"أم الأمة" ويني مانديلا مالها وما عليها
زوجة سابقة للمناضل الأشهر ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، ارتبط اسمها باسمه رغم الفرق الكبير بين شخصية الاثنين
مركز الأخبار ـ .
ويني مانديلا امرأة سوداء عادية لا ملامح تميزها عن أي امرأة أفريقية أخرى، بشعر قصير ومجعد وجسم ممتلئ، تحرص على وضع غطاء الرأس في مناسبات عديدة والذي يعد من أهم ركائز اللباس الشعبي للنساء في جنوب أفريقيا، ترتدي ويني مانديلا الألوان الهادئة والصارخة على حد سواء.
غيّر العام 1957 حياة ويني مانديلا للأبد عندما التقت نيلسون مانديلا المحامي والناشط السياسي ضد نظام التمييز العنصري "الأبرتايد"، في بلادها، وتزوجت منه رغم أنه يكبرها بـ 18 عاماً.
تحولت ويني مانديلا، إلى رمز للنضال في جنوب أفريقيا وبرز نشاطها السياسي ضد نظام التمييز الممارس ضد السود من قبل الأقلية البيضاء منذ عام 1948.
بدايات ويني مانديلا
ولدت نومزامو ماديكيزيلا المعروفة بويني في 26 أيلول/سبتمبر 1936، في كنف والدين يعملان بالتدريس في بلدتها "مبونغويني"، والتي ينحدر منها نيلسون مانديلا أيضاً.
لم يعرف المجتمع في جنوب أفريقيا في ظل نظام عنصري مستبد أن امرأة سوداء ستبرز لتقول أنها مختلفة، فمنذ بداية حياتها كسرت القوالب المجتمعية ونالت شهادة جامعية في مجال الخدمة الاجتماعية عام 1956، وحصلت بعد ذلك على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية.
عملت ويني مانديلا بعد التخرج في النضال الوطني والأعمال الاجتماعية في الأحياء الفقيرة والمهملة التي يعيش فيها السود، وكانت أول إخصائية اجتماعية ذات بشرة سوداء في مدينتها.
امرأة رغم كل تهم الفساد التي طالتها بقيت الأغلى في قلوب الفقراء والمعدمين لم تؤثر هذه الفضائح على مكانتها بينهم ورأوا فيها صوتاً لهم.
الزواج من مانديلا... بداية النضال
شكل زواجها من نيلسون مانديلا علامة فارقة في حياتها، شاركته الحياة والنضال، عرفت بالمرأة الأقوى في جنوب أفريقيا، سميت بوالدة الوطن وأم الأمة.
شاركت نيلسون والعديد من السود المتعطشين إلى الحرية والعدالة مسيرة النضال لتحرير الجنوب الأفريقي من استبداد وتحكم العرق الأبيض الذين لا تتجاوز نسبتهم 15ـ 20% من سكان البلاد بمصير أكثر من 80% من السكان سود البشرة.
ومنذ فوز الحزب الوطني المتطرف في تشريعات عام 1948، عمل على تقسيم المجتمع إلى مجتمعين على أسس عرقية، وسن قانون "سجل السكان" العنصري، والذي تم بموجبه استعباد السكان ذوي البشرة السوداء.
تَعرف نيلسون على ويني في محطة الحافلات في مدينة سويتو مهد الثورةِ الأفريقية المناهضة لنظام الفصل العنصري، والتي بدأت عام 1976، وامتدت إلى جميع أنحاء جنوب افريقيا.
كانت ويني مانديلا في مُقتبل العمر ونيلسون مانديلا متزوج وله ثلاثة أطفال، في الأربعين من عمره، وبعد قصة حبٍّ استمرت قرابة العام طلقَ زوجته الأولى وارتبطَ بويني في حزيران/يونيو عام 1958.
لم يكن وقتها مانديلا قد بدأ رحلة النضال السياسي والحقوقي ضد نظام الابرتايد، لكن تغّير كل شيء عندما انخرط بالعمل الحقوقي السري بعد مرور أقل من ثلاثة أعوام على زواجهما.
انخرط المناضل الأفريقي في العمل السري ضد الفصل العنصري وتحديداً في عام 1962، وتغيرت معه حياة ويني وطفلتيهما "زيندزي مانديلا، وزيناني مانديلا-دلاميني".
