الكاتبة ومدرّسة التاريخ درخشان جلال
وهي في الرابعة عشرة من عمرها قامت درخشان جلال مدرّسة التاريخ والكاتبة لسيرة حياة ونضال حفصة خان نقيب بالانخراط في الأعمال السياسية من أجل حرية بلاده
مركز الأخبار ـ ا. في سن الثامنة عشرة وجدت الحاجة إلى منظمات نسائية مستقلة وعقدت الاجتماع التأسيسي الأول لاتحاد نساء كردستان في أحد المنازل.
ولدت درخشان جلال ابنة شيخ أحمني حفيد في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير عام 1934 ضمن عائلة وطنية في حي كاني إسكان في مدينة السليمانية بإقليم كردستان. كانت والدتها عيشان شيخ سعيد أيضاً امرأة مثقفة ومجتهدة للغاية، وجهت بناتها دائماً نحو التعليم والوفاء والإخلاص لكرديتهن. عيشان نفسها كانت امرأة ذكية ومطلعة وتحب التعليم كثيراً. أعطت كل عائلة أحمني حفيد أهمية للتعليم، ولم تميز بين الإناث والذكور، لذلك علموهم جميعهم على حد سواء. كان لدى درخشان ستة أخوة، ثلاثة ذكور وثلاث إناث، جميعهم تعلموا ودرسوا مثلها، لكنها انجذبت أكثر إلى مسؤوليات الوطن وكانت أبحاثها مشهورة أكثر من بقية أخوتها. أكملت درخشان جلال دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة السليمانية بإقليم كردستان بتفوق وبشهادات من المرتبة الأولى.
بالإضافة إلى الدراسة شاركت أيضاً في العمل السياسي وإدارة أعمال المنظمات النسائية المستقلة. وشاركت بعناية وتركيز في هذه الأعمال والمهام، فهي لم تنضم إلى ما كان موجوداً فقط، بل سعت وأرادت دائماً تجاوز الحاضر وإضافة أشياء جديدة.
تأسيس اتحاد نساء كردستان
شاركت وانخرطت وهي في الرابعة عشرة من عمرها في الأعمال السياسية من أجل حرية بلادها. للمرة الأولى في عام 1948 شاركت في الأنشطة السياسية وبذلك دخلت الأفكار التي كانت تحلم بها دائماً حيز التنفيذ. في سن الثامنة عشرة وضعت الأساس لبناء اتحاد النساء. عقدت الاجتماع الأول لاتحاد النساء في الحادي عشر من شهر كانون الثاني/يناير عام 1952 في منزل ميرزا غفور. وشكل هذا الاجتماع الأساس لإنشاء اتحاد نساء كردستان. أسست في الرابع عشر من آذار/مارس عام 1946 وبالتعاون مع قياديي جمهورية مهاباد تجمعاً لتنظيم نساء شرق كردستان في مدينة مهاباد في شرقي كردستان وتحت المسمى نفسه "اتحاد نساء كردستان" وتولت رئاسة هذا التجمع. بعد ست سنوات وعلى الخط الحدودي لمهاباد بالتحديد في مدينة السليمانية وتحت الاسم نفسه جمعت درخشان جلال نساء المنطقة وأسست اتحاداً لهم.
في عام 1959 أصبحت عضوة في الاتحاد الوطني لطلاب كردستان (YNK). وفي عام 1963 أصبحت عضوة في مؤتمر مجلس المدرسين في السليمانية. قامت درخشان جلال بالتعاون مع امرأتين ذكيتين مثلها وهما ستوبهية معروف وأنجوم زوهدي بقيادة النساء في جنوب كردستان. وبنفس الطريقة لعبن دوراً مشابهاً في ثورة أيلول.
لفتت الانتباه دائما لتفوقها ونجاحها
في أعوام (1956 ـ 1957) بدأت درخشان جلال دراسة التاريخ في كلية الآداب في جامعة بغداد. لم يكن اختيارها لقسم التاريخ من بين جميع أقسام العلوم التي كانت تدرس في الجامعة محض صدفة. فمذ كانت في الرابعة عشرة شاركت في البحوث حول تاريخ كردستان، هذا أيضاً دفعها إلى اختيار قسم التاريخ. ولأنها كانت قد قررت مسبقاً الفرع الذي ستدخله كانت تدرس بحب وشغف. في أعوام (1959 ـ 1960) أنهت دراستها وحصلت على شهادتها بتفوق. بعد تخرجها من الجامعة توجهت إلى السليمانية ودرّست مادة التاريخ في إحدى المدارس الثانوية. وفي أعوام (1969 ـ 1970) تولت إدارة المدرسة. ومن خلال أعمالها المثالية استطاعت جذب انتباه الطلاب والمدرسة بأكملها إليها.
