ورقة بحثية تكشف الستار عن قضية احتجاز جثامين النساء في مقابر الأرقام

مقابر الأرقام اسم رمزي لمجموعة كبيرة من المقابر السرية التي أنشأتها إسرائيل من أجل دفن جثث الضحايا والأسرى.

نغم كراجة

غزة ـ أصدرت الباحثة الفلسطينية غزل الناطور ورقة "موقف تقدير" جديدة من نوعها بعنوان "سرقة أعضاء جثامين الشهداء المحتجزة: الأبعاد السياسية والقانونية"، سلطت من خلالها الضوء على الانتهاكات الممارسة بحق المعتقلات في السجون الإسرائيلية، موجهة الأنظار إلى الانتهاكات الممارسة بحق النساء حتى بعد انتهاء حياتهن.

حول عملها على الورقة البحثية قالت الباحثة غزل الناطور "اعتنيت باختيار موضوع الورقة البحثية، ووجهت الأنظار إلى جريمة كبيرة يرتكبها الاحتلال بحق النساء والفتيات في فلسطين، فهو لم يكتفي فقط بممارسة الانتهاكات على أرض الواقع، بل أيضاً لاحقها بعد مماتها وانتهك حرمتها"، مشيرةً إلى أنه "يمارس على النساء في فلسطين جميع أشكال العنف وصولاً لقتلهن بدم بارد".

 

من مقابر الأرقام إلى الثلاجات

وفي ورقتها البحثية أوضحت أن إسرائيل "تتبع ‏سياسة احتجاز جثامين المعتقلين وسرقة أعضائهم منذ العام 1948، فيما يعرف بـ "مقابر الأرقام"، ومنذ عام 2015 بدأت باحتجاز جثامين الضحايا في الثلاجات ضمن سياسة ممنهجة تتيح سرقة المزيد من الأعضاء، أو استعمالها لإجراء تجارب ودراسات في كليات الطب الإسرائيلية".

وبينت الورقة حسب أهالي الضحايا والتقرير الرسمي الذي نشرته وزارة الإعلام الفلسطينية في الثامن عشر من نيسان/أبريل الماضي، أن "السلطات الإسرائيلية لا تزال تحتجز جثامين 105 ضحية في الثلاجات، بالإضافة لـ 256 ضحية في مقابر الأرقام، من بينهم 9 أطفال، و3 نساء، و8 أسرى أمضوا فترات مختلفة في سجون الاحتلال، إضافة إلى احتجازه جثامين 13 ضحية منذ مطلع العام 2022".

وأوضحت غزل الناطور أن "الاحتلال يتخذ الاحتجاز وسيلة لمعاقبة أهالي الضحايا والضغط عليهم، ومحاسبتهم على فعل أبنائهم في إطار "سياسة العقاب الجماعي"، من خلال التنكيل بهم، وهدم بيوتهم، واعتقال أقاربهم، والتشديد على أفراد عائلتهم أمنياً؛ لردع الآخرين، وإيصال رسالة تحذيرية لمن يفكر في القيام بعملية جديدة".

 

تقارير وشهادات حية: معاقبة الفلسطينيين بعد الموت

وبينت أن "الاحتلال يتهرب من الاتهامات الموجهة إليه بسرقة الأعضاء بالنفي القاطع، إلا أن بعض التقارير والشهادات الحية جاءت لتؤكد ادعاءات وشكوك الأهالي حول سرقة أعضاء أبنائهم"، واستذكرت بعض المقابلات الحوارية لذوي الضحايا منهن مي عفانة والتي فقدت حياتها في 16 حزيران/يونيو عام 2021، قرب بلدة حزما شمال شرق القدس، حيث أطلق عليها النار من قبل القوات الإسرائيلية بتهمة محاولتها تنفيذ عملية دهس، وأبقت على جثمانها في الثلاجات لنحو أربعة عشر شهراً.

وأوضحت في الورقة البحثية أنه "منذ احتجاز الجثمان تخوض العائلة معارك قانونية للضغط على الاحتلال لتسليم الجثمان، وسط تخوفات من دفنه في مقابر الأرقام، وهو ما سيصعب على العائلة في حينه استلام الجثمان".

وأكدت غزل الناطور أن "الاحتلال أفرج عن جثمان مي عفانة ولكن للأسف الوجه والجسد مشوهان، ولم يودعها الجميع خاصة ابنتها الوحيدة سلاف البالغة من العمر ١٠ سنوات"، مشيرةً إلى أن أهالي الضحايا لا يستطيعون فعل أي شيء سوى تنظيم الاعتصامات للمطالبة بجثامين أبنائهم.

وذكرت الورقة البحثية تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، كانت قد نشر في عام 2008، سلط الضوء على "تورط إسرائيل في جرائم اختطاف وقتل للفلسطينيين/ات لسرقة أعضائهم، وما يزيد من صحة هذه الاتهامات أن إسرائيل الدولة الوحيدة التي تحتجز جثامين الضحايا، وتمارسها بوصفها سياسة ممنهجة، وتصنف كأكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني".

وأوضحت غزل الناطور أنها تطرقت خلال الورقة البحثية إلى "الجهد البحثي الذي قامت به منيرة فايس عالمة أنثروبولوجيا إسرائيلية في كتابها الذي أصدرته بعد الانتفاضة الثانية بعنوان "على جثثهم الميتة" أو الجسم المتبقي"، مشيرةً إلى أن منيرة وثقت خلال بحثها "المفارقات في تعامل الاحتلال مع جثث الإسرائيليين والفلسطينيين بعد موتهم، وعمليات سرقة الأعضاء التي يقوم بها الاحتلال بحق جثامين الفلسطينيين؛ لزرعها في أجساد الجنود والمرضى اليهود، لقد جاءت هذه الانتهاكات بهدف رفد بنك الجلد الإسرائيلي؛ فضلاً عن استخدام الأعضاء للدراسة في كليات الطب الإسرائيلية".

 

مواقف القوانين الدولية والمؤسسات الحقوقية

وأشارت غزل الناطور إلى أن "إسرائيل تسعى دوماً إلى قوننة انتهاكاتها بحق الضحايا، من خلال إيجاد مسوغات تجيز احتجاز الجثامين وسرقة أعضائهم، فقد أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في العام 2019، قراراً يُتيح "للقائد العسكري" باحتجاز جثامين الفلسطينيين ودفنهم مؤقتاً لغرض استخدامهم كأوراق تفاوضية مستقبلاً".

وأكدت أن احتجاز الجثامين انتهاكاً صريحاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، كما تخالف سياسة الاحتجاز وفرض الشروط المقيدة والمهينة معظم المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية، حيث تحظر المادة 50 من "معاهدة لاهاي" للعام 1907 بشأن قوانين وأعراف الحروب سياسة، احتجاز جثامين الضحايا، وفرض شروط مقيدة ومهينة على ذويهم قبيل تسليمهم الجثامين، باعتبارها "عقوبة جماعية" يحظرها أيضاً البندان 15 و17 من اتفاقية جنيف.

كما تنتهك تلك السياسة اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 27 من اتفاقية جنيف الثالثة ... إلخ، وكذلك قرارات لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، بحسب الورقة البحثية.

ولفتت غزل الناطور إلى أن الورقة البحثية توضح كيف ترقى سياسة احتجاز الجثامين ورفض الاعتراف والإفصاح عن أماكن تواجدها إلى جريمة "الإخفاء القسري" الواردة في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، موضحة "تناهض سياسة الاحتجاز قواعد التعامل مع جثامين قتلى الحروب، التي ينص عليها القانون الإنساني العرفي، وكذلك البند الثاني من المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلق بالشعوب الأصلية".

 

مواقف الأطراف الفلسطينية ذات العلاقة

وتتعامل السلطات الإسرائيلية مع قضية احتجاز الجثامين على أنها ملف سياسي مغلق وقضية منتهية غير قابلة للتفاوض، وأنها الوحيدة التي يحق لها أن تقرر ماذا سيحدث في هذه القضية من دون أي اعتبارات للقوانين الدولية، بحسب ما قالته غزل الناطور.

ولفتت إلى أنه "مع تزايد الإجراءات والسياسات الإسرائيلية المجحفة بحق الجثامين، لا توجد خطة تحرك واضحة، على المستويين السياسي والقانوني لمحاسبتها ما يستدعي البحث عن آليات وطرق أكثر فاعلية للضغط على الجانب الإسرائيلي".

وأوضحت غزل الناطور أن "الورقة البحثية بينت النقاط التي تضعف الموقف الفلسطيني، منها نقص المعلومات المتعلقة بموضوع سرقة الأعضاء بشكل عام واستخدام مصادر ومعلومات قديمة منذ سنوات طويلة يعود بعضها إلى 20 عاماً، من دون بناء قاعدة بيانات ومعلومات حديثة تعزز الرواية الفلسطينية حول الانتهاكات الإسرائيلية التي حدثت ما بعد هذه التواريخ، والتي تشمل قضية سرقة الأعضاء، أو استخدام الجثامين في مختبرات كلية الطب".

ولفتت إلى أنه "على الرغم من اعتماد مجلس الوزراء الفلسطيني منذ عام 2008 يوم 27 آب (يوماً وطنياً لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين/ات والعرب)، لا توجد سياسة واضحة وفاعلة على أرض الواقع".

وأضافت "تحظى قضية احتجاز الجثامين خاصة لدى الشعب الفلسطيني، بأهمية كبيرة، لاسيما مع تزايد أعداد الضحايا وتصعيد سياسة القتل والإعدام الميداني واحتجاز الجثامين، من دون أن يكون هناك رادع يجبر إسرائيل على وقف سياسة احتجاز الجثامين".

وشددت غزل الناطور في ختام حديثها على ضرورة السعي تجاه تشكيل حراك وطني سياسي وقانوني ودبلوماسي فاعل، للضغط بصورة أوسع على السلطات الإسرائيلية لتسليم جميع الجثامين المحتجزة، والتزامها بالقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف.