زراعة الحبق مصدر دخل لنازحات في مخيمات اللجوء

لم تمنع ظروف الحرب والنزوح أهالي إدلب من الاهتمام بزراعة الزهور رغم الصعوبات وانشغالهم بتدبير أمور حياتهم المعيشية، لتبقى الزهور راحة نفسية ومصدر دخل للنازحات في مخيمات اللجوء.

هديل العمر

إدلب ـ تسعى نساء ومعيلات في إدلب، لإنشاء مساحات صغيرة قرب مخيماتهم للاستفادة من إنتاجها ولجمال منظرها، عبر زراعة أنواع وأصناف عديدة من الزهور والنباتات وعلى رأسها نبتة الحبق.

تعتبر تجارة وزراعة نبتة الحبق من المهن الرائجة لدى النازحات والمعيلات خاصةً في المخيمات الشمالية، والتي باتت تحقق لهن أرباحاً وصفنها بـ "الجيدة"، في ظل غياب شبه تام لفرص العمل بالتزامن مع تدني مستويات المعيشة في تلك المناطق.

وبالقرب من مخيمات بلدة أطمه الحدودية شمال إدلب، تزرع راما عبد الناصر ذات الـ 38 عاماً، أنوعاً مختلفة من الورود والنباتات ضمن مساحة ضيقة مجاورةً لخيمتها، حيث وجدت في الزراعة راحة نفسية وجسدية خاصةً وأنها تتعامل مع الزهور.

وقالت راما عبد الناصر إنها وجدت في زراعة الحبق والزهور متنفساً لها ضمن أجواء النزوح الشاقة والمرهقة، إذ أنها تشعر بمتعة كبيرة أثناء عملها في هذه المهنة التي اتخذتها للترويح عن نفسها، قبل أن تتخذها مصدراً للرزق والعيش.

وأضافت أن مزروعاتها تلقى إقبالاً ورواجاً كبيراً لدى أهالي المخيمات الذين باتوا يقصدونها لشراء الأصناف المتنوعة من الزهور، وخاصةً نبتة الحبق التي تتميز برائحتها الجذابة ومنظرها الجميل، ونتيجة انعدام المساحات الخضراء في مناطق المخيمات العشوائية والجبلية، وهذا الأمر جعل الإقبال على ما تزرعه مضاعفاً.

وأشارت إلى أن زراعة الورود والزهور تتطلب دقة وحرفية عالية، من خلال تحديد أوانٍ لزراعتها وتوفير الأجواء المناسبة لنموها ضمن درجات حرارة متوسطة، وهو ما أتقنته منذ صغرها عبر مساعدة والدها الذي كان يعمل بذات المهنة.

وعن الصعوبات التي تواجهها تقول راما عبد الناصر إنها تكمن في ضيق المساحة وعدم صلاحية معظم أراضي المخيم للزراعة كونها أراضي جبلية، بالإضافة لغلاء الأسمدة وعدم توافر كمية الماء اللازمة، خاصةً وأنها تعمل على ري المزروعات من مخصصاتها الشخصية وعلى نفقتها الخاصة.

وعلى الرغم من عدم وجود أراضي قابلة للزراعة في مخيمها، نجحت جنى العمر 35عاماً وهي نازحة مقيمة في مخيمات مشهد روحين شمال إدلب، في زراعة أكثر من خمس أنواع من أصناف الحبق المختلفة ضمن أوعية بلاستيكية وكيول معدنية.

وعن آلية زراعة الحبق توضح جنى العمر أنها جمعت الكيول البلاستيكية والمعدنية، ومن ثم لجأت لتعبئتها بالتراب الزراعي الممزوج بالأسمدة الطبيعية، وبعدها بدأت بغرس أعواد الحبق ضمن الكيول وريها ضمن مواعيد محددة وبكميات مخصصة.

ولفتت إلى أن فكرة المشروع جاءت من غياب وندرة زهرة الحبق في المخيم الذي تقطنه، بالإضافة لتعلم أساسيات زراعتها من خلال مواقع الانترنت المتخصصة بالزراعة، وهو ما شجعها على زراعة أكثر من 150 شتلة تحتوي أصناف عديدة من زهرة الحبق.

ومن الأصناف التي نجحت جنى العمر في زراعتها الحبق الحلو والإيطالي والليموني واليوناني والكاردينال، لتتغلب على ظروف النزوح والبيئة الغير صالحة للزراعة، مشيرةً إلى أنها تمكنت من بيع الكمية التي زرعتها كاملة.

ولا تخفي جنى العمر نيتها في توسيع مشروعها العام المقبل، من خلال استئجار أرض زراعية خصبة، لزراعة كميات كبيرة من أنواع وأصناف الحبق، وهو سيساعدها على جني أرباح مادية جيدة تمكنها من الإنفاق على عائلتها المؤلفة من خمسة أشخاص.

وتعرف نبتة الحبق أو الريحان بأنها من النباتات العطرية قصيرة العمر، وتتميز بجذورها السميكة وأوراقها البيضوية الملساء ذات اللون الأخضر، حيث تتعدد استخداماتها كنوع من أنواع الأعشاب الطبية وتوابل الطهي والعطور.

وبدورها تقول حنان الخالد 45 عاماً وهي إحدى المقبلات على شراء هذا النوع من الزهور، إنها تشتري نباتات الحبق منذ سنوات

عديدة لرائحتها العطرة ومنظرها الخلاب، فضلاً عن سهولة نقلها ووضعها في غرف المنزل.

وأضافت أن رائحة الحبق تطغى على روائح النفايات ومجاري الصرف الصحي القريبة من مخيمهم، ما دفع العديد من جاراتها لشراء أكثر من نبتة لمنازلهن، إذ أن منظر ورائحة الحبق تبعث على التفاؤل والراحة النفسية وسط مخيمات جرداء معدومة من المساحات الخضراء.