فاطمة الفهرية مؤسسة أول جامعة في العالم
كانت فاطمة الفهرية من أعظم الرواد الذين شهدهم العالم على الإطلاق، أحدثت ثورة في أفريقيا وخارجها بمجال التعليم وتركت وراءها علامة بارزة في التاريخ الإسلامي.
مركز الأخبار ـ مهدت رؤية فاطمة الفهرية واستثمارها الطريق لتأسيس أول جامعة في العالم تضم أقدم المكتبات، استقطب جامعة القرويين أبرز علماء العرب والغرب، دعمت التقدم الفكري وشكلت مصدر إلهام لغيرها.
امرأة سجلت اسمها في تاريخ الحضارات
من القرن السابع وحتى السادس عشر كان عصراً للتطور العلمي والفلسفي والديني والثقافي في جميع أنحاء العالم، حيث امتدت الحضارة الإسلامية من جنوب إسبانيا إلى الصين، وازدهرت وتجاوزت الحدود بشكل لا مثيل له، حيث أنها ضمت العديد من الثقافات والتقاليد المتنوعة من مختلف الدول حول العالم أثْرت العصر الذهبي بالاكتشافات العلمية، وموضوع تراث الحضارة الإسلامية واسع النطاق، ولعل أبرز الشخصيات التي لفتت الانتباه رائدة العصر الفكري للإسلام فاطمة الفهرية التي ولدت في تونس عام 800 ميلادي انحدرت من عائلة ثرية، هاجرت مع والدها وشقيقتها إلى مدينة فاس المغربية، ورثت ثروة طائلة عن والدها استخدمتها في تأسيس أقدم جامعة في العالم هي جامعة القرويين عام 859 وسميت باسم مسقط رأسها مدينة القيروان عاصمة تونس آنذاك، الجامعة تضم المواد الأدبية والعلمية مثل النحو والتاريخ الإسلامي والجغرافية والرياضيات والفلك والطب والكيمياء، شكلت الجامعة ثروة من المعرفة ومركزاً للنشاط الفكري والديني قرابة الألف عام.
في سن مبكرة تعلمت فاطمة الفهرية وشقيقتها وترعرعتا في كنف عائلة ثرية تقدر مدى أهمية تعليم المرأة، واقتداءها بوالدها جعلها تتحلى بإيمان راسخ بقدراتها وحكمتها مما دفعها إلى الأمام في مساعيها، عندما اختارت طريقاً غير مألوف محفوف بالتحديات والنكسات إلا أن ثقتها بنفسها كانت كافية لتجاوز كل ما واجهته.
في البداية لبت فاطمة الفهرية احتياجات مجتمعها فبنت مسجداً وبعد عام واحد من تشييده تحول حسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية إلى مؤسسة جامعية بداية عام 877 لا تزال تعمل حتى اليوم، قصدها العلماء والطلبة من جميع أنحاء العالم للدراسة فيها، واستقطب كبار العلماء منهم عبد الرحمن ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث والطبيب والفيلسوف أبو الوليد ابن رشد والطبيب الأندلسي موسى بن ميمون وأشهر الجغرافيين العرب والمسلمين محمد الطائي الإدريسي والبابا الفاتيكان سيلفستر الحادي عشر الذي نسبت إليه عملية نقل الأرقام العربية إلى أوروبا.
أهمية الجامعية محلياً وعالمياً
ضمت الجامعة مؤلفات مشهورة للمؤرخ ابن خلدون، وبعد رؤية طريقة الجامعة في التعليم والتعلم ألهمت الدول الأوروبية لإنشاء جامعاتها الخاصة، لم تلعب الجامعة دوراً فكرياً فقط بل لعبت أيضاً دوراً سياسياً في العديد من المحطات السياسية التي مر بها المغرب منها البيعة وشن الحروب وتوقيع معاهدات السلام التي كانت تُتخذ في جامعة القرويين وتحمل توقيع علمائها.
وصل تأثير فاطمة الفهرية إلى جميع أنحاء المعمورة، لقد كانت أول شخص يقوم بشيء غير مسبوق والقدوة التي يتبعها الآخرون، كان بناء مثل هذه المؤسسة التعليمية بلا شك مهمة غاية في الصعوبة فقد استغرقت الكثير من الأيام والاجتماعات التي لا نهاية لها والتنسيق المستمر مع الآخرين والعمل الدؤوب لإنجاز المهمة التي حددتها على مدى عامين وانجزتها خلال 18 عاماً.
لم يكن مشروع بناء مسجد وجامعة مهمة سهلة على فاطمة الفهرية من نواح عدة فحسب التوقعات الثقافية لتلك الحقبة لم يكن من المعتاد أن تتبع المرأة آنذاك مثل هذا المسار، ومع ذلك لم تسمح للأعراف الثقافية أن تردعها بل وسعت مجموعة مهاراتها وتعلمت مفاهيم جديدة وتواصلت مع أشخاص لم تكن تتواصل معهم إلا أن ذلك زاد من ثقتها بنفسها وبالتالي إيمانها بنفسها للمضي قدماً خطوة بخطوة.
فبدل من أن تشكل وفاة والدها وزوجها سبباً لحزن شديد وجدت طرقاً للتعامل مع ذلك فقامت باستخدام الثروة التي تركها والدها وأنشئت مؤسسة من شأنها أن تفيد مجتمعها المحلي، حيث تنافس السلاطين والدول التي حكمت المغرب على العناية بمسجد القرويين وتوسيعه، كما أن خزانته اقرضت الدولة المغربية في مراحل تاريخية مختلفة كما فاضت على سائر مساجد فاس ووصل أوقافها الزائدة حتى المسجد الأقصى بالقدس وحتى الحرمين الشريفين في السعودية.
صنفت موسوعة غينيس للأرقام القياسية الجامعة كأقدم مؤسسة جامعية في العالم متقدمة بذلك على جامعات أوروبا بحوالي قرنين من الزمن فقد كانت أول جامعة في أوروبا تأسس في القرن الـ 11 ميلادي بجنوب إيطاليا ثم تلتها باقي الجامعات، كما عرفت بتاريخية مرافقها منها المكتبة التي أسست في عهد الدولة المرينية والتي تعتبر من أقدم المكتبات في العالم ومرجعاً أساسياً للبحث والتأليف.