير العملاء السياسيين للورد غراي في نورثمبرلاند، مما ساعده على تعزيز آراء ابن عمه السياسية على الصعيد المحلي، بما في ذلك دعم التحرر الكاثوليكي وإبطال الاسترقاق وإلغاء قوانين الذرة واصلاح قوانين الفقراء.
التحقت جوزفين بتلر بمدرسة داخلية في نيوكاسل، في حين أنها كانت قد بدأت دراستها في المنزل قبل ذلك، وتابعت تعليمها لمدة عامين، حيث رسمت خلفية الأسرة والدوائر التي تحركت فيها ملامح وعيها الاجتماعي الحصين وبرز فيه عقيدتها الدينية الراسخة، فكان لأفكار والدها التقدمية وعمله السياسي وايديولوجيته والتعليم الديني الذي تلقته من والدتها تأثير كبير عليها، وبدوره ساهم والدها في انخراطها بوسط السياسيين والمثقفين النخبويين.
 
أزمةٌ روحيّة
مارست جوزفين بتلر قناعاتها الدينية بفهم عميق للأفكار الجوهرية في الدين المسيحي، وعلى الرغم من حضورها الأسبوعي للكنسية، إلا أن حادثة اكتشافها جثة انتحارية أثناء القيادة وهي في السابعة عشر من عمرها، كانت نقطة تحول جذري قلبت قناعاتها الدينية رأساً على عقب.
اختارت جوزفين بتلر بعد ذلك أن تتقوقع وتمارس مناجاتها الذاتية مع الخالق في منأى عن الحياة الكنسية، وأن تتحدث مباشرة إلى الله في صلواتها، وكتبت في ذلك بمؤلفاتها "لقد تحدثت إليه في عزلتي كشخصٍ يمكنه الإجابة، ولا تتخيل أنني عملت في هذه المناسبات على إثارة أيّ انفعال، فقد كان هناك الكثير من الألم في مثل هذا الجهد والإصرار المستمر المطلوب، ولم تكن هذه المشاعر التعبدية هي ما حثني ذلك، بل كانت رغبةً مني في معرفة الله وعلاقتي به".
تجردت جوزفين بتلر من كل أشكال المسيحية بعد أزمتها وبقيت تنتقد الكنيسة الأنجليكانية، وكتبت في وقتٍ لاحق "رجل نزيه في منبر علمنا بكل إخلاص كل ما كان ربما يعرفه عن الله، ولكن كلماته تلك لم تكن تمس حتى حافة السخط العميق في روحي"، هكذا وصفت الكهنة الكنسيين المحليين، كما أنها استطاعت أن تتحرر من حضورها الأسبوعي إلى الكنيسة، وكانت تقول "تشربت منذ الطفولة أوسع أفكار المسيحية الحيوية، ولكنها كانت المسيحية فقط، بينما لم أكن أتعاطف كثيراً مع الكنيسة".
 
نقطة تحول مُفجعة
شهدت كلية إكستر بأكسفورد عام 1850 اللقاءات الأولى التي جمعت جورج بتلر بجوزفين غراي، وكانت قد جمعتهما سابقاً عدة مناسبات في مقاطعة دورهام، فحبهما للثقافة الايطالية ونضالهما للإصلاحات الليبرالية كانتا نقاطاً مشتركة اجتمعا عليها، حيث كان جورج في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام يرسل لها قصائد شعرية بخط يده، ليشهد كانون الثاني/يناير من عام 1851 خطبتهما، ليليه في يناير/كانون الثاني من عام 1852 دخولها حياة الزوجية.
أنجب الزوجان أربعة أطفال، ففي تشرين الثاني/نوفمبر عام 1852 أنجبا مولودهما الأول جورج غراي بتلر، تلاه ابنهما الثاني آرثر ستانلي في أيار/مايو عام 1854، بينما أنجبا طفلتهما الأخيرة إيفانجلين ماري والمعروفة باسم "إيفا"، في آب/أغسطس من عام 1864، والتي أفجعت قلبيهما بحادثة سقوطها من علو 40 قدماً (12متراً) من درابزين الطابق العلوي على الأرضية الحجرية من رواق المنزل، لتوافيها المنية بعد ثلاث ساعات، ما جعل جوزفين بتلر تشعر بالذهول من هول الخسارة ولازمها هذا الشعور لسنوات، فلم تتمكن من الكتابة إلا بعد مرور 30 عاماً.
 
