هانيا الزعتري تروي تجربتها بين الهندسة الميكانيكية والبرلمان

انخرطت المهندسة اللبنانية هانيا الزعتري في السنوات الأخيرة بالعمل السياسي بعد المشاركة في ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي وجدت فيها كالكثير من اللبنانيين/ات فرصةً للتغيير.

كارولين بزي

بيروت ـ تحدت المهندسة اللبنانية هانيا الزعتري الواقع، واختارت تخصصاً علمياً قلما نجده بين النساء في لبنان والعالم، قبل أن تخوض السياسة عبر الانتخابات النيابية في الدورة التي أُجريت في أيار/مايو الماضي، وأخذت قضية منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي الجنسية لأولادها حيزاً واسعاً من برنامجها الانتخابي.

 

"التحدي من سمات شخصيتي"  

درست هانيا الزعتري الهندسة الميكانيكية لشغفها بعالم الميكانيك والإلكترونيات، وتقول لوكالتنا "عندما التحقت بالجامعة وتم قبولي باختصاص الهندسة الميكانيكية، وبدأت بالتعرف إلى الاختصاص وجدت بأنه ليس تخصصاً ندرسه حصراً على الورق، بل هو تخصص عملي، إذ نستطيع أن نقوم بالتصميم والبرمجة، ما دفعني إلى متابعة هذا التخصص بما أنني من المهتمين بعالم الميكاترونيكس وهو مزيج من الميكانيك والإلكترونيات، ويهتم بتصميم المنتجات وتطويرها".

وبما أن هذا التخصص نادراً ما تلتحق به الفتيات، فإن الملتحقات بالهندسة الميكانيكية عندما دخلت هانيا الزعتري الجامعة كان عددهن قليلاً. وتضيف "أنا شخصية تحب التحدي، أسعى لأن أثبت نفسي، كما أنني أتعلم من هذه التحديات".   

في الفترة التي التحقت فيها هانيا الزغتري بالجامعة كان ينصب اهتمام أغلب الطلاب على دراسة الكومبيوتر، لكن شغفها بالميكاترونيكس والروبوتيكس دفعها لاختيار الهندسة "كنت أستعين بالألعاب كالروبوتات لأتعلم منها البرمجة".

راكمت هانيا الزعتري خبرةً غنية بالعلم والمعرفة قبل أن تخوض ميدان العمل الذي استثمرت فيه ما درسته واكتسبته، الأمر الذي ساعدها على حل المشاكل اليومية التي يمكن أن تواجهها أو تعيق عمل أي موظف من ناحية البرمجة أو ما شابه.

 

"وُظفت لأنني امرأة"

لم تواجه هانيا الزعتري عراقيل في التوظيف بل على العكس في بعض الأحيان إلى جانب مؤهلاتها، كان سبب اختيارها للوظيفة هو كونها امرأة.

وتروي حادثة طريفة، تقول فيها عن تجربتها الأولى في العمل "في بداية عملي أخبرني بعض الموظفين بأن المرأة التي كانت قبلي لم تستطع الاستمرار في العمل في إطار تهيئتي بأن تجربتي معهم لن تطول. حتى أن هناك بعض الوظائف التي تقدمت لها كنت أشعر بأن قبولي فيها كان لأنني امرأة ولأنهم أحبوا هذا التحدي، حتى أن أحدهم أخبرني فعلاً بذلك".

كالعديد من الموظفين/ات في مختلف المهن، واجهت هانيا الزعتري شعور الغيرة من دورها في العمل إذ عادةً ما يشعر التقليديون في العمل بالتهديد من موظف جديد مجتهد ويتمتع بالكفاءة، لكن ذلك لم يزعجها وكانت على قدر التحدي، بل وتصف تجربتها بالجيدة والإيجابية.

وتعتقد بأن المرأة تستطيع بطبيعتها أن تقنع الناس بطريقة أكثر سلاسة من الرجل.

