"هيريت ستو" ... وكوخ العم توم
هيريت ستو أديبة وحقوقية ومناضلة ساهمت في إنهاء العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية فهي صاحبة العمل الأدبي الذي أشعل فتيل ثورة الأفارقة الأمريكيين
مركز الأخبار ـ . في القرن التاسع عشر تصدر اسمها العناوين الرئيسية في أهم الصحف العالمية.
يعتبر عملها الأدبي المسمى بـ كوخ العم توم شرارة انطلاق ثورة السود أو ما يعرف تاريخياً بالحرب الأهلية في البلاد.
حملت هيريت ستو أو هاريت ستو على عاتقها قضية الدفاع عن حقوق السود المضطهدين بسبب نظام العبودية المعمول به في بلادها قبل صدور إعلان تحرير العبيد في عام 1863. ومن خلال كتابها استطاعت دفع السود للمطالبة بحقوقهم المسلوبة بسبب لون بشرتهم. وهي أيضاً من بين الأشخاص الذين عملوا على إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الأمريكي.
تعد هيريت ستو شخصية بارزة في قضية تحرير العبيد في الولايات المتحدة الأمريكية التقت شخصيات مهمة أمثال فيكتوريا ملكة المملكة المتحدة، وكذلك استقبلها الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن في البيت الأبيض، كما أنها كانت جارة الكاتب الامريكي المعروف مارك توين والتقت بأهم أدباء وشعراء العصر الفيكتوري أمثال إليزابيث باريت براونينغ، وماري آن إيفانس المعروفة باسم جورج إليوت وكذلك الروائي تشارلز ديكنز وغيرهم الكثير.
كوخ العم توم الكتاب الذي أشعل ثورة السود
كثير منا سمع أو قرأ عن رواية كوخ العم توم عن العبودية أو شاهد الفيلم الشهير المأخوذ عن الرواية العالمية، نحن نتحدث عن الرواية الأشهر على الإطلاق، العمل الإبداعي والذي يسمى "كوخ العم توم" والذي مثل الشرارة التي اشعلت ثورة السود فيما يعرف بالحرب الاهلية الأمريكية.
الكاتبة أسست من خلال روايتها ثقافة الدفاع عن الحقوق، ودفعت السود للانتفاض وانهاء مهزلة استعبادهم لمجرد لون بشرتهم، مستندة إلى قصص واقعية وهي لعبد استطاع الفرار إلى كندا عام 1830 وقصص هروب عديدة.
نُشرت الرواية بشكل كامل في عام 1852م لكن قبل ذلك بعام تم نشر الكتاب بشكل تسلسلي مع مجموعة رسومات توضيحية فكان أشبه بالقصة المصورة.
تدور أحداث الرواية حول حياة العم توم رجل أسود البشرة من العبيد المخلصين، تتطرق الكاتبة إلى سيرة حياته وما شاهده من معاناة طالت ابناء جلدته على أيدي المالكين الذين يفتقرون للرحمة والإنسانية.
يتم سحب العم توم من بين أطفاله وزوجته ويباع إلى مالك قاسي القلب. خلال رحلته مع المالك نحو المزرعة الجديدة يشاهد معاناة العبيد. وفي السفينة التي تقلهم يُعرض للبيع في مزاد علني وتقوم بشرائه إحدى العائلات الثرية لكونه أنقذ حياة ابنتهم وتدعى ايفا فيعامل في مزرعتهم باحترام.
كان هناك بريق أمل بتحرير العبيد الموجودين في مزرعة ايفا كما أوصت والدها قبل موتها فقد طلبت منه أن يقوم بتحريرهم جميعاً، لكن موت الأب المفاجئ حال دون تحقيق هذا المطلب فيباع العم توم إلى سيد يفتقر للإنسانية والرحمة فيريه صنوفاً من العذاب.
خلال فترة هروب العبيد يتعرض العم توم للضرب المبرح في محاولة يائسة من السيد لأخذ اعتراف منه وملاحقتهم لكنه يقابل بالرفض؛ العم توم يرفض خيانة ابناء جلدته وتعريض حياتهم للخطر أو التسبب في عودتهم إلى الشقاء من جديد فيموت جراء وفاءه وإخلاصه.
اصبحت الرواية وبظرف أيام من أكثر الكتب مبيعاً بعد الكتاب المقدس في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشرت على نطاق واسع كونها تصور واقع انتشار تجارة العبيد الذي عم البلاد في ذلك الوقت.
في الأسبوع الأول من صدورها بيع منها ألف نسخة في أمريكا وحدها وفي العام الأول من صدورها بيع نحو 300 ألف نسخة في الولايات المتحدة، وفي بريطانيا بيعت مليون نسخة. بعد نحو خمس سنوات من صدورها أطلق عليها اسم "الرواية الأكثر شعبية في أيامنا".
أثارت هيريت ستو من خلال عملها الآراء حول ضرورة الغاء العبودية بين مؤيد ومعارض، وكانت المطالبات بإنهاء استعباد السود قد بدأت منذ عام 1850، حتى أن الرئيس الأمريكي آنذاك ابراهام لنكولن قال مازحاً حين التقى بـ هيريت ستو أنها السبب في إشعال الحرب والتي بدأت عام 1861 واستمرت حتى عام 1865.
الرواية وضعت الناس وجهاً لوجه مع ضميرهم إذا انها جعلتهم يفكرون في معاناة هؤلاء البشر اصحاب البشرة السوداء والذين يملكون آمالاً وأحلام وعائلات يحبونها مثلهم مثل اصحاب البشرة البيضاء.
كما شجعت الرواية المؤيدين لحقوق السود والغاء العبودية على رفع صوتهم، وازدادت اعدادهم وكانوا في الغالب من مناطق الشمال التي ترفض العبودية، أما في بعض اجزاء الجنوب فمُنع الكتاب من التداول.
من النتائج الإيجابية للكتاب تأسيس الحزب الجمهوري في منتصف الخمسينيات من القرن التاسع عشر وكان هدفه منع انتشار العبودية.
إن الرواية ولما فيها من معاناة للسود دفعت الرأي العام للتحرك ليس في أمريكا فقط وإنما في عدة دول فكان أن قدمت أكثر من نصف مليون امرأة من إنكلترا وإسكتلندا وإيرلندا عريضة لنساء الولايات المتحدة الأمريكية.
تبني قضية العبودية ودعمها
كانت بداية انجذابها لقضية العبودية عندما انتقلت مع والدها وشقيقتها كاثرين إلى مدينة سينسيناتي في ولاية أوهايو عام 1832م من أجل عمله في المدرسة اللاهوتية، وكانت تبلغ من العمر 21 عاماً، هناك شاهدت العبيد وهم يهربون عبر النهر، وحضرت مزاداً لبيع العبيد وسمعت قصصهم مما غذا حماسها لتبني قضيتهم.
في عام 1850 وبعد أن أصبح زوجها كالفين ستو استاذاً في كلية بودوين انتقل إلى ولاية مين في أقصى شمال منطقة نيو إنغلاند شمال شرق البلاد. وفي نفس العام تم اقرار قانون الرقيق الهارب.
القانون الذي اقره الكونغرس الأمريكي في 18 أيلول/سبتمبر صدر على إثر هروب مئات العبيد إلى مناطق الشمال الحرة. "قانون كلاب الصيد" كما يسميه المعارضين للعبودية يسمح بملاحقة العبيد الهاربين من أسيادهم والقبض عليهم وإعادتهم، ويشمل المناطق التي تخلت عن نظام العبودية.
حياة هيريت ستو أثرت بشكل كبير على دعمها للعبيد حيث أنها شعرت بمعاناة النساء اللواتي خسرن ابنائهن بعد أن فقدت ابنها ذا الـ 18 شهراً بالكوليرا فكان تعاطفها مع أمهات الرقيق كبيراً، وضمت هذه الحقيقة إلى روايتها كوخ العم توم.
لم تدعم العبيد من خلال الكتابة فقط بل إنها شجعتهم على الانتفاض، وساعدتهم في الهروب عبر ما يسمى بسكة القطار إلى المناطق المحررة ثم إلى كندا.
وعندما كانت تكتب رواية كوخ العم توم اعتادت على دعوة طلاب وأصدقاء إلى منزلها لمناقشتهم حول الرواية، وأخذ رأيهم قبل النشر، من بينهم الضابط جوشوا تشامبرلين قائد الحرب الأهلية.
الكتابة
ليس كوخ العم توم هو النتاج الأدبي الوحيد للكاتبة هيريت ستو لكنه الأشهر، الكاتبة الأمريكية تملك العشرات من الكتب والمقالات.
كان أول ما كتبته مقالة وهي بعمر 12 عاماً بعنوان "هل يمكن أن يثبت خلود الروح التي كتبها نور الطبيعة؟"، ولكن بدايتها الحقيقية كانت بعد انتقال العائلة إلى أوهايو، هناك دعاها أحد الاصدقاء للانضمام إلى نادي أدبي يضم مجموعة من الكُتاب البارزين منهم كالفين إليس ستو استاذ اللاهوت التوراتي وزوج صديقتها المتوفاة إليزا.
من خلال هذا النادي صقلت موهبتها في الكتابة، وتواصلت مع ناشرين وأشخاص مؤثرين في العالم الأدبي، البداية كانت في مشاركتها بكتابة مؤلف عن الجغرافيا مع اختها كاثرين.
كما ساهم زواجها من كالفين إليس ستو عام 1836 في متابعة الكتابة فكان يشجعها ويأخذ بيدها فبدأت بنشر القصص القصيرة والرسومات منها (ماي فلاور 1846، اسكتشات من المشاهد والشخصيات بين احفاد الحجاج 1843، ذكريات مشمسة الأراضي الأجنبية 1854) وغيرها.
في ربيع عام 1850 كانت عازمة على الكتابة من أجل تحرير العبيد وقد أرسلت إلى صحيفة "ناشيونال إرى" المعارضة للعبودية تقول فيها "حان الوقت الذي يجب فيه حتى على المرأة أو الطفل الذين لهم قدرة على قول كلمة من أجل الحرية والإنسانية أن يتكلموا... آمل ألا تصمت أية امرأة تستطيع الكتابة"، بعد أشهر من تلك الكلمات صدر أول جزء من روايتها كوخ العم توم.
في عام 1853 نشرت كتاباً بعنوان "مفتاح إلى كوخ العم توم" وقدمت من خلاله الوثائق والشهادات الشخصية للتحقق من دقة المعلومات الواردة في الكتاب، وكان قد تم التشكيك بمصداقية القصص التي كتبتها.
وفي ذات العام نشرت كتاب "دريد: قصة المستنقع القاتل الكبير" ويعكس ايمانها بأن العبودية تشوه المجتمع وتحط من قدره.
وفي عام 1859 نشرت رواية مختلفة نوعاً ما وتعد من أنواع الأدب الرومانسي لكنها تمس قضية العبودية وكذلك اللاهوت الكالفيني.
تحرير المرأة والبحث عن المساواة
خلال حياتها بحثت هيريت ستو دائماً عن المساواة سواء بين السود والبيض أو بين الرجل والمرأة وحتى بين الصغار والكبار، فبعد تحرير العبيد التفتت هيريت ستو إلى قضية تحرير المرأة، قادت حملات لزيادة حقوق المرأة المتزوجة.
في عام 1869 قالت بشكل صريح أن "مكانة الزوجة تماماً مثل مكانة العبد الأسود"، مفسرة ذلك بكون المرأة لا تملك الحق في تحرير أي عقود ولا تملك حقوق ملكية "أي أن كل ما ترثه أو تكسبه يصبح في لحظتها ملكاً لزوجها"، كما أنها وفي ذات السياق أشارت إلى مكانة الرجل باعتباره سيد المنزل أما المرأة فلا تملك شيئاً حتى لو كان الرجل يعيش على حسابها.
وفي عام 1870 انشات مدرسة للأطفال والكبار في السن لإيصال فكرة مفادها أن لا فرق بين أحد، انجازاتها ساهمت في تقدم الحركة القومية نحو المساواة في المجتمع، تفاعلت معها أجيال عديدة.
عن حياتها
ولدت هيريت اليزابيث بيتشر في 14 حزيران/يونيو 1811 في إحدى الولايات الأمريكية وتدعى كونيكتيكت شمال شرقي البلاد، كان والدها ليمان بيتشر واعظاً في الكنيسة المشيخية وهي عدة كنائس تتبع تعاليم العالم اللاهوتي والمصلح الفرنسي البروتستانتي جون كالفين.
