تيماء سلامة تمنح المكفوفين النور عبر كتابها
امتلكت تيماء سلامة الشغف لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وخاصةً الأطفال المكفوفين.
رفيف اسليم
غزة ـ كانت فكرة من وحي الخيال تقابل بالاستهزاء دوماً، إلى أن قررت الشابة العشرينية تيماء سلامة أن تؤلف كتاب يضم بين صفحاته قصة قصيرة يستطيع الأطفال المكفوفين قراءتها مع معرفة ماهية الصور أيضاً، بعنوان "الحطاب والشجرة"، لتمنحهم النور وسط شغفها الدائم بأن تستطيع من خلال الفن الوصول لتلك الفئة المهمشة التي لا يتم الالتفات إليها.
تروي تيماء سلامة لوكالتنا، أن الأمر لم يكن سهلاً، فبالإضافة إلى المعوقات التي يواجهها أي فنان في قطاع غزة من نقص المواد الخام أو عدم توفرها من الأساس، كان هناك نظرة من حولها وزملائها الفنانين حول ماهية ما تريد تنفيذه، فالبعض اعتبره جنون أو قضاء على مستقبلها الفني المتميز وحذرها من البدء خوفاً عليها من المجهول.
وكمحاربة قوية بدأت تيماء سلامة معركتها وحدها، فتشير أنه لم يدعمها سوى عائلتها والمكفوفين أنفسهم الذين رحبوا بالفكرة وشعروا بالسعادة لأن أحدهم اهتم بهم، وبالأطفال خصيصاً ويريد أن يحثهم على القراءة بطريقة ما، موضحةً أنها قررت أن تختار قصة محكية من التراث الشعبي كتبتها باللغتين الفصحى وبرايل لتعزز لدى الأطفال الاهتمام بموروثهم الثقافي وتراثهم.
وقبل أن تكمل لنا تيماء سلامة قصتها أوضحت أن "الحطاب والشجرة" ليس العمل الأول مع المكفوفين ففي العام الماضي قررت أن تخصص مكان لهم في معرضها دون أن يحتاجوا لشخص يشرح لهم ماهية اللوحة، منتجة عدة لوحات مجسمة خاطبتهم من خلالها، وبالفعل استطاعت فتاة مكفوفة تبلغ من العمر 25 عام بعد زيارتها للمعرض معرفة ما تحمله اللوحة من معاني وهنا تحديداً شعرت تيماء سلامة بإنجازها.
فترى تيماء سلامة أن الفنان إن لم يستطع الوصول لكافة فئات المجتمع، لينقل عدة رسائل في مختلف القضايا فهو لم ينجح في عمله، خاصة أن الفن ليس عبارة عن ألوان توزع على مساحة بيضاء فحسب، لافتةً أن هذا تحديداً ما تحاول إيصاله من كل عمل جديد يبصر النور على يديها.
وبالرجوع إلى كتاب "الحطاب والشجرة" الذي أنتجته مؤخراً، تلفت تيماء سلامة أنه كي يتم إنجاز عمل فني يحاكي الكتاب يجب أن تتضافر جهود عدة جهات، أولها أن تتواصل دار الطباعة والنشر مع كاتب محترف يحول القصص المحكية لنص يسهل على الطفل فهمه، ومن ثم يتم التعاقد مع فنان ليجسد العمل بالمجسمات، لكن نظراً لاستحالة تطبيق الفكرة في نظر المؤسسات فقد اضطرت أن تكتب وترسم وتنفذ لتقدمه جاهز.
وقد أنهت تيماء سلامة كافة المراحل لكن بقي لديها هاجس واحد بحسب ما قالته، وهو كيف ستجد مواد تستطيع من خلالها نحت الصور في القصة، فالجبس والمواد الأخرى قد تكون مؤذية لأصابع الأطفال، مضيفةً أنها استطاعت تطويع مادة مدخلة عدة ألوان عليها لتحصل على نتيجة أمنة ومبهرة.
وحول سؤالها عن توافر المواد الخام، وصفت حالتها بأنها كانت كمن يلعب الغميضة، ففور ما تجد مادة جيدة تستخدمها في إنتاج العمل الفني تجد تلك المادة اختفت من السوق، فتضطر أن تبحث من جديد عن مادة أخرى كي تستخدمها لكي تصلح لإنتاج عمل فني، وهذا ما يمثل هاجس كبير بالنسبة لها قبل البدء بأي عمل.
فشراء المواد الخام بكميات كبيرة أمر غير معقول، بحسب ما أفادت تيماء سلامة، لسببين الأول وهو أن تلك المواد غالية الثمن والسبب الآخر هو حاجتها لظروف خاصة خلال عملية التخزين فتعرضها للشمس والرطوبة قد تفسدها قبل البدء باستخدامها، لذا تحرص عند شرائها أن تكون درجة حرارة الغرفة التي تضعها داخلها مناسبة.
ولهذا السبب تحديداً تشير تيماء سلامة، أن تجارب كثيرة انتهت بالفشل حتى وصلت بالفعل إلى الخامة التي تريدها، وقد كادت أن تتوقف مع تزامن انتهاء المنحة المقدمة لمشروعها، والتي سحبها الممول قبل يومين فقط من إنهائها للمشروع بنسخته الأولى، لأنه رأى أنها من المستحيل أن تنجح.
لكن تيماء