تقول ويني مانديلا في مذكراتها أن حياتها العائلية مع مانديلا لم تكن عادية "مكافحة نظام الفصل العنصري والأمة تأتيان في المقام الأول"، لم يكن بمقدور ويني انتزاعه من الشعب والنضال الحقوقي.
دعمت زوجها وهو في الحبس وكتبت له في عام 1962 رسالة توضح كم كانت فخورة به تقول في الرسالة "لا شيء يمكن أن يكون أغلى من أن تكون جزءاً ولبنة من تكوين تاريخ البلاد".
وبرفقته ساعدت في صنع التاريخ، لكنَّ زواجهما لم يستطع الصمود أمام الصعاب التي واجهاها، حسب جيليان سلوفو مؤلفة الكتاب.
برز اسم ويني مانديلا في الوسط الحقوقي والشعبي على حد سواء بعد اعتقال نيلسون مانديلا في عام 1963، والحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة والعمل على إسقاط الحكومة.
انتفضت واحتجت على القرار الجائر بحقه وقادت حملة شرسة للمطالبة بإطلاق سراحه، وأخذت دور زوجها مانديلا في النشاط السياسي والحقوقي؛ للقضاء على نظام الأبرتايد خلال فترة حبسه التي استمرت 27 عاماً.
تعرضت ويني مانديلا للاعتقال أكثر من مرة كان أولها في العام 1969، بقيت في السجن سنة ونصف، تقول ويني في مذكراتها عن الفترة التي قضتها خلف القضبان "كان جسدي منتفخاً بشكل لا يطاق وكنت أنزف... التجربة برمتها فظيعة للغاية".
تم حرق منزلها وعوقبت بالنفي إلى منطقة ريفية نائية عام 1976، بعدما اندلعت شرارة ثورة سويتو التي انتقلت إلى كافة مناطق البلاد.
خلال مؤتمر صحفي عقده مانديلا بعد خروجه من السجن بعامين قال عن ويني مانديلا "لقد تحملت الاضطهاد بثبات مثالي، ولم تتراجع أبداً عن نضالها من أجل الحرية، عززت صلابتها من احترامي الشخصي وحبي، كما لاقت إعجاب العالم، سيبقى حبي لها غير منقوص".
لقبها الشعب في جنوب أفريقيا بأم الأمة بعد المقاومة التي أبدتها، رغم المضايقات الأمنية واعتقالها أكثر من مرة ثم حرق منزلها من قبل القوات الأمنية.
اتهامات بالقتل والفساد المالي... الرأي والرأي الآخر
"كانت زعيمة رائعة للنضال ورمزاً للتحرير لكن شيئاً فظيعاً حصل" هكذا قال عنها الأسقف ديزموند توتو الحاصل على جائزة نوبل للسلام بعد الانتقادات والاتهامات المباشرة التي طالتها.
تَعرضت أيضاً لتشويه السمعة وارتكاب جرائم بدأ ذلك عندما عادت ويني مانديلا إلى مدينة سويتو التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات وجمعت ناشطين من المعارضة.
في ذلك الوقت أخذ النضال مساراً أكثر عنفاً، وجاء قولها إن على الشعب في جنوب أفريقيا أن يتحرر باستعمال "أعواد الثقاب"، حجة على طبق من ذهب استخدمها منتقديها لتوجيه العديد من الاتهامات لها.
طالت ويني مانديلا اتهامات بالتحريض على العنف وجرائم القتل البشع بحق عملاء نظام الفصل العنصري عن طريق وضع إطار حول أعناقهم وإحراقهم، كما اتهمت بالتواطؤ في قضية اختطاف مراهق يعمل كجاسوس للنظام وجد مقتولاً، قيل أن حراسها الشخصيين قاموا بقتله على علم منها.
بعد قضية الشاب الذي قتله حراسها الشخصيين حكم عليها عام 1991 بالسجن 6 سنوات لكنها نجت من هذا الحكم بدفع غرامة مالية فقط.
أًدينت في عام 2003، بالاحتيال والسرقة لصلتها بفضيحة اقتراض بنكي، وصفت بكونها روبن هود جديد باعتبارها تختلس المال لإعطائه للفقراء وأُصدر بحقها حكم بالسجن ثلاث سنوات وستة أشهر مع إيقاف التنفيذ.
ووجهت لها انتقادات بسبب حياتها المترفة لكنها ورغم ذلك دافعت بشراسة عن الفقراء.
لم تتوقف الإدانات بحق ويني مانديلا، اتهمت باختلاس الأموال من البنوك والمواطنين من خلال استغلالها لمنصبها في لجنة المرأة في المؤتمر الوطني، كانت الاستقالة والتوقف عن العمل السياسي بشكل كامل ردها على هذه الفضيحة.
كانت تلك الأعوام الأسوأ في تاريخ المناضلة الإفريقية فقبل عام من انفصالها عن مانديلا وتحديداً في عام 1995، قام زوجها بتنحيتها عن رئاسة رابطة النساء، وبعد ثلاثة أعوام أدانتها لجنة الحقيقة والتصالح المكلفة بالنظر في جرائم نظام الفصل العنصري الأبارتايد بجرائم وخروقات سياسية وأخلاقية في مجال حقوق الإنسان خلال فترة نضال السود لتحصيل حقوقهم.
بلغ السخط أوجه في الأوساط الأفريقية بعد الحملة الشعواء التي طالتها حتى أطلق عليها لقب "سارقة البلاد". لكن المؤيدين لها يؤكدون أنها تعرضت لمؤامرة من قبل المناصرين لنظام الفصل العنصري.
مناصب ويني مانديلا وتأثرها بحملات التشويه وتهم الفساد
أصبحت ويني مانديلا في عام 1969، عضواً بارزاً ونشطاً في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي قاد نضال السود نحو التحرر، وتميزت من بين أعضاء المؤتمر بارتباطها ودفاعها عن الفقراء.
في عام 1993، انتخبت رئيسة لرابطة نساء المؤتمر الوطني الأفريقي وعضواً في البرلمان، وبعد إلغاء قانون الفصل العنصري في عام 1990، جرت أول انتخابات شارك فيها السود عام 1994، وعينت في هذه الانتخابات نائبة لوزير الثقافة وهو المنصب الحكومي الوحيد الذي شغلته خلال حياتها لكن تم إعفائها بعد عام بتهمة التمرد.
الانفصال عن مانديلا
منذ خروج مانديلا من السجن كان قد قرر الانفصال عن ويني مانديلا بعد شائعات قالت إن زوجته خانته مع محاميه دالي مبوفو، كتبت وقتها صحيفة الواشنطن بوست إن علاقة الزوجين استمرت خلال ثلاثة عقود من السجن وفشلت خلال الحرية.
قالت ويني مانديلا عن زواجها من مانديلا "لقد كان لدي القليل من الوقت لأحبه... ربما لو كان لدي المزيد من الوقت للتعرف إليه أكثر لوجدت العديد من العيوب".
فيما خاطب مانديلا القاضي خلال إجراءات الطلاق قائلاً "لو حاول العالم بأسره إقناعي بإجراء تسوية مع جانب المدعى عليها ـ ويقصد بذلك ويني ـ فلن أفعل أنا مصمم على التخلص من هذا الزواج".
لكن رغم اتهامها بالخيانة الزوجية والتخلي عنها بعد 27 عاماً من الصبر والنضال إلا أنها لم تتخلى عن نيلسون وهو على فراش الموت وشاركت في جنازته في 5 كانون الأول/ديسمبر 2013.
تكريم ويني مانديلا
قبل وفاتها بأشهر قليلة وتحديداً في بداية عام 2018، منحتها جامعة "ماكريري"، في أوغندا دكتوراه فخرية. وتعد الجامعة أكبر مؤسسة تعليم عالي في أوغندا.
آخر اعوامها ووفاتها
عادت في عام 2007 إلى العمل السياسي من بوابة اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الوطني، كان طموحها السياسي في أقل مستوياته عاشت في منزلها المطل على منطقة سويتو بمدينة جوهانسبرغ الذي كان أحد معازل العنصرية في عهد نظام الأبرتايد ثم أخذت إجازة مرضية قبل شهر من وفاتها.
توفيت المرأة التي قالت عن نفسها أنها نتاج الجماهير ونتاج العدو الذي اضطهد السود في بلادها بمستشفى "نيتكير ميلبارك" بعد معاناة طويلة مع الفشل الكلوي يوم الاثنين الثاني من نيسان/أبريل 2018 عن عمر ناهز الـ 81 عاماً.