عاشت في عائلة كبيرة محبة فلديها شقيقتين هما كاثرين ومريم وخمسة أشقاء وهم ويليام وإدوارد وجورج وهنري وتشارلز.
قبل أن تتجاوز هيريت بيتشر الخامسة من العمر فقدت والدتها روكسانا. فكان أن شقيقتها الكبرى كاثرين تكفلت بتربية اخوتها والاعتناء بهم بعد موت والدتهم.
وبعد زواج الأب لمرة ثانية حافظت هيريت بيتشر على علاقة جيدة معه ومع زوجته الجديدة.
تأثرت بإخوتها حيث كان العديد منهم ناشطين في حركة الإصلاح وإلغاء العبودية، لكن التأثير الأكبر كان لشقيقتها كاثرين التي كانت تطمح للمساواة بين الجنسين في التعليم.
في المدرسة التي أسستها شقيقتها كاثرين باسم "مدرسة هارتفورد للإناث" عام 1832م وهي من المدارس القليلة التي قدمت التعليم للنساء، كانت هيريت من بين الطالبات ثم أصبحت معلمة في ذات المدرسة. درست كذلك في معهد ويسترن للإناث وقد أسسته شقيقتها أيضاً، والتحقت بأكاديمية ليتشفيلد.
تزوجت من كالفين إليس ستو عام 1836وحملت اسم عائلته وبدأت تدعى بـ هيريت ستو بدلاً من هيريت بيتشر. بعد عام من زواجهما انجبت توأماً من الفتيات، ثم انجبت خمسة أبناء آخرين.
قبل أن تنتقل العائلة إلى ماساشوستس في عام 1852 من أجل وظيفة الزوج حصلت هيريت ستو على الأستاذية في كلية بوردوين في ولاية ماين. وكانت من بين المؤسسين لمدرسة هارفرد للفنون والتي اصبحت فيما بعد جزءاً من جامعة هارفرد.
لم تكن حياتها سعيدة، فقدت اثنين من ابنائها الأول أصيب بمرض الكوليرا والثاني تعرض لحادث غرق عندما كان طالباً جامعياً، وكذلك فقدت زوجها عام 1986 جميع هذه الأحداث أثرت سلباً على صحتها العقلية، فقبل سنوات من وفاتها أصيبت بمرض دماغي قال الأطباء إنه احتقان في الدماغ وشلل جزئي أو ما يرجحه اطباء اليوم بمرض الزهايمر، وهو ما جعلها تعيد كتابة رواية كوخ العم توم لعشرات المرات وبنفس التفاصيل.
بقيت على تلك الحال حتى وفاتها في الثاني من تموز/يوليو 1896 عن عمر ناهز الـ 85 عاماً. وتم دفن جثمانها في آندوفر بماستاتشوستس.
توفيت بين أفراد أسرتها في هارتفرد بكونيكتيكت المكان الذي انتقلت اليه مع عائلتها منذ تقاعد زوجها كالفين ستو في عام 1864.
الأماكن التي عاشت فيها هيريت ستو كمنزل والدها ومنزلها في سينسيناتي بولاية أوهايو اصبحت مواقع تاريخية وهي الآن مفتوحة للزوار. وكذلك تم صنع نصب تذكاري لعائلة هيريت ستو في الشارع المقابل لمنزلهم في هارتفرد كونكتيكت.
رغم كل النجاح الذي حققته هيريت ستو من خلال رواية كوخ العم توم إلا أن زوجها هو من قام بالترويج للرواية في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، في ذلك الوقت لم تكن الكاتبة تستطيع التحدث بشكل علني للرجال وحتى في المناسبات التي اقيمت على شرفها كان زوجها أو أحد اشقائها يتولى الحديث بدلاً عنها.
هيريت ستو امرأة تحمل في قلبها من الإنسانية الكثير وهذا ما ظهر واضحاً في مؤلفاتها التي ناقشت قضايا المساواة بين السود والبيض في البلاد، ومطالب انهاء زمن العبودية الذي لا يمت للإنسانية بصلة لتحفر اسمها مع الحقوقيين الخالدين الذين ساهموا بإنهاء العبودية التي لطالما عانى منها السود في الولايات المتحدة الأمريكية خلال قرون مضت.