طفلاها سوزان وميران
عندما كانت تدرّس مادة التاريخ في المدرسة الثانوية في السليمانية، أحبها طلابها كثيراً. اهتمامها بالعلوم وإتقانها لفن التعليم جعلا منها شخصية معروفة ومحبوبة في المدرسة. في تلك السنوات تزوجت من رجلٍ مثقف كان يدعى كمال مفري. ولأن زوجها كان يسكن في بغداد، انتقلت إلى بغداد تاركة وراءها من كانت تعلمهن بحب من الفتيات اللواتي أحببنها كثيراً. كلما ابتعدت أكثر زادتها حسرة ابتعادها عن بلدها تعلقاً بقضية وطنها أكثر. ومع مرور الوقت رُزقت بطلفين بنت تدعى سوزان وولد يدعى ميران. ربت طفليها أيضاً بنفس الطريقة الفنية المحبة للتعلم والوعي الوطني.
"كانت تكلفني أيضاً بأعمال سرية"
تقول أختها الصغرى بخشان جلال حفيد التي تعلمت على يديها كيفية القيام بالأعمال السياسية السرية "لقد كانت أختي الكبرى ومعلمتي ورفيقتي في الحياة. كانت كردية وطنية مجتهدة للغاية. كنت أصغر منها لذا علمتني وكلفتني بالأعمال السرية. بعد الانتفاضة ألفت كتاباً عن حفصة خان. شجعتني دائماً على الكتابة وقالت لي اكتبي عن الشخصيات المعروفة لتبقى خالدة في التاريخ. لم تعش لنفسها ومن أجل مصلحتها بل عاشت من أجل شعبها. لقد كانت ناجحة في المجال الاجتماعي أيضاً، فقد كانت تتجول وتستمع إلى مشاكل المواطنين ودائماً كان لديها الحل. صوت ضحكتها كان يبث القوة في الناس".
"كانت هي وطلابها مثل الأصدقاء"
أعطت جوزيدة قفطان صديقة درخشان جلال التي أمضت سنوات الدراسة معها في الصف الدراسي نفسه وربطتهما ببعض علاقة صداقة طيبة تقييمات مهمة حول حياتها وقالت "لقد كنا معاً طوال الوقت، في المنزل وفي المدرسة. درسنا معاً في نفس الصف الدراسي حتى وصولنا للمرحلة الثانوية. منذ البداية وحتى تخرجها في نهاية السنة الدراسية الأخيرة من المدرسة الثانوية في السليمانية حصلت على المرتبة الأولى".
بينت جوزيدة قفطان أنهما هذه المرة أيضاً توجهتا معاً إلى بغداد لإكمال الدراسة في الجامعة وقالت "غادرنا نحن الاثنتين السليمانية وتوجهنا إلى بغداد لإكمال دراستنا في الجامعة. عندما ذهبنا إلى جامعة بغداد وبسبب حبها للتاريخ دخلت درخشان جلال قسم التاريخ، أنا أيضاً كنت أحب الجغرافيا لذا دخلت قسم الجغرافيا. لأول مرة كانت خياراتنا مختلفة وذهبنا إلى صفوف مختلفة. على الرغم من أننا كنا في نفس الجامعة ونسكن معاً في نفس المنزل، إلا أنه لا شيء يضاهي سنوات الطفولة في مدارس السليمانية. بعد تخرجنا من الكلية عدنا إلى السليمانية موطننا الذي كنا نحبه كثيراً ونتوق إليه. أصبحتُ مدرسة لمادة الجغرافية، أما درخشان جلال فقد أصبحت مدرسة لمادة التاريخ. درّسنا في المدارس الثانوية. كانت علاقتها طيبة مع الطلاب، لذلك تعلق الطلاب بها بشدة وأحبوا طريقة تدريسها".
"كان لحفصة خان تأثير كبير عليها"
أشارت جوزيدة قفطان صديقة درخشان جلال إلى تركيزها واهتمامها بالتاريخ وشدة تأثرها بحفصة خان قائلة "كانت مجتهدة جداً في مجال التاريخ، امتلكت معلومات حول كافة المواضيع. لقد تعلمنا الكثير من الأشياء منها. في تلك المرحلة لم تكن النساء تمضي هكذا قدماً، لذلك استطاعت درخشان جلال جذب اهتمام الجميع. تأثرت جداً بحفصة خان، اتخذتها قدوة لها ومثلها الأعلى ومضت على خطاها وحذت حذوها. كانت امرأة ناجحة جداً في السليمانية. كانت مبتسمة وذات قلبٍ رحب، في الكثير من الأحيان قلت لها أتمنى أن أكون مثلك. لقد كانت جادة ومنضبطة جداً في عملها. وحتى خطها في الكتابة كان جميلاً جداً. حفظت معظم الشعر والقصائد الكردية. عندما كنت أذهب لزيارتها وهي مريضة طريحة الفراش، لم يكن المرء يشعر أنها مريضة. لقد كانت امرأة قوية واستطاعت التغلب على ألمها بقوتها تلك. عندما أزور قبرها أحدثها عن كل الأشياء التي قمنا بها معاً، أشعر بالراحة عند الحديث والتكلم معها. أكثر شيء أفتقده هو ضحكتها. عندما أشتاق إليها أنظر أيضاً إلى صورها وأتذكر جمالها".
من إنتاجاتها التي قامت بكتابتها كتاب وألبوم عن حياة حفصة خان نقيب، وآخر عن تاريخ اتحاد نساء كردستان. توفيت في الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2010. دفنت في تلة سيوان في مدينة السليمانية. ولا تزال أنغام ضحكتها الجميلة حية في آذان الجميع.