يتسبب في أزمات نفسية للضحايا... العنف الرقمي يتزايد في المغرب
قرابة المليون ونصف من المغربيات تتعرضن للعنف الرقمي والتشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تسبب لهن بأزمات نفسية تمتد لسنوات، وذلك لعدم قدرتهن على البوح أو التبليغ خوفاً من نظرة المجتمع.
حنان حارت
المغرب ـ أكدت الناشطة النسائية والاخصائية النفسية شيماء أبلق، أن العنف الرقمي والتشهير بالنساء على مواقع التواصل الاجتماعي تتزايد معدلاته يوماً بعد يوم، مشيرةً إلى أن هذا النوع يعد من أخطر أنواع العنف الممارس على النساء كونه يصيبهن بأزمات نفسية وصدمات تدخلهن في حالة اكتئاب قد تقودهن للانتحار.
يحيّ العالم في 25 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وهو مناسبة للتوعية بمخاطر العنف الممارس ضد النساء، حيث يعتبر العنف الرقمي من أشد أشكال العنف خطورة، لأنه يدخل ضحاياه في حالة من الاكتئاب والتفكير في إنهاء الحياة.
وقد بينت التقارير الرسمية والحقوقية أن معدلات العنف الرقمي ضد النساء في المغرب تتزايد، فالأرقام الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان عام 2023 أظهرت أن 180 حكماً قضائياً تتعلق بقضايا العنف ضد النساء، وأن العنف الرقمي تصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 33%.
أما احصائيات المندوبية السامية للتخطيط والتي صدرت في آذار/مارس من العام الماضي، أظهرت أن قرابة 1.5 مليون امرأة مغربية تعرضت للعنف الرقمي إما بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية.
سميرة. ف واحدة من الفتيات المغربيات اللاتي تعرضن لأزمة نفسية، بسبب قيام أحد الأشخاص بتهديدها بنشر صورها الخاصة على مواقع التواصل "على الرغم من مرور قرابة خمس سنوات على الحادثة، إلا أنني لازلت أعيش حالة من الصدمة والاضطرابات النفسية، نتيجة تعرضي لتهديدات من قبل شخص كانت تربطني به علاقة حميمية".
وأضافت أنها بعد أن قررت الانفصال عنه، هددها بنشر صور خاصة بها على موقع التواصل "لقد دخلت في حالة من الخوف حتى أنني فكرت في الانتحار، لكن صديقتي المقربة اقترحت عليّ أن نخبر شقيقها لوضع حد للموضوع بشكل ودي دون أية مشاكل مع ذاك الشخص، ومن حسن الحظ تمكن شقيق صديقتي من إقناعه بالتراجع وإتلاف الصور"، لافتةً إلى أنها خلال تلك الفترة عاشت حالة خوف شديدة بأن يصل الأمر لعائلتها.
من جانبها قالت الاخصائية النفسية وعضوة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة شيماء أبلق إن التشهير بالنساء في مواقع التواصل الاجتماعي يسبب أزمات نفسية لهن قد تمتد آثارها لسنوات.
وأوضحت أن جمعية التحدي للمساواة والمواطنة تسلط الضوء على العنف الرقمي وتتناوله بشكل مستمر، كونه يحدث في إطاره عدة أفعال ابتزازية منها التشهير بالنساء على مواقع التواصل الاجتماعي إما بنشر صورهن الخاصة، أو اقتحام خصوصيتهن أو نشر محادثات أو صور شخصية خاصة بهن، إلى جانب القيام بسلوكيات غير أخلاقية تدخل في خانة التحرش والعنف الرقمي.
وأشارت إلى أن الجمعية تستقبل بشكل مستمر حالات متنوعة لضحايا العنف الرقمي من النساء، ويتم تقديم الدعم النفسي والقانوني لهن، مشيرةً إلى أن المعتدي في الغالب يكون من الأقارب أو المعارف إما زوجاً أو خطيباً أو صديقاً حميماً أو طليقاً أو جاراً يعمد إلى نشر الصور الحميمية قصد الابتزاز أو تشويه السمعة.
ولفتت إلى أنه مع الانتشار الكبير للتكنولوجيا والاعتماد عليها بات العنف الرقمي ظاهرة مقلقة، تتسبب للضحايا في عدة مشاكل نفسية واجتماعية.
وعن الدوافع وراء تمادي المعتدين قالت شيماء أبلق "العديد من الناس لا يعرفون أن التشهير جريمة يعاقب عليها القانون، إضافة إلى انخفاض مستوى التربية الرقمية وعدم الاحترام بين أفراد المجتمع، وهذا ما يجعل البعض يتمادون في ارتكاب جرائمهم".
وعن الحلول التي تراها كفيلة للحد من هذه الظاهرة قالت إنه على الضحايا كسر حاجز الصمت وتبليغ السلطات المختصة وتقديم شكايات قانونية لردع المعتدين، مؤكدةً على أهمية نشر الوعي واحترام خصوصية الآخرين من أجل مناهضة هذه الظاهرة، مشددةً على ضرورة تشديد العقوبات على التشهير والابتزاز، وتعليم النساء كيفية حماية خصوصيتهن الرقمية والتصرف بحذر حتى لا تكن عرضة لأي عنف.
وعن آثار هذا الشكل من العنف على نفسية الضحايا، ذكرت "هناك ضرر نفسي كبير تتعرض له الضحايا خاصة النساء، بحيث يزيد الضغط والتوتر لديهن ويمكن أن يوصلهن الأمر لحالة من الاكتئاب"، مبينةً أن الضحية نتيجة التشهير بها على مواقع التواصل الاجتماعي تصاب بعدة اضطرابات نفسية منها اضطرابات ما بعد الصدمة، وقد تدفعها الضغوطات إلى التفكير بالانتحار.
وقالت "الضحايا ومنها النساء تكن في أمس الحاجة للدعم النفسي والاجتماعي لمواجهة آثار العنف الرقمي"، مبينةً أن "الكثير من النساء ترفضن التبليغ خوفاً من مواجهة العائلة والمجتمع، لذلك تدخلن في أزمة نفسية حادة".
وأكدت شيماء أبلق أن العنف الرقمي أو التشهير بالنساء على مواقع التواصل الاجتماعي، يطال أيضاً السياسيات والمدافعات عن حقوق المرأة، لافتةً إلى أن هذا النوع من العنف يندرج ضمن العنف المبني على النوع الاجتماعي، وأن الذهنية الذكورية مازالت مسيطراً على المجتمع "للأسف هناك من لا يقبل نجاح المرأة، ويفعل المستحيل لهدم ثقتها بنفسها"، متأسفةً على استمرار هذه الذهنية التي تحارب النساء سواء إلكترونياً أو واقعياً بهدف تشتيت تركيز النساء حتى تبتعدن عن نجاحاتهن وتفوقهن.