أنديرا غاندي... امرأة الهند الحديدية (2)

عرفت أنديرا غاندي بأنها امرأة آمنت باستقلال بلادها وضرورة الخلاص من الاستعمار البريطاني والاعتماد على الذات في تأمين احتياجات شعبها والحفاظ على وحدة الهند ورفض الاقتتال الطائفي

أنديرا غاندي رئيسة للوزراء 

مركز الأخبار ـ .
تزامن وصول أنديرا غاندي للحكم مع ظهور حركات المرأة في العالم، فاعتبروا وصولها لهذا المنصب دليلاً على أن المرأة قادرة على الانخراط في المجال السياسي، وتصدرت صورها المجلات والجرائد الأجنبية في العالم.
اندلعت صراعات داخلية بين بعض رموز حزب المؤتمر بغية الفوز بمنصب رئيس الوزراء، أدت هذه الصراعات إلى انقسام الحزب إلى قسمين "حزب المؤتمر التنظيم وحزب المؤتمر الحاكم بقيادة أنديرا غاندي"، واستطاعت أنديرا الصمود أمام المشكلات الجديدة بتحالفها مع التيارات اليسارية داخل البرلمان واستمر الوضع هكذا لمدة عام.
وقفت أنديرا غاندي في وجه البرلمان ورفضت قرار دفع امتيازات ونفقات للأمراء والمسؤولين من قبل الحكومة، حيث اعتبرت أن تلك الأموال هي من حق الفقراء، فأصدرت مرسوماً رئاسياً يسمح بإصدار تعديل على الدستور، وعندما أعلنت المحكمة الدستورية العليا عدم دستورية هذا القانون رفعت المعارضة شعار "اطردوا أنديرا"، فردت أنديرا عليهم بشعار "اطردوا الفقر".
أكسبها هذا الشعار تأييد الجماهير الشعبية، وسمح لها بتنفيذ العديد من الإصلاحات الاجتماعية والدستورية والاقتصادية التي كانت تخطط لإيصال بلدها إلى الحداثة، وأضفت نوعاً جديداً من النشاط على السياسة الدولية بدفاعها عن البلدان الفقيرة والمتخلفة في العالم، وكانت من المكافحين لتحقيق السلام العالمي.
كانت أنديرا غاندي تعتبر علاقتها بالاتحاد السوفيتي علاقة استراتيجية تكللت في 9 آب/أغسطس 1971، بتوقيع معاهدة للصداقة والتعاون تمهيداً للدخول في الحرب الثالثة مع باكستان التي كانت تربطها بالولايات المتحدة علاقة مميزة.
وقد نجحت في نفس العام بأضخم انتخابات ديمقراطية تشهدها الهند في تاريخها، وأصبحت أقوى رئيسة وزراء منذ الاستقلال خلال دورة رئاستها الثانية، حيث اشتهرت بوقوفها إلى جوار الفقراء.
قادت أنديرا غاندي الهند في حربها مع باكستان عام 1971، والتمس نحو 10 ملايين باكستاني اللجوء إلى الهند، واستسلام القوات الباكستانية، وبذلك دعت أنديرا الرئيس الباكستاني "ذو الفقار علي بوتو" إلى مدينة شيملا لحضور قمة، واتفق الطرفان على حل النزاعات الإقليمية بطريقة سلمية وتمهيد الطريق للاعتراف ببنغلاديش المستقلة، وقد رفع هذا الانتصار من شعبية أنديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين.
حققت الهند نجاحاً ملموساً فيما عرف بالثورة الخضراء، نتيجة معالجة النقص المزمن في الغذاء، وقد أثرت هذه الثورة بشكل رئيسي على المزارعين الفقراء وخاصة من الطائفة السيخية في منطقة البنجاب.
بدأت الهند بالتفكير جدياً في إجراء ما يسمى بتفجير (قنبلة نووية سلمية)، في الوقت الذي كانت أنديرا غاندي رئيسة الوزراء تبرز بقوة، وفوضت العلماء لصناعة قنبلة نووية يمكن إجراء اختبار في تفجيرها.
وفي النصف الأخير من عام 1971 فرضت التطورات الدولية أهمية الهند، فبين شهري تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر من ذات العام قامت الولايات المتحدة باختراق مهم في العلاقات مع الصين مستخدمة باكستان كوسيط، ودخلت الهند وباكستان في حرب، وقد أثرت هذه التطورات بشكل مباشر على السياسة الهندية.
وكانت تلك الأحداث من العوامل الحاسمة، التي أدت إلى تفجير القنبلة النووية عام 1974 تتمثل في إصرار مفوضية الطاقة النووية على إثبات جدارتها، وجاء القرار النهائي بإجراء الاختبار النووي نتيجة لعملية تخمينية ولغرض خاص يفتقر إلى تحليل أمني دقيق.
لا يوجد تسلسل زمني رسمي لعملية إصدار القرار الهندي بالنسبة لتفجير عام 1974، ولم تحفظ اي سجلات مكتوبة للمداولات حول الخطة وذلك وفقا لما ذكره اثنان من بين المسؤلين القليلين الذين شاركوا في عملية اتخاد القرار، وبحسب ما قال رئيس مفوضية الطاقة النووية آنذاك "هومي شنا" أنه "لا توجد قصاصة ورق واحدة بشأن هذا الموضوع".
وأممت أنديرا غاندي 14 بنكاً تجارياً، وافتتحت المزيد من البنوك التي أدت إلى تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار وأنعاش القطاع الزراعي، حيث برزت كقائدة شعبية بفضل جهودها من أجل إعادة إحياء الصناعة الزراعية.
 وأطلقت برنامجها المؤلف من 20 بنداً للقضاء على الفقر وإنتاج أول قنبلة نووية بالهند، ودافعت عن البلدان المحتلة في العالم وترأست حركة "عدم الانحياز" وتحالفت مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وشكلوا تحالفاً قوياً مع الاتحاد السوفيتي.
عُرفت أنديرا غاندي بامرأة الهند الحديدية استطاعت القبض بيد من حديد على دولة تتميز باختلاف وتناحر طوائفها.
وعلى خطى أبيها الروحي المهاتما غاندي ووالدها جواهر دلال نهرو وقفت أنديرا بوجه الاستعمار البريطاني لبلادها واكتسبت شهرة واسعة على مستوى العالم بوصفها سيدة دولة.
واشتهرت أنديرا غاندي بميلها نحو فكرة عدم الانحياز في نطاق التعاون مع جمال عبد الناصر والمارشال تيتو.
كانت أول امرأة ذات شأن في العالم أجمع، وأصبحت الهند بقيادتها بلداً قوياً وأحرز تطوراً في مختلف المجالات، وحتى يومنا هذا هي المرأة الوحيدة التي تبوأت ذلك المنصب في الهند.
 
إعلانها حالة الطوارئ
بعد معاناة الهند من عدة أزمات بسبب الحرب مع باكستان وحصول أزمة نفطية حادة ونشوب العديد من المظاهرات الشعبية، وضرب الجفاف مساحات واسعة من الهند قلت على أثره المحاصيل الزراعية وارتفعت أسعار المواد الأولية، وساد البلاد حالة من التضخم والفساد المالي والإداري ساعد على بروز أصوات المعارضة بقوة، وهو الأمر الذي أجبر رئيسة الوزراء أنديرا غاندي ورئيس الهند فخر الدين علي أحمد إلى إعلان حالة الطوارئ في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1975.
وهذ ما جعلها قادرة على التحكم بمختلف جوانب الحياة السياسية في الهند ومن ضمنها الانتخابات، ولم يستطع أي أحد انتقاد الحكومة في ذاك الوقت. 
وفرضت من خلال حالة الطوارئ الرقابة على الصحف، وعلقت الحريات الدستورية، وأطلقت برنامج التعقيم الإجباري، وسجنت آلاف المعارضين وأجلت الانتخابات المستحقة حتى سنة 1976.
وبعد ضغط المعارضة ووصفها لأنديرا غاندي بالديكتاتورية تم إلغاء حالة الطوارئ وأجريت انتخابات في عام 1977، ولكنها خسرت هي وحزبها في الانتخابات، وتم اعتقالها بأمر من رئيس حزب الشعب موراجي ديساي، بتهمة التخطيط لقتل قادة المعارضة، إلا أنه لم تثبت التهم وبالتالي أطلق سراحها مما أكسبها مصداقية لدى الشعب الهندي.
 
