"عيب وحرام"... قمع متعدد الأوجه يمنع المرأة من الظهور الإعلامي
"مسترجلة، متسلطة، متفهمنة، متفلسفة، ما عندا حدا يضبها، لو سكتت كان أحسن" كلها كلمات نابية تطلق على النساء اللواتي تظهرن إعلامياً في إدلب وتخرجن عن القوالب المجتمعية وتحاولن الحديث والتعبير عن آرائهن وأفكارهن.
هديل العمر
إدلب ـ تلعب المعتقدات الدينية والاجتماعية وما يصاحبها من نقص كبير في الحماية القانونية والإفلات من العقاب وانتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، وارتفاع معدلات تزويج الطفلات والعنف الرقمي دوراً هاماً في منع المرأة من الظهور الإعلامي وخوفها الدائم من النقد والتنمر.
"صوتك وصورتك عورة" هكذا رد زوج فاطمة الشعبان 39 عاماً عليها حين أخبرته عزمها على إجراء مقابلة صحفية للتحدث عن مشروعها التطوعي في تمكين المرأة في إدلب، متسائلة إن كان بمقدورها مساعدة النساء على التمكين والتحرر من الفكر الذكوري وهي نفسها تعاني المشكلة ذاتها مع زوجها وأهلها.
وأشارت إلى أن المرأة في إدلب رغم كل التقدم التكنولوجي والانفتاح حول العالم مازالت تواجه أفكار سلبية على مستوى الأسرة والمجتمع، لا تعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات يضاف إليها القيود التي تضعها المؤسسات الدينية ورجال الدين والتنظيمات الإسلامية الحاكمة في المنطقة على حركة النساء ولباسهن وحرياتهن الأساسية.
واكتفت فاطمة الشعبان تحت وطأة منع زوجها لها من إجراء أي مقابلة صوتية أو فيديو بأن تعطي تصريحات كتابية للجهة الصحفية من أجل الحديث عن أهمية مشروعها ودوره في تمكين عدد كبير من النساء في قطاع المخيمات.
أما حنان الأغواتي 35 عاماً، فقد اعتذرت عن إعطاء أي تصريح مصور عن طبيعة عملها في إحدى الحرف اليدوية والسبب أنها لا تنوي إجبار زوجها على تطليقها، وفق تعبيرها.
وتقول "أكثر من مرة أخبرته أنني أريد إجراء مقابلة صحفية للحديث عن عملي وتشجيع النساء تعلم المهنة التي تشكل نوع من الفنون النسوية وهي إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى قطع فنية يمكن بيعها وبالتالي يمكن أن تشكل فرصة عمل للكثيرات ممن تبحثن عن التسلية والفائدة، غير أن جواب زوجي كان رفضاً قطعياً لأنه لا يحتمل أن يرى صوري منشورة ويرى معها تعليقات الرجال عليها سواء إيجابية أم سلبية".
وعلى الرغم أن التصوير لا يشكل مشكلة شخصية لحنان الأغواتي غير أنها تحترم قرارات زوجها ورفضه للأمر، إذ لا يمكن أن تعاند وتختار التصوير وتخلق مشاكل أسرية يمكن أن تفضي إلى حد الانفصال عن زوجها على حد وصفها.
من جهتها سارعت نجوى علي الشيخ 28 عاماً، لطلب حذف الفيديو الذي صورتها إياه إحدى الصحفيات في حفل تخرجها في مهنة الخياطة، بعد أن هددها زوجها بحصول الكثير من المشاكل إن تم نشره، إذ ظنت في بداية الأمر أن التصوير أمر عادي غير أن ما تحدث عنه زوجها كان صادماً بالنسبة لها.
وتقول "أخبرني أن سيرتي سوف تصبح على كل لسان وشكلي وصوتي سيعرفه كل رجال المنطقة عدا عن التهكمات والسخرية التي سأجلبها لنفسي من وراء التصوير والنشر. استجابت الصحفية لطلبي قبل النشر وإلا كنت سأواجه العديد من المشاكل التي أنا بغنى عنها".
وتتساءل نجوى علي الشيخ عن سبب كل تلك الحريات المقيدة للمرأة في إدلب والذي يدفعها حتى لإخفاء اسمها، خوفاً من حملات تشويه السمعة والتهديدات الفيزيائية والإلكترونية على حد سواء، مضيفةً أن على من تثبت شخصيتها وتطلق العنان لأفكارها والتحدث عنها بحرية عبر الإعلام، أن تستعد لتدفع الثمن غالباً بطلاقها وفقدانها لأبنائها تحت مسمى أنها غير "ملتزمة وبلا شرف أو أخلاق".
وعن التحديات التي تواجه المرأة في حرية التعبير والظهور الإعلامي في إدلب، قالت المرشدة الاجتماعية لمى المحمد 30 عاماً، إن العادات والتقاليد والأعراف والأحكام الدينية الممثلة بـ "هيئة تحرير الشام" تقمع النساء باستمرار في إدلب وتحظر عملهن الذي كثيراً ما يتسم بالسرية خلف الكواليس، مما يعني ضياع جهد النساء لحد كبير وبقاء عملهن غير مرئي أو موثق.
وأكدت أن المجتمع في إدلب يساهم بشكل كبير بتهميش المرأة وتثبيت الصور النمطية السلبية حول دورها وتقييد وصولها للحقوق وممارستها الحريات المشروعة، ونظراً لعدم وجود حماية للمرأة من التحريض ضدها، تتعرض النساء والفتيات باستمرار لخطاب الكراهية والترهيب والتحريض والمضايقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضحت أن خوف المرأة في إدلب من الظهور الإعلامي لم يأتي عن عبث وإنما من تعرضها المستمر لحملات ذكورية من أجل تشويه سمعتها والتشكيك بكل ما تفعله وتتحدث عنه بلا حسيب أو رقيب.