أنجيلا ديفيس... من أيقونات القرن العشرين للمساواة العرقية

أنجيلا ديفيس سياسية نسوية وفيلسوفة أمريكية نشطت في الحركات المعارضة لعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والافتقار للديمقراطية الحقيقية في جميع أنحاء العالم.

مركز الأخبار ـ الناشطة في مجال حقوق الإنسان الفيلسوفة الأمريكية والكاتبة أنجيلا ديفيس، رشحت لمنصب نائب الرئيس الأمريكي بالحزب الشيوعي، دعمت النضال من أجل حرية الزنوج الأمريكيين، واكتسبت شهرة دولية على خلفية سجنها ومحاكمتها.

 

بداية الطريق وتطلعات لمستقبل مشرق

أنجيلا ديفيس ناشطة أمريكية ولدت عام 1944 في برمنغهام ألاباما ونشأت في حي للطبقة المتوسطة غالبيته من الأمريكيين من أصل أفريقي تعرض الحي في خمسينيات القرن الماضي لتفجير المنازل بهدف ترهيب وطرد السود.

درست المرحلة الثانوية بمدرسة خاصة وتعرفت لأول مرة على الماركسية وانضمت إلى الجماعات الشيوعية، رافقت والدتها التي كانت ضابطة وطنية ومنظماً رئيسياً لمؤتمر شباب الزنوج الجنوبيين وهي منظمة متأثرة بالحزب الشيوعي، وبالتالي كانت أنجيلا ديفيس محاطة بالمنظمين والمفكرين الشيوعيين وأثر ذلك على تطور فكرها.

حصلت على منحة لجنة خدمة الأصدقاء الامريكيين من جامعة برانديز في والتهام ماساتشوستس بنيويورك ودرست الأدب الفرنسي، ثم توجهت إلى فرنسا عام 1962 للدراسة في جامعة السوربون، وانتقلت إلى ألمانيا من أجل دراسة الفلسفة وعلم الاجتماع في عام 1965 وحصلت على شهادة الدكتوراه، وانخرطت شيئاً فشياً في سياسة اليسار الراديكالي.

وعندما عادت إلى الولايات المتحدة لفت انتباهها الأحداث التي وقعت هناك أبرزها تشكيل حزب الفهد الأسود وتحويل لجنة التنسيق الطلابية اللاعنفية إلى منظمة سوداء بالكامل، فانضمت للحزب والحركة النسوية من الموجة الثانية والحملة ضد حرب فيتنام.

وعلى الرغم من تأثرها بخطاب ستوكلي كارمايكل منظم حركة الحقوق المدنية والحركة الأفريقية إلا أنها أصيبت بخيبة أمل بسبب المشاعر القومية السوداء لزملائها ورفضهم للشيوعية واعتبارها "أمر يخص الرجل الأبيض"، لذلك انضمت إلى نادي تشي لومومبا وهو فرع أسود بالكامل من الحزب الشيوعي الأمريكي.

وفي عام 1969 كانت أستاذ مساعد في قسم الفلسفة بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، إلا أن مجلس أمناء كاليفورنيا رفض تجديد تعيينها كمحاضرة في الفلسفة على خلفية كونها ناشطة نسوية راديكالية، وعلى الرغم من أن المحكمة قضت بأن قرار فصلها غير قانوني إلا أن الجامعة قامت بفصلها بحجة استخدام لغة تحريضية استخدمتها في أربع خطابات مختلفة انتقدت فيها المعاملة الوحشية التي قتل بها متظاهري حديقة الشعب في أيار/مايو عام 1969.

 

نقطة التحول في حياتها

كانت أنجيلا ديفيس من أنصار سوليداد براذرز وهم ثلاث سجناء من أصل أفريقي اتهموا بقتل أحد حراس سجن سوليداد، وفي عام 1970 وخلال محاكمتهم أطلق أحد المتهمين النار على الشرطة الذين ردوا أيضاً فقتل القاضي والرجال السود الثلاثة.

واعتبرت ولاية كاليفورنيا جميع الأشخاص المعنيين وحتى المتعاطفين مع سوليداد براذرز مسؤولين رئيسيين عن أي جريمة ترتكب على هذا النحو، لذلك وجهت إلى أنجيلا ديفيس تهمة "الاختطاف والقتل من الدرجة الأولى" وصدر بحقها مذكرة اعتقال.

لكن في جميع أنحاء البلاد بدأ الآلاف من الأشخاص بتنظيم حركة للمطالبة بإطلاق سراحها ففي نيويورك شكل الكتاب السود لجنة سميت "الشعب السود دفاعاً عن أنجيلا ديفيس"، وعملت أكثر 200 لجنة محلية في الولايات المتحدة و67 أخرى في دول أجنبية على إطلاق سراحها.

وبحلول عام 1971 مثلت أمام المحكمة العليا وأكدت براءتها من جميع التهم الموجهة ضدها، وعرفت أنها أبرز المعتقلين السياسيين آنذاك، بعد سجن دام 16 شهراً ودفع كفالة مالية، أصدرت هيئة المحلفين حكماً بالبراءة.

 

الديمقراطية السبيل الوحيد لمكافحة العنصرية

بعد تبرئتها اتجهت في جولة محاضرات دولية منها إلى كوبا، حيث نظم الكوبيون من أصل أفريقي تجمعاً حاشداً لاستقبالها، واعتبرت أنجيلا ديفيس أن كوبا دولة خالية من العنصرية مما دفعها إلى الاعتقاد أنه "فقط في ظل الاشتراكية يمكن مكافحة العنصرية بنجاح"، لذلك عندما عادت إلى الولايات المتحدة أثر ميولها المتزايد للاشتراكية على فهمها للصراعات العنصرية، وفي عام 1974 حضرت المؤتمر الثاني لاتحاد المرأة الكوبية وكان آنذاك برئاسة فيلما إسبين.

حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة موسكو الحكومية، وفي عام 1979 نالت جائزة لينين للسلام مقدمة من الاتحاد، كما زارت ألمانيا الشرقية كونها ِأيضاً نظمت نيابة عنها حملة واسعة النطاق لإطلاق سراحها وحصلت هناك على درجة فخرية من جامعة لايبزيغ ونجمة الصداقة الشعبية، وألقت في برلين الشرقية خطاباً بعنوان "ليس فقط انتصاري" أشادت فيه بالجهود الديمقراطية لألمانيا والاتحاد السوفييتي واستنكرت العنصرية الأمريكية، وفي عام 1973 عادت إلى برلين الشرقية لكن هذه المرة لقيادة الوفد الأمريكي إلى المهرجان العالمي العاشر للشباب والطلاب.

قبلت أنجيلا ديفيس ترشح الحزب الشيوعي لمنصب نائب الرئيس بصفتها نائبة الأمين العام للحزب آنذاك، وقامت بتأسيس لجنة المراسلات من أجل الديمقراطية والاشتراكية، وأكدت أنها وآخرين ممن وزعوا عريضة حول الحاجة إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على هياكل حكم الحزب لم يسمح لهم بالترشح لمناصب وطنية لذلك فصلت مجموعتها وتركت الحزب عام 1991.

وشكلت أنجيلا ديفيس عنصراً رئيساً في حركة إلغاء السجون التي سعت من خلالها إلى تقليص أو إزالة السجون وأنظمتها واستبدالها بأخرى لإعادة التأهيل والتعليم، كما كانت واحدة من مؤسسي المقاومة الحرجة وهي منظمة شعبية وطنية مكرسة لبناء حركة لإلغاء نظام السجون الأمريكية وتسهيل التعليم داخل السجون وإنشاء وسائل إعلام سياسية من قبل السجناء، وقد اعتبرت أن نظام السجون الأمريكية يشبه شكلاً جديداً من أشكال العبودية مشيرةً إلى الحصة غير المتناسبة من السكان الأمريكيين من أصل أفريقي كانوا مسجونين، ودعت إلى تركيز الجهود على التعليم وبناء "مجتمعات ملتزمة" لحل المشاكل الاجتماعية المختلفة التي يتم التعامل معها من خلال عقوبات الدولة.