أسمى طوبي من رائدات النهضة النسائية
الكاتبة أسمى طوبي من رائدات النهضة النسائية في فلسطين، جمعت بين عملها الميداني ونشاطها الأدبي والثقافي، وحملت رسالتها الأدبية الملتزمة بقضايا الوطن والإنسان
مركز الأخبارـ .
أسمى طوبي التي توفيت ودفنت في بيروت عام 1983عن عمر ناهز الـ 78 عاماً، ومنحتها منظمة التحرير الفلسطينية في كانون الثاني/يناير عام 1990، وسام القدس للثقافة والفنون تقديراً لجهودها، هي ابنة مدينة الناصرة الفلسطينية التي ولدت فيها عام 1905 وتلقت في مدرسة التبشير تعليمها، والدها الشاعر رزق طوبي الذي تأثرت به.
إلمامها بالدراسات الأدبية كان سبباً في نجاحها وتفوقها، حيث أتقنت كل من اللغتين الإنكليزية واليونانية إلى جانب اللغة العربية، فضلاً عن درايتها بتفعيلات بحور الشعر وأصوله، واطلاعها على المعلقات السبعة للشعراء الجاهليين، ومتابعتها للقراءة والكتابة في سن مبكرة، كلها ساهمت في زيادة رصيدها الثقافي.
الفن المسرحي
واكبت أسمى طوبي مجال الأدب بالكتابة المسرحية في بداية النهضة التي شهدتها فلسطين في العقد الثاني من القرن العشرين. وهي في العشرين من عمرها استطاعت أن تعد أول مسرحية لها بعنوان "مصرع قيصر روسيا وعائلته" المؤلفة من خمسة فصول، والتي تم عرضها في مسارح عكا، وقُدمت في فلسطين ثلاث مرات وفي لبنان تسع مرات.
بعد نجاح مسرحيتها الأولى تشجعت أكثر للانخراط في كتابة الأعمال المسرحية، وقد عرضت أغلب المسرحيات التي كتبتها على خشبات المسارح العامة والمدرسية، ومن أبرزها مسرحية "أصل شجرة الميلاد" المؤلفة من ثلاثة فصول، ومسرحية "صبر وفرج" المؤلفة من ثلاثة فصول أيضاً وقدمت في عكا عام 1943، ومسرحية "نساء وأسرار" المؤلفة من أربعة فصول، ومسرحية "شهيدة الإخلاص" المؤلفة من ثلاثة فصول، ومسرحية "واحدة بواحدة"، و"قمار" كل منهما مؤلفة من فصل واحد.
دورها النضالي والميداني
أولت أسمى طوبي اهتماماً بقضايا المرأة والوطن، حيث استطاعت تأدية رسالتها النضالية والعمل الميداني بمشاركتها وتأسيسها لجمعيات واتحادات نسوية إلى جانب دورها الأدبي، فبرز دورها عبر الجمعية النسوية "لجنة السيدات العربيات" التي تأسست على يد رقية حقي الكرمي في مدينة عكا، إلى أن تم إغلاقها عام 1948، وعملت اللجنة على مدّ المقاتلين بالمؤون والأسلحة، ومساعدة الجرحى والإشراف على تدريب الممرضات وفرق الإسعاف الميداني، إضافة إلى تقديم العلاج والدواء.
وكانت عضوة نشطة في "اتحاد المرأة" في مدينة عكا بين عامي 1929 ـ 1948، وعضوة في "جمعية الشابات المسيحيات"، كما تولت رئاسة "جمعية الشابات الأرثوذكسيات"، وهدفت هذه الجمعيات إلى تمكين النساء والفتيات وتحسين أوضاعهن من خلال إمكانية الوصول إلى الأنشطة التعليمية والثقافية، ورفع مستوى الوعي.
وتولت رئاسة "الاتحاد النسائي الفلسطيني" في عكا أواخر الانتداب البريطاني على فلسطين، بعد أن تحولت جميع الجمعيات واللجان النسائية في فلسطين إلى اتحادات، وكانت قد استلمت أمانة السر في المرحلة الأولى من تأسيس هذا الاتحاد.
عملها الصحفي
تزامن عملها الميداني مع عملها الصحفي، أرادت من عملها هذا أن تكون مرآة للواقع، حيث عملت في المحطات الإذاعية في وقت لم يكن هذا العمل متاح لبقية النساء.
عملت في الإذاعة الفلسطينية التي تأسست عام 1936، والتي كانت تعرف حينها بـ "هنا القدس"، كانت أولى المذيعات التي عُرفت بجرأتها وقوتها في البرنامج الذي كانت تقدمه أسبوعياً للمرأة بشكل خاص، بالإضافة إلى البرامج الأخرى التي تتناول قضايا ومجالات متعددة. كما عملت في محطة "الشرق الأدنى" في يافا، وإذاعة "بيروت".
نشرت لها عدة مقالات في أكثر من صحيفة، كما أنها أصبحت المحررة المسؤولة عن الصفحة النسائية في جريدة "فلسطين" قبل عام 1948، وفيما بعد أصبحت المحررة الرئيسية في الجريدة نفسها.
في عام النكبة 1948، كتبت موضوع يتمحور حول أعمال المرأة ونضالها تحت عنوان "المرأة العربية في فلسطين"، وقد أرسلت عملها هذا للمطبعة في عكا، لكنها لم تستطع طباعته، بسبب مغادرتها البلاد.
استأنفت نشاطها وكتبت في عدة صحف منها مجلة "الأحد" الأسبوعية ومجلة "الحياة" و "كل شيء" و"دنيا المرأة" الشهرية، كان من أبرز مواضيعها التي تقدمها تتمحور حول المرأة والوطن والإنسانيات والخواطر الوجدانية والتأملات التي جمعتها في كتاب "أحاديث من القلب" عام 1955. كما أنها ألقت العديد من المحاضرات في الأندية الأدبية والجامعات والمراكز العلمية.
كتابات لا تخلو من صور لمراحل حياتها
أسمى طوبي التي نظرت إلى الأدب على أنه عجلة النهضة والتغيير ركيزته الأساسية هما الحرية والجرأة، عمدت إلى التجديد في الكتابة الأدبية من حيث المعنى والبناء الشعري، فسياقات قصائدها تكاد لا تخلو من صور لمراحل عمرها، وشعرها يميل نحو النمط السائد آنذاك وهو الشعر النثري أو ما يعرف بـ "شعر التفعيلة".
وعُنيت كتاباتها بقضايا الإنسان على وجه العموم لكنها التزمت بالقضية الفلسطينية على نحو خاص، فقد عكست في أغلب قصائدها وكتاباتها واقع الأزمة الفلسطينية، كما عظمت الشهادة والتضحية في سبيل الوطن.
على الرغم من مسيرتها الأدبية في فنون الأدب وكتابة الشعر الحر، إلا أنها لم تنشر إلا ديوان شعري واحد بعنوان "حبي الكبير" عام 1972، ومنحت بعده بعام وسام قسطنطين الأكبر اللبناني، ويتضمن الديوان 38 قصيدة، وقد وضعت على غلافه خارطة فلسطين، كما أنه يتضمن الجراح التي خلفتها النكبة على الشعب الفلسطيني، وتحكي عن الغربة والعودة.
وفي سطور شعرها تتضح النزعة الإنسانية التي تحمل صرخات الألم والوجع في وجه الواقع، فقد خصت في قصيدة "صغير حامل سل" الأطفال الذين يعانون الشقاء والتعب من واقعهم البائس بأسلوب قصصي.
وفي قصيدة "عام جديد" تتشابك بين مفرداتها ثنائيات مزدوجة منها الحنين إلى مراحل الطفولة والشباب، ومنها الهروب من الواقع والخوف من الغد المجهول، على أمل الرجوع إلى وطنها.
كما أنها كتبت العديد من النصوص النثرية منها "الفتاة وكيف أريدها" التي نشرت في عكا عام 1943، و"على مذبح التضحية" التي نشرت في عكا عام 1946، و"عبير ومجد" التي نشرت في بيروت عام 1966، ولها مجموعة مقالات بعنوان "نفحات عطر" نشرت في بيروت عام 1967.
فن الترجمة
أضافت أسمى طوبي فن أدبي جديد على حياتها وكتاباتها، بعيداً عن الشعر والكتابة المسرحية فبذلت جهدها في ترجمة ما تراه مناسباً وذا مضمون مناسب لنشره، حيث ترجمت في عكا رواية "الابن الضال" للكاتب الإنكليزي هول كير عام 1946، إضافة إلى الروايات التي ترجمتها في بيروت منها رواية "الدنيا حكايات" ورواية "في الطريق معه" عام 1960.
شكلت رائدة النهضة الفلسطينية أسمى طوبي والتي لا يمكن تناول كتاباتها بالمعايير والقواعد الفنية المتداولة حالياً صوتاً نسوياً مشحون بالوعي والتحرر.