 

"بين الهندسة والسياسة"

تشغل المهندسة هانيا الزعتري حالياً وظيفة رئيسة دائرة الترخيص والمراقبة في وزارة الصناعة، ومصلحة الصناعة الإقليمية في الجنوب في وزارة الصناعة، التابعة للمديرية العامة في الوزارة. وتتفانى بعملها من دون السعي لبذل مجهود إضافي لكي تثبت وجودها لأنها امرأة، بل تبذل جهداً في إطار تطوير العمل.

ولم تلتحق هانيا الزعتري بالإدارة العامة في وزارة الصناعة إلا بعدما تأكدت أن مدراءها في العمل لم يطالهم الفساد، وأوضحت "موضوع الفساد كان مهماً جداً بالنسبة لي، ولا يمكنني أن أعمل في مكان يكون فيه مديري في العمل فاسداً".

على غرار الكثير من اللبنانيين الذين وجدوا بثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر فرصةً للتغيير، شاركت هانيا الزعتري بهذه التحركات في مدينتها صيدا في جنوب لبنان.

وتقول عن انتقالها من الهندسة الميكانيكية إلى عالم السياسة "شاركت في الثورة وشعرت بأن هناك جزءاً من المسؤولية يقع علينا كمواطنين أيضاً لا حصراً على المسؤولين الذين اخترناهم واقترعنا لهم، فنحن لم نرفع الصوت عالياً عندما لمسنا أن هناك أخطاءً ولاسيما في الموضوع المالي والمصارف".

وأضافت "لطالما كنت بعيدة عن السياسة وهناك من كان دائماً يُسدي لي النصيحة بأن أبتعد عن الأحزاب ولا أنتسب لها". لكن هانيا الزعتري كانت أكثر واقعية ومدركة لمفهوم الديمقراطية، إذ تعتبر أن وجود الأحزاب هو أمر جيد وبالتالي المشكلة ليست بالأحزاب، بل بمن شوّه دور هذه الأحزاب وصورتها. فدور الأحزاب في لبنان أصبح يتلخص بالزبائنية السياسية وتقاسم الحصص والفساد"، قائلةً "هنا وجدت بأن عليّ أن أفعل شيئاً أساهم فيه بتغيير هذا الوقع".

 

"المساءلة والمحاسبة"

وأضافت "انضممت في صيدا إلى مجموعة من المهندسين، شكلّوا تجمعاً أطلقوا عليه اسم تجمع "مهندسون من صيدا والجوار"، كنا نجتمع ونتناقش بأمور منها البسيطة ومنها المعقدة وكلها تتعلق بالمدينة، بهدف إحداث تغيير إيجابي في المدينة. وكانت البداية بمتابعة عقود البارك ميتر وكم آلة بارك ميتر موجودة والمسافة بين كل واحدة، في الفترة نفسها تم إجراء التحضير لانتخابات نقابة المهندسين وقد كثفت جهودي ومتابعتي مع المهندسين في بيروت، وكنت بأمانة سر "النقابة تنتفض".

ولفتت إلى أنه تم تأجيل انتخابات نقابة المهندسين لنحو خمس مرات "حفزتني كثيراً التجربة مع انتخابات النقابة، وعملنا بجد وقد تعلمت كثيراً من هذه التجربة. حتى أنني ترشحت داخل "النقابة تنتفض" على منصب نقيب، لأنني وجدت بأن هناك قواعد من الديمقراطية يجب أن نبدأ بالتعرف والاعتياد عليها حتى داخل المجموعة الواحدة أو اللائحة الواحدة". 

وتعتبر أنها لا زالت تتعلم من "النقابة تنتفض"، لأن "النقابة تنتفض" ليست حزباً وبالتالي عليها أن تحاسب بشكل دائم، حتى لو كان شخصاً من داخل المجموعة نفسها. وهذه إحدى الأفكار التي تحاول نشرها، وتدفع قدماً باتجاه تطبيقها داخل "النقابة تنتفض" وهي محاسبة الذات أو مراقبة ومحاسبة كل من يُخطئ.

وأضافت "إذا لم نحاسب من أوصلناه إلى السلطة، فما الذي سيميزنا عن الأحزاب السياسية الموجودة. مبادئ الأحزاب السياسية كلها مثالية ولكن في التطبيق تم تشويهها. المساءلة والمحاسبة موضوعان مهمان جداً". 

