زواج الأقارب في إدلب... الأطفال الضحية الأولى
شددت العاملة الصحية نور الحموي على ضرورة إجراء فحوص طبية قبل الزواج لمعرفة إذا ما كان أحد الخاطبين حاملاً لجينات أمراض وراثية وتفادي هذا الموضوع قبل أن يجنوا على أطفالهم في المستقبل.
لينا الخطيب
إدلب ـ لا تزال ظاهرة زواج الأقارب تنتشر في إدلب، إذ لا يحق لأي شاب أن يخطب فتاة بوجود ابن عم يرغب الزواج بها، دون مراعاة ما يسببه هذا الزواج من أمراض تؤثر على صحة الأبناء ومستوى ذكائهم.
خديجة الفالح (29 عاماً) من قرية باريشا في إدلب، تزوجت من ابن عمها منذ 10 أعوام ولديها ثلاثة أطفال اثنان منهم مصابان بمرض الثلاسيميا، وعن معاناتها تقول "يحتاج طفلان لتبديل دم مستمر، كما نعاني من ارتفاع أسعار الأدوية ونقص مراكز العلاج اللازمة لتأمين زمرة الدم لهما، إلى جانب الضغوطات النفسية ونفور المجتمع نتيجة الأعراض الظاهرة عليهما من اصفرار الوجه والعينين".
ولفتت إلى أن طفليها بحاجة للحصول على دم جديد كل أسبوعين للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يجعل حياتهما في خطر دائم، مع كل تأخير في الحصول على العلاج، مشيرةً إلى أن زواج الأقارب له العديد من السلبيات الأخرى، حيث تزداد المشكلات العائلية، كما تشيع الفرقة والخلافات بين العوائل، وتتأثر علاقة الزوجين بمشكلات الأهل.
وأوضحت خديجة الفالح أن حالها يشبه حال الكثير من الفتيات اللواتي تجبرن على هذا الزواج بحكم العادات التي تمنع الفتاة من إبداء رأيها أو رفض ابن عمها إذا تقدم لخطبتها، ليكون الضحايا هم الأطفال الذين يعيشون حياتهم بالمرض والألم والعجز.
كذلك فاطمة الجفال (41 عاماً) النازحة من بلدة حيش بريف إدلب إلى مخيم كفرعروق، لديها ولد بإعاقة دائمة نتيجة زواج الأقارب، وعن معاناتها تقول "تزوجت من ابن عمي، وهو في ذات الوقت ابن خالتي، ولدي أربعة أبناء، أصغرهم البالغ من العمر خمس سنوات فاقد لبصره، أعيش في حزن دائم جراء وضعه المأساوي، حيث يفتقر المخيم الذي نقطن فيه لوجود مدارس لتعليم المعاقين ومراكز لتأهيلهم ودعمهم، وليس بمقدوري علاجه على نفقتي الخاصة بسبب الفقر والحاجة".
وبينت أن طفلها منذ ولادته لا يستجيب للمؤثرات الخارجية، ولا يستطيع تركيز عينيه على الأشياء، وعند عرضه على طبيب مختص أكد إصابته بالعمى جراء القرابة بينها وبين زوجها، مشيرةً إلى أنها توقفت عن الإنجاب خوفاً من ولادة أطفال آخرين يعانون من ذات الإعاقة.
من جانبها قالت الطبيبة المختصة بأمراض الأطفال عائشة الشيخ أحمد (35 عاماً) من مدينة إدلب، تتحدث عن مخاطر زواج الأقارب "لا يزال زواج الأقارب من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى حالات كثيرة من تشوه الأجنة، لاسيما إذا أهملت خطوات الفحوص قبل الزواج، وتأخرت عملية الكشف عن الحوامل، مما يؤثر على الأطفال أثناء نموهم في رحم الأم مسببة العيوب في أي جزء من أجزاء الجسم كالقلب أو الدماغ أو الأطراف".
وبينت أن الأمراض الوراثية التي يحملها الزوج والزوجة قد لا تظهر عليهما، بل يظهر تأثيرها على الأبناء والأحفاد، بسبب تطابق العامل الوراثي بين الزوجين، ما يؤدي إلى ظهور الصفة الوراثية التي يحملانها معاً على أطفالهما، وصحيح أن من النادر أن يحمل شخصان المورثة ذاتها، ولكن إذا انحدر الشخصان من جد واحد؛ أصبح الأمر غير نادر بل أقرب إلى الشيوع، لذلك تزداد نسبة الأمراض بوجود القرابة بين الزوجين.
وأوضحت عائشة الشيخ أحمد التأخر العقلي والتكيس الكلوي والأمراض القلبية، وأمراض الكبد، هي من أكثر الحالات شيوعاً بين الأطفال المولودين عن زواج الأقارب، كما تزيد فرص الإصابة بداء السكري، وأمراض الدم التي يعتبر مرض أنيميا البحر المتوسط (الثلاسيميا) أخطرها، وهو من أمراض الدم الوراثية التي تحدث بسبب خلل في المورثات أو الجينات المسؤولة عن خضاب الدم، من دون أن يستطيع النخاع الشوكي تعويض النقص الكبير من كريات الدم الحمراء، مما يُنتج فقر دم شديد يحتاج تعويضه إلى نقل دم بشكل دوري للأطفال كل أسبوعين.
ولفتت إلى أن استمرار زواج الأقارب ضمن بعض الأسر، يجعل العوامل الوراثية تجتمع فيهم أكثر من وجودها في المجتمع من حولهم، فإن الرجل إذا تزوج من ابنة عمه أو ابنة خاله، وكان كل منهما يحمل نفس العامل الوراثي لصفة صحية أو مرضية، فإن 75% من أولادهما ستظهر عليهم تلك الصفة، أما إذا كانت درجة القرابة بعيدة يقل احتمال وجود الإعاقات.
وبينت عائشة الشيخ أحمد أن الأمراض لا تقتصر على التشوهات الخلقية وأمراض الدم، بل تتجاوزها إلى تدني نسبة الذكاء في صفوف أبناء الأقرباء، وهو أمر يؤثر سلبياً على روح الإبداع وعملية تطوير المجتمع.
بدورها أكدت عاملة الصحة المجتمعية نور الحموي (27 عاماً) من مدينة سرمدا، على ضرورة الحد من هذه الظاهرة، وحول ذلك تقول "يمثل زواج الأقارب مشكلة كبيرة في إدلب، وخاصة إذا كانت قرابة الزوجين من الدرجة الأولى، أو لدى العائلات التي تحمل تاريخاً صحياً مليئاً بالأمراض الوراثية، ما يشكل تهديداً على صحة الأطفال، ويزيد من احتمالية إصابتهم بتلك الأمراض.
وشددت على ضرورة إجراء فحوص طبية قبل الزواج لمعرفة إذا ما كان أحد الخاطبين حاملاً لجينات أمراض وراثية وتفادي هذا الموضوع قبل أن يجنوا على أطفالهم في المستقبل، فضلاً عن تكثيف حملات التوعية بأخطار زواج الأقارب بهدف التخفيف منه.
وتنتشر الأمراض الوراثية في المجتمعات المتمسكة بالعادات والتقاليد التي تمنع زواج الفتاة من شخص غريب غير ابن عمها أو أحد قرابتها، دون مراعاة ما يسببه زواج الأقارب من أمراض وراثية وآثار سلبية على صحة الأبناء الجسدية والعقلية.