الشعيبية طلال منبع الفن الفطري

فنانة تشكيلية مغربية ولدت موهبتها من رحم معاناة عاشتها، الشعيبية طلال اكتسبت شهرة عالمية وأصبحت نموذج للمدرسة الفطرية في الإبداع التشكيلي، أتاحت المجال أمام الفن العفوي بعيداً عن قواعد التصنيف الأكاديمي.

مركز الأخبار ـ الشعيبية طلال من أشهر الرسامين المغاربة في القرن العشرين، وعرفت برسوماتها النسائية ذات الألوان الزاهية المنمقة، أصبحت مشهورة عالمياً بأفكارها الذاتية.

 

الأبداع من رحم المعاناة ولد

ولدت الشعيبية طلال بقرية إشتوكة في مدينة أزمور المغربية عام 1929، بدأت معاناتها بعد أن وفاة والدها وهي طفلة صغيرة حيث لم تكن كمثيلاتها ولم تعش طفولة طبيعية فقد حرمت من التعليم، أجبرت في عمر السابعة على الانتقال للعيش لدى أحد عمومتها الذي قام بتزويجها وهي بعمر الـ 13 عاماً برجل طاعن فالسن اغتصب ما تبقى من طفولتها وانجبت منه ابنها الوحيد حسين طلال، وبعد وفاة زوجها حملت على عاتقها تربية ابنها حيث وجدت نفسها طفلة وحيدة مسؤولة عن تربية طفل لذلك قررت ألا يعيش ابنها ذات المعاناة التي عاشتها في طفولتها وحتى لا يحرم من التعليم اتجهت للعمل في المنازل لتوفر له كل متطلباته، قدمت نموذجاً مثالياً للمرأة القوية المتمردة على ظروف الحياة.    

ولعل شغف ابنها بالرسم كان سبباً لإيقاظ حب هذه الفن لدى الشعيبية طلال إلى جانب الرؤية التي راودتها في المنام أن شخصين أعطاها مجموعة من الألوان والأوراق وطلبا منها أن تبدأ بالرسم، وبالفعل هذا ما كانت تفعله ليلاً بعد أن تعود من عملها في المنازل لكن لتردي أوضاعها الاقتصادية كانت تستخدم طلاء الجدران للرسم على قطع القماش والخشب، ساعدها الرسم على إفراغ ما بداخلها من معاناة وبذلك قدمت من خلاله رسائل إنسانية للعالم أجمع وليس المغرب فقط على وضع المرأة والانتهاكات التي تتعرض لها من تهميش وسلب لحقوقها.

نشأ ابنها على ذات الموهبة وترعرع متأثراً بفن والدته وأصبح الوسيلة التي غيرت قدرها، فعندما زاره في منزلهما بعض الفنانين التشكيليين كان من بينهم الناقد الفرنسي ومدير متحف الفن الحديث بباريس بيير كودير وألحت عليه الشعيبية طلال أن يلقي نظرة على أعمالها وأثارت لوحاتها دهشته وإعجابه مؤمناً بقدراتها كرسامة معلناً دعمه لها ومد يد العون لها، وبذلك تغيرت حياتها وبدأت التحضير لأول معرض للوحاتها عام 1966 بمعهد غوته في الدار البيضاء حيث بيعت جميع أعمالها، ثم أقامت معرضها الثاني في باريس، وعلى الرغم من الشهرة الواسعة التي حققتها إلا أنها وجدت لها نقاد منهم الفنان المغربي فريد بلكاهية ومحمد شعبة ومحمد القاسمي، الذين رأوا أن المبالغة في الاهتمام بالشعيبية طلال والفن البسيط والساذج يأتي على حساب فن آخر يتلقى رساموه دراسة أكاديمية.

 

طوفان فنها حول العالم

رغم كل النقد السلبي والمحاربة التي تعرضت لها الشعيبية طلال لم تثني من عزيمتها أو تأثر على الرأي العام تجاه فنها الذي نال إعجاب كبار الفنانين التشكيليين في العالم وإقامة المعارض في كبرى العواصم، منها معرض كوبنهاغن وفرانكفورت في الدنمارك ومعرض روتردام في هولندا وكان لفرنسا عامة وعاصمتها خاصة الحصة الأكبر لاحتضان معارضها منها كانت في قاعات الحيل ومعرض الحقائق الجديدة ومعرض في متحف الفنون الحديثة ومعرض سيباك ومزاد العلني في فندق دورت في باريس ومنتون والمؤتمر السادس للفن التشكيلي، بالإضافة لسويسرا وبلجيكا واليونان وصولاً للولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا.

ولم تكتفي بنشر لوحاتها في مختلف المعارض حول العالم وفي بلدها، فقد طلبت أن تكون لها زاويتها الخاصة التي تعرض فيها أعمالها إلى جانب أعمال ابنها فكان لها ذلك عام 1984 في زنقة عمر السلاوي البيضاء أطلقت عليه اسم "ألف باء" أي مبادئ الفن العفوي وأولياته يقوم على إشراف الفنان بنفسه وليس بأمر من أحد أو أي جهة أو مؤسسة، وبعد ستة أعوام عينت الشعيبة طلال عضو في البرلمان العالمي للأمن والسلام، وفي عام 2003 حصلت على الميدالية الذهبية "للجمعية الأكاديمية الفرنسية للتربية"، كما أن قاموس أكسفورد الدولي للأعلام خصص مادة تعريفية بها تكريماً لفنها وتاريخيها كما أدرج اسمها في قاموس "لاروس الفن"

ليس ذلك وحسب بل أطلق معرض بعنوان "الشعيبية طلال... ساحرة القلوب" عام 2021 استرجع خلاله المسيرة الفنية الحافلة للشعيبية طلال، وعرضت آخر أعمالها في القاعة الوطنية باب الرواح في مدينة الرباط لكن بسبب المرض لم تتمكن من حضور المعرض، لتفارق الحياة في 2 نيسان/أبريل عام 2004، بعد أن أثبتت للعالم أجمع أن المرأة الطموحة بعزيمتها وإصرارها تستطيع التحليق عالياً في فضاءات النجاح، وأن فنها الفطري الذي ولد من عفويتها استحق كل ما وصل إليه من تقدير وشهرة عالمية.