 

"من النقابة إلى النيابة"

بعد انتخابات النقابة وعلى أبواب الانتخابات النيابية، أسست هانيا الزعتري فرعاً لحزب أو حملة "بيروت مدينتي" في مدينتها صيدا.  

بعد أن تعرفت على حملة "بيروت مدينتي" وعملت معهم على الأرض وخلال انتخابات النقابة، شجعها أفراد الحملة على الترشح للانتخابات النيابية وهو كان التحدي الجديد في مسيرة هانيا الزعتري.

وأضافت "عندما أرى التحدي في مكان ما وهذا التحدي يمكن أن يحدث تغييراً ايجابياً أخوضه، لأنني أدرك أحياناً أن فرصة الربح ضئيلة ولكن فرصة إحداث التغيير ووضع هذه الأفكار بأذهان الناس مهمة. لذلك ترشحت للانتخابات النيابية".

وأوضحت "خلال تلك المرحلة تعرفت بشكل كبير على القوانين وأين الثغرات بهذه القوانين، وبأن هناك نقص في القوانين أو هناك قوانين ينقصها مراسيم تطبيقية. وأرى أن هناك نقصاً كبيراً بعمل النائب في لبنان... بدءاً من محاسبة الحكومة وهو ما لا نلمسه فعلياً. كما على النائب أن يكون أكثر اطلاعاً ونشاطاً وعملاً على أرض الواقع"، إذ يقتصر في لبنان عمل النواب بشكل عام على تقديم واجب العزاء وإلقاء الخطابات السياسية.   

وأشارت إلى أنه "هناك من يلجأ إلى النائب لإيجاد حل لمشكلة ما، بدلاً من أن يقدم النائب لهذا الشخص المساعدة، عليه أن يبحث عن أصل المشكلة في القانون وإيجاد معالجة للموضوع بشكل عام".

 

"الجنسية لأولاد اللبنانية المتزوجة من أجنبي"

وعن برنامجها الانتخابي، تشير إلى أن برنامجها الانتخابي هو نفسه الذي وضعته حملة "بيروت مدينتي" على الصعيد الوطني، ولكنها تلفت إلى جزء عبّرت فيه عن اهتمامها وكان على رأس أولوياتها كامرأة، وهو السعي لإقرار قانون يعطي المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي الحق بمنح أولادها الجنسية.

وأوضحت "إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها، يعني لي الكثير، من خلال تجارب تعرفت إليها شخصياً، هذا الأمر تراكم في ذهني لذلك كنت مهتمة كثيراً لمعالجته والسعي لإقراره". 

لم تغب القضايا البيئية عن اهتماماتها، بالإضافة إلى المواضيع الصناعية التي تتعلق مباشرةً بتخصصها كمهندسة ميكانيكية.

على الرغم من أنها لم تحصل على الأصوات الكافية لتدخل البرلمان، ولكن هانيا الزعتري لم تستسلم، وتقول "تم تشكيل مجموعة "صيدا تواجه" أحاول تقديم المساعدة مع هذه المجموعة في مختلف اللجان، وقمنا بزيارة مصنع تكرير المياه المبتذلة في صيدا، لكنني لم أنخرط مع المجموعة التي تضم مختلف الأحزاب في صيدا".

وأضافت "حتى لو كانت تضم الأحزاب والذين بالتأكيد لدي مشكلة معهم، ولكنني لا أنكر بأنني أريد لهذه التجربة أن تنجح لأن النتيجة ستنعكس على الجميع، الناس انتخبت واختارت من يمثلها لذلك أدعم وأراقب وإذا لمست أي خطأ سأرفع الصوت عالياً".

واختتمت هانيا الزعتري حديثها بالإشارة إلى الخطوات المقبلة في مسيرتها حيث تستبعد فكرة الترشح للانتخابات البلدية المقبلة، ولكنها تتحضر لخوض الانتخابات النيابية مجدداً في العام 2026. وتؤكد أن غيابها عن الانتخابات البلدية لا يعني أنها لن تكون حاضرة وتقدم المساعدة لكل المشاريع التي تساهم بتطوير مدينتها صيدا التي وُلدت وتعيش فيها.