ذاكرةٌ مُثقّلة بالعقبات 
أثقلت مدينة أكسفورد ذاكرة الزوجان بزخمٍ من الذكريات لمجتمعٍ مغلق وكارهٍ للنساء ويفتقر إلى الحياة الأسرية، فقد واجهت جوزفين بتلر الكثير من العقبات في أداء واجبها، ولم تقتصر المعارضة على الرجال بل كان للنساء أيضاً يداً في ذلك، ففي الكثير من الأحيان كانت جوزفين المرأة الوحيدة في التجمعات الاجتماعية، في حين أن ما قاله عنها خوديث والكويتز كاتب سيرتها الذاتية فيما بعد بأنه "القبول الصريح للمعايير المزدوجة من قبل الرجال في الجامعة"، كان ذلك يشعرها بالغضب.
شعرت بالإهانة جراء مناقشة بشأن نشر رواية روث لإليزابيث جاسكل في عام 1853، التي تقوم فيها بإغواء رجل ذو نفوذ ثم تخلى عنها فيما بعد، لترى جوزفين أن المتحدثين الذكور يعدون أنه من الطبيعي أن تكون الهفوة الأخلاقية عند المرأة أسوأ بكثير من التي تكون عند الرجل، وقررت ألا تعبر عن مشاعرها حول هذه النقطة، بل أن تتحدث قليلاً مع الرجال كثيراً مع الله.
وكإجراء عملي أكثر بدأت هي وجورج في مساعدة العديد من النساء المحبطات في أكسفورد، ودعت بعضهن إلى العيش في منزلهما، فكان كلاهما يناصر بنشاط حقوق المرأة، وساندا آن جيما كلو في حملتها لتعزيز التعليم العالي بين النساء، وأخذ الزوجان مبادرة الترحيب بالبغايا اللواتي أصبن بأمراض مميتة في منزلهن للموت بسلام، وفي غضون فترة قصيرة أجبروا على بناء ملجأ؛ حيث لم يستطع منزلهم التعامل مع العدد الكبير من المومسات اللائي يلتمسن المأوى.
أهان المجتمع جوزفين بتلر بربط اسمها بالبغايا، فكثيراً ما عبرت مسارات مع السياسيين الرجال الذين رأوها كعقبة أمام هيمنة الذكور في المجتمع. 
 
بدء العمل الإصلاحي
كانت جوزفين بتلر من بين النساء اللواتي انخرطن في النشاط النسوي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والذي عرف بسعيه نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، وإلغاء المعايير المزدوجة للمساواة، فالقوالب الجندرية همشت واستبعدت النساء من مواقع صنع القرار، كما أنها من بين النسويات اللواتي أطلقن حملات نادت وطالبت بحق المرأة في التصويت والحصول على تعليم أفضل أسوة بالرجال، وكانت من الموقعين على عريضة تعديل مشروع قانون الإصلاح لتوسيع الامتياز ليشمل النساء عام 1866.
وفي تشرين الأول/نوفمبر 1867، أسست إلى جانب آن كلوف والعديد من الشخصيات النسوية المناصرة لقضية المرأة "مجلس شمال إنجلترا لتعزيز التعليم العالي للمرأة" والذي يهدف إلى رفع مكانة المربيات والمعلمات إلى مرتبة المهنة، وتولت رئاسة المجلس وهو المنصب الذي شغلته حتى استقالتها عام 1871. 
ولمناهضة دعارة الأطفال التي كانت تمارس في بيوت الدعارة المرخصة في جميع أنحاء أوروبا بالرغم من أن القانون كان يجرمه، شكلت جوزفين بتلر في آذار/مارس 1875، الاتحاد البريطاني والقاري لإلغاء الدعارة الذي أعيد تسميته لاحقاً باسم "الاتحاد الدولي لإلغاء البغاء"، قام الاتحاد بحملة ضد تنظيم الدولة للبغاء وإلغاء عبودية الفتيات والنساء وعلو الأخلاق العامة بين الرجال.
 
تعديل القوانين
في الوقت الذي كانت فيه القوانين البريطانية لا تعترف بحقوق المرأة، ولم يكن لها أي وجود قانوني منفصل، والحقوق والواجبات خاضعة للعلاقة الأسرية أولاً، كان القانون البريطاني المتعلق بالزوج مبنياً على العقيدة القانونية للضمانات، حيث كانت الحقوق والالتزامات القانونية للمرأة تندرج في إطار حقوق زوجها عند زواجها علاوةً على أنها تؤول جميع ممتلكاتها إلى الزوج، وكان الطلاق بمحض إرادة ومبادرة المرأة صعباً ومعقداً.
في إبريل/نيسان عام 1868 قامت جوزفين بتلر مع زميلتها إليزابيث ولستنهولمي بصفتيهما عضوين مشاركين في لجنة ممتلكات النساء المتزوجات، بالضغط على البرلمان لتغيير القوانين المجحفة بحق النساء كحق المرأة المتزوجة في التملك والتصرف في ملكها، واستمرت في الضغط إلى أن نجحت حملتها وأقر قانون ملكية النساء المتزوجات عام 1882.
في عام 1868 كذلك نشرت "تعليم وتوظيف النساء" وهو أول كتيب لها، حيث دافعت عن حصول النساء على التعليم العالي، والمساواة في الحصص الوظيفية، وعلى ذلك تقدمت إلى مجلس الشيوخ في جامعة كامبريدج بطلب لتمكين النساء من تقديم الامتحانات، وفي العام التالي تم تقديم اختبار كامبريدج العالي للنساء، ويعود الفضل في ذلك إلى مساندة الناشطة والمناصرة بحق الاقتراع آن كلوف.
في عام 1869 اختيرت جوزفين بتلر لقيادة حملات إلغاء قوانين الأمراض المعدية، التي زعمت أنها وضعت للسيطرة على انتشار الأمراض التناسلية ولا سيما في الجيش البريطاني والبحرية الملكية.
تلك القوانين والتشريعات سمحت للضباط باعتقال النساء المشتبه في كونهن مومسات في بعض الموانئ والمدن العسكرية، وإخضاعهن لفحوصات إجبارية للأمراض التناسلية دون الرجال، وفي حال تم الإعلان عن إصابة امرأة، يتم حجزها في مستشفى مغلق حتى تتعافى أو تنتهي عقوبتها، بالرغم من أن جوزفين بتلر حاولت إبراز مفهوم أن المرأة ليست الوحيدة المسؤولة عن نشر الأمراض التناسلية.
رداً على قوانين الأمراض المعدية التي أقرها البرلمان البريطاني عام 1864 التي شرعت الدعارة ووضع النساء المتورطات تحت رقابة الشرطة والطب، تأسست "الجمعية الوطنية للسيدات لإلغاء القوانين المعدية" عام 1869، من قبل جوزفين بتلر وإليزابيث ولستنهولمي. لم يسمح للنساء بالانضمام إلى مجموعة حملات الإلغاء الرسمية الأصلية، نظراً لأن مجلس النواب في الجمعية أقر آنذاك بأنه يمكنهم كرجال إدارة أي معارضة في المجلس والبلاد بمفردهم، بالرغم من أن الجمعية تمثل قضايا النساء.
فبادرت جوزفين بتلر وإليزابيث ولستنهولمي بتشكيل "الرابطة الوطنية للسيدات لإلغاء القوانين المعدية"، لاستكمال هدفهم الأساسي ألا وهو إلغاء القوانين المجحفة بحق النساء، وهو ما أكدن عليه في بيان نشر في صحيفة ديلي نيوز البريطانية في 31 كانون الأول/ديسمبر من ذات العام.
جادلت الرابطة بنجاح بأن القوانين لم تحط من قدر البغايا فحسب، بل تحط من قدر جميع النساء من خلال الترويج لمعايير مزدوجة جنسية صارخة، وكانت أول حملة ذات طابع سياسي تم تنظيمها وقيادتها بالكامل من قبل النساء، وتعد من أولى الحركات التي نجحت في إلغاء قوانين الأمراض المعدية في 1886.
وعلى إثر حملات جوزفين بتلر ضد قوانين الأمراض المعدية التي قمعت وانتهكت حقوق الإنسان الخاصة بالنساء، ومناداتها بتعديل القوانين، شهدت أعوام 1883 و1885 تعديلاً للقانون الجنائي المتعلق بالنساء، وهو الذي أدى إلى تشكيل جمعيات نقاهة صحية خاصة بالنساء أو ما عرف بـ "مجتمعات الطهارة".
 
عزلة اجتماعية
في عام 1856 بدأت صحة جوزفين تتدهور، فكانت أجواء أكسفورد الرطبة تفتك برئتها، وتفاقمت حالتها سوءاً إلى أن أصبحت آفةً تهدد حياتها، حيث أبلغها الطبيب أن البقاء في أكسفورد يمكن أن يكون قاتلاً، ما اضطرهم للانتقال من أكسفورد، فقام جورج كخطوةٍ فورية بشراء منزل في كليفتون بالقرب من بريستول، حيث ولد ابنهما الثالث تشارلز.
تولى جورج منصب نائب المرير في كلية شيلتنهام عام 1857، وانتقل الزوجان إلى منزلٍ محلي، استمرا في دعم القضايا الاجتماعية الليبرالية بما في ذلك القومي الإيطالي جوزيبي غاريبالدي، ولكن تعاطفهما مع الحرب الأهلية الأمريكية أدى إلى نبذهما اجتماعياً، فقد اعتبرت جوزفين بتلر أن الشعور الناتج عن العزلة الاجتماعية كان مؤلماً في كثير من الأحيان، لكن الانضباط كان مفيداً، وكان لا مناص أمامها سوى اعتكاف العزلة والانضباط والتحمل.
لم تتوقف معاناة الأسرة عند نبذها اجتماعياً، وبينما كانت جوزفين بتلر لاتزال تعاني فقد ابنتها إيفا، تلقت صفعة إصابة ابنها ستانلي بمرض الخناث عام 1864، غير أنها كانت تعاني من تدهور حالتها الصحية واكتئابٍ حاد، وبعد مرور أسوأ حالات مرض ستانلي قررت اصطحابه إلى نابولي ليستريح ويتعافى، إلا أن السفينة التي سافروا فيها إلى الساحل الغربي لإيطاليا واجهت طقساً قاسياً، وفي تلك الفترة أوشكت جوزفين على الموت إثر تعرضها لانهيار جسدي.  
 
رحلة أوروبية
عام 1870 كانت بريطانيا وجهة جوزفين بتلر، واستطاعت حضور 99 اجتماعاً على مدار العالم من خلال رحلةٍ قطعت فيها نحو 3700 ميل، ركزت خلالها انتباهها على أسر الطبقة العاملة، وكان الحال مماثلاً في البرلمان البريطاني، ففي بداية كانون الأول/ديسمبر عام 1874 غادرت إلى فرنسا وإيطاليا وسويسرا، تلقت دعماً قوياً من الجماعات النسوية في أثناء زيارتها، والتقت جوزفين بجماعات الضغط المحلية والسلطات المدنية، وواجهت عداءً من السلطات.
وشاركت في عام 1885 بحملة لفضح انتهاكات استغلال الأطفال والاتجار بهم في بريطانيا، وساندها في ذلك رائدة العمل الاجتماعي للنساء في جيش الخلاص فلورنس بوث والناشط الاجتماعي بنجامين سكوت والعديد من المؤيدين لحملتها.
تمكنت من إقناع رئيس تحرير الحملة الانتخابية بول جازيت ووليام توماس ستيد أحد أشهر رواد الصحافة الاستقصائية لمساندتها في قضيتها، ليشهد تموز/يوليو من العام نفسه سلسلة من المقالات قام وليام بنشرها، والتي ساهمت في فضح انتهاكات حقوق الأطفال خاصة البنات واستغلالهن في لندن. ألقت جوزفين بتلر خطاباً في اجتماع بقاعة إكستر في لندن، في السادس عشر من يوليو/تموز عام 1885، أي بعد عشر أيام من نشر المقال، دعت من خلاله إلى زيادة حماية الشباب من تعسف القوانين.
 
ضد العنصرية
لم تقتصر رغبة جوزفين بتلر في الاصلاح على أوروبا فقط، بل أرادت أن يكون لليبيا والهند أيضاً نصيباً منها في الوقت الذي كانت فيه الأخيرة تحت سيطرة الاحتلال البريطاني خلال فترة حكم الملكة فيكتوريا (1837ـ1901)، لكنها شعرت بقسوة الرحلة على سيدة في الثانية والستين من عمرها، وعلى ذلك قام اثنان من المؤيدين الأمريكيين بزيارتها نيابةً عنها قضيا أربعة أشهر في إعداد ملف يوضح أن المستشفيات المغلقة والفحص الإجباري واستخدام البغايا القاصرات.
وعلى إثر موجة التغييرات التي حدثت في بريطانيا خلال تلك السنوات، وخلال حرب البوير الثانية (1899ـ1902)، نشرت جوزفين بتلر عام 1900 كتابها "أجناس الشعوب الأصلية والحرب"، كما كان لها موقفاً رصيناً ضد العنصرية المتأصلة التي تمارس مع الأجانب، وكتبت "سيتم الحكم على بريطانيا العظمى أو إدانتها أو تبريرها في المستقبل، وفقاً لمعاملتها للأعراق والطوائف الملونة التي لا تعد ولا تحصى، وأن التحامل على الأعراق هو السم الذي يجب على بريطانيا العظمى أن تتخلص منه، إذا أرادت أن تحافظ على المكانة العالية والمسؤولة بين الأمم".
 
السنوات الأخيرة في كنف العائلة
بعد سلسلة من النجاحات التي حصدتها جوزفين بتلر في رحلتها، غادرت لقضاء عطلة برفقة زوجها في سويسرا وفرنسا، حيث كانت تلك السنوات الأخيرة لنضال الزوجان النبيلان، ففي 14 آذار/مارس عام 1890 توفي زوجها جورج، كان تعاملها مختلفاً مع الحزن الذي خلفه فقد شريكها في مضمار النضال وحائك القصائد الشعرية لها في الصبا.
بدأت جوزفين بتلر بالانسحاب من الحياة العامة في عام 1901، واستقالت من مناصبها في منظمات الحملة التي قادتها لتقضي وقتاً أطول مع أسرتها، ففي عام 1903 كانت نورثمبرلاند محطتها الأخيرة حيث اختارت جوزفين العيش بالقرب من ابنها الأكبر، وتوفيت في كانون الأول/ديسمبر 1906 في منزلها، ووريت الثرى في قرية كيرنيوتون.
احتفت كنيسة إنجلترا في 30 أيار/مايو، بجوزفين بتلر وأعمالها، ويلمع اسمها على النصب التذكاري للإصلاحيين في مقبرة كينسال غرين في لندن، بينما حملت إحدى كليات جامعة دورهام اسمها.
 
90 إصداراً إرثُ جوزفين بتلر
تركت جوزفين بتلر إرثاً سامياً خلال سنوات نضالها، فكان لها أكثر من 90 كتاباً وكتيباً خلال حياتها ومعظمها يدعم حملاتها المناصرة لقضايا المرأة، صنفتها "BBC history magazine" ضمن قائمة أقوى 19 امرأة غيرن تاريخ البشرية.
غيرت استراتيجيات حملاتها الطريقة التي أدارت بها النساء الحملات الاجتماعية، وحفز نشاطها الكثيرات للانضمام إلى المجموعات النسوية الناشطة في ميادين العمل الاجتماعي والإنساني، كما أثنت عليها قائدة حملة الدعوة لحق المرأة في التصويت "سوفرجيت" ميليسنت فوسيت بعد وفاتها باعتبارها المرأة الإنجليزية الأكثر تميزاً في القرن التاسع عشر.