عودتها إلى السلطة
في الثمانينات ازداد الخلاف بين أنديرا غاندي والطوائف المختلفة في الهند، وبعد فشل حكومة موراجي ديساي، عادت أنديرا للسلطة كرئيسة للوزراء، وما ميز ولايتها الثانية هي استغلالها سلسلة الأخطاء التي ارتكبها تكتل المعارضة في الهند.
وتعمقت العلاقة بين الهند والاتحاد السوفيتي بعد عودتها إلى السلطة، بسبب امدادها بالأسلحة ودعمها في مجلس الأمن باستخدام حق النقض "الفيتو"، في حرب الهند وباكستان وتحرير بنغلادش.
لم تكن أنديرا غاندي راضية عن الغزو السوفييتي لأفغانستان، لكن الحسابات التي تنطوي على علاقات مع باكستان والصين استمرت مرة أخرى في انتقاد الاتحاد السوفييتي بقسوة، وأصبح اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية المورد الرئيسي للأسلحة خلال سنوات، من خلال تقديم الائتمان الرخيص والمعاملات في روبية بدلاً من الدولار، وبهذا أصبح الاتحاد السوفياتي الشريك التجاري الأكبر للهند.
أما علاقات الهند بالولايات المتحدة الأمريكية فكانت متأرجحة، فعندما تولت أنديرا غاندي السلطة عام 1966، كان ليندون جونسون هو الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، كانت الهند تعتمد على الولايات المتحدة للحصول على المساعدات الغذائية، استنكرت أنديرا سياسة المعونة الغذائية الأمريكية كأداة لإجبار الهند على تبني سياسات تفضلها الولايات المتحدة، ورفضت بشدة التوقيع على NPT (معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية).
توترت العلاقات مع الولايات المتحدة بشدة في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون وتفضيله لباكستان خلال حرب تحرير بنغلاديش، لكنه وجدها سهلة المعاملة خلال العمل وشكلت علاقة عمل وثيقة خلال فترة رئاستها في الثمانينيات.
 
عملية النجم الأزرق... نهاية أنديرا غاندي
في صيف 1984، قرر زعيم الطائفة السيخية في الهند "جارنيل سينغ بيندرانويل" الاعتصام داخل المعبد الذهبي بأمرتسار في ولاية البنجاب، احتجاجاً على رفض أنديرا غاندي إعطاء السيخ الحكم الذاتي، واعتقال الآلاف من السيخ المطالبين بالانفصال وإعلان الحكومة الهندية حالة الطوارئ لمواجهة الحالة الأمنية المتردية الناتجة عن أعمال العنف والمظاهرات العنيفة تجاه الطائفة السيخية.
وانضم للاعتصام "بيندرا بهندرانوالة" زعيم حركة خالصستان الانفصالية المسلحة ومجموعة كبيرة من أتباعه، وأضرب المعتصمون في المعبد عن الطعام ورفضوا جميع محاولات الوساطة لفض اعتصامهم سلميا وصمموا على طلبهم بحصول السيخ على حكم البنجاب، واحتجزوا آلاف الزائرين للمعبد من السيخ وغير السيخ.
وللرد على ذلك قررت أنديرا غاندي فض الاعتصام بالقوة لإخماد فكرة انفصال السيخ عن الهند للأبد، من خلال إطلاق عملية "النجم الأزرق" التي كانت تهدف للسيطرة على المعبد الذهبي والقضاء على الحركة الانفصالية، وقد حققت غايتها، إلا انها تسببت بمقتل مدنيين وإلحاق الأضرار بممتلكاتهم.
جعلت عملية النجم الأزرق من أنديرا غاندي مكروهة في الأوساط السيخية، وأجج فض الاعتصام بهذه الطريقة مشاعر الحقد والضغينة في نفس حارسها الشخصي المنتمي إلى الطائفة السيخية.   
زارت أنديرا غاندي قبل يوم من اغتيالها في ولاية أوريسا، حيث ألقت خطابها الأخير في ساحة العرض آنذاك، أمام مبنى أمانة أوريسا، وفي اليوم التالي أطلق عليها اثنان من حراسها الشخصيين "ساتوانت سينغ وبينت سينغ" من الطائفة السيخية النار عليها بأسلحتهم الخدمية في حديقة مقر إقامة رئيس الوزراء في نيودلهي، وقع الحادث بينما كانت تسير وراء بوابة الويكت التي يحرسها ساتوانت وبينت.
اصيبت أنديرا غاندي بـ 11 رصاصة، لم تنجو من الحادثة على الرغم من أنهم أخذوها إلى العديد من المشافي والعيادات، وتم الإعلان عن وفاتها وحرقها وفق التقاليد الهندية بالقرب من راج غات والذي يعرف الآن بـشاكتي ستاهلا، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر1984.
 
الجوائز والتكريمات بعد وفاتها
تم تسمية جائزة باسم "جائزة أنديرا غاندي"، وهي جائزة عالمية للسلام تأسست عام 1986، وسميت باسمها تقديراً لجهودها في السلام وتمنحها الهند سنوياً للأفراد أو المنظمات اعترافاً منها لهم بالجهود لتعزيز السلم الدولي.
بالإضافة إلى أنه تم تسمية مطار نيو دلهي وجامعة "أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة" التي تعتبر من أكبر جامعات العالم باسمها، تكريما لها.