واقع الفتيات في إدلب... مسؤوليات مبكرة وأحلام ضائعة

كثير من الفتيات في إدلب كنّ ضحايا الحرب والنزوح والتهجير حرمن من حقهن في التعليم، وأصبحن عاملات تسعين وراء لقمة العيش لمساعدة أسرهن، إما لفقد المعيل في الحرب، أو بسبب الفقر والأوضاع المعيشية المتردية.

لينا الخطيب

إدلب ـ في ظل ظروف الحرب القاسية اضطرت الكثير من الفتيات في إدلب للعمل للمساهمة في الإنفاق، ومنهن من وقعن ضحية الزواج المبكر، فيما توقفت أخريات عن الدراسة وبقين حبيسات المنزل، بسبب بعد المدارس عن أماكن السكن، أو خوف الأهل من القصف والأحوال الأمنية غير المستقرة والعجز عن تأمين النفقات.

عبير النجار (13) عاماً نازحة من بلدة جرجناز إلى مخيم سرمدا بريف إدلب الشمالي، تذهب صباح كل يوم مع شقيقها البالغ من العمر 9 سنوات، إلى مكب النفايات القريب من المخيم، لتحصيل بعض المال، والإنفاق على شقيقها وجدتها المسنة، وعن ذلك تقول "بعد وفاة والدي بإصابة حربية، تركتنا أمي في رعاية جدتي وتزوجت من رجل آخر وسافرت".

وأشارت إلى أنها تعمل مع شقيقيها في جمع الخردوات من حديد ونايلون من مكبات القمامة، لبيعها والاستفادة من ثمنها في تأمين بعض متطلبات المعيشة "نعمل لنأكل ونؤمن احتياجاتنا، فجدتي مريضة ويتوجب علي أن أؤمن لها ثمن الدواء من عملي أيضاً".

وتساند الطفلة سناء الحجو (10) سنوات النازحة من بلدة خان السبل بريف إدلب الجنوبي إلى مدينة حارم شمالي إدلب أسرتها، حيث منعها والدها من متابعة تعليمها بعد النزوح بهدف مساعدة والداتها في العمل، وعن ذلك تقول "تعمل أمي في مهنة الخياطة، بينما يتوجب علي القيام بأعمال المنزل نيابة عنها من تنظيف وغسيل واهتمام بأخوتي الصغار".

وأوضحت أنها توقفت عن الذهاب إلى المدرسة، لكن حلم الدراسة ما زال يراودها بين الحين والآخر، وتشعر بأهمية متابعة تعليمها، "الفقر قضى على جميع الأحلام" بحسب تعبيرها.

والدة الطفلة سناء الحجو وتدعى عائشة الشيخ مصطفى (40) عاماً تحزن لحال ابنتها التي فقدت حقها في التعلم، وتقول "غياب الأمان وبعد المدارس عن منطقة سكننا هو الدافع الأول للتخلي عن تعليم بناتنا، كما أن الأعباء المعيشية في إدلب تستدعي عمل كافة أفراد الأسرة من أجل تأمين لقمة العيش في ظل ارتفاع كافة أسعار السلع بشكل جنوني".

أما حنان العتيق (15) عاماً النازحة من مدينة سراقب إلى قرية كفر يحمول شمالي إدلب، فقد تركت مدرستها في سن الحادية عشرة بدافع العمل مع أشقائها في معمل لصناعة السكاكر والحلويات لمساعدة أسرتهم، وبسن الثالثة عشرة اختار أهلها تزويجها، بسبب الفقر والنزوح، إلى أول رجل قدّم لهم بعض المال، وعن ذلك تقول "أهلي حرموني من حقي في التعليم، وقضوا على مستقبلي من أجل بعض الدولارات".

وأوضحت أنها الزوجة الثالثة لزوجها الذي يكبرها بـ20 عاماً، وهو كثير التغيب عن المنزل، يتركها وحيدة لعدة أسابيع، بسبب عمله في التجارة وتنقله بين إدلب وريف حلب وتركيا.

وأضافت بصوت يخنقه الحزن "أنا محرومة من كافة الحقوق كزوجة، فلست أكثر من جارية يأتي إلي فقط لتلبية احتياجاته، حين يكون له عمل في منطقة سكني".

المرشدة الاجتماعية جميلة المرعي (33) عاماً من مدينة سلقين شمالي إدلب تتحدث عن عمل الفتيات قائلةً "مع ارتفاع معدلات البطالة في إدلب وقلة فرص العمل تُدفع كثير من الفتيات مع ظل الحاجة إلى العمل في جني المحاصيل الزراعية بأجور زهيدة، أو العمل في مكبّات القمامة مع ما يكتنفها من مخاطر صحية يمكن أن تتسبب بالموت في بعض الأحيان أو الاستغلال في أحيان أخرى".

وبينت أن زواج الفتيات أصبح أمراً واقعاً، بغض النظر عن رغباتهن أو طموحاتهن، مؤكدة أن هذه الممارسة هي انتهاك لحقوق الإنسان وتسبب سلسلة من الأضرار، من خلال ترك الفتيات للدراسة بعد زواجهن، مما يقلل من أفاق مستقبلهن، كما أنهن يكن أكثر عرضة للحمل الذي يُعرض صحتهن وحياتهن للخطر.

وأشارت إلى أن واقع الحياة في المخيمات بشكل خاص يسهم بارتفاع معدلات الفقر والضعف واستغلال النساء والفتيات، في ظل ازدياد أعداد العائلات الكبيرة دون معيل، إلى جانب ارتفاع معدلات الإنجاب مع الضعف في التربية والاهتمام، وقد تتسبب هذه الظروف القاسية في ازدياد حالات زواج القاصّرات والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال.

ولفتت أن الحرمان من التعليم حطم آمال فتيات كثيرات في إكمال تعليمهن وبلوغ مكانة اجتماعية تتوافق مع طموحاتهن في التعبير عن إمكاناتهن الشخصية، مبينة أن العلم يحقق ذات الفتاة ويطور شخصيتها، ويجعلها أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين والتفاعل مع المجتمع، كما يحميها من العزلة التي يفرضها عليها البقاء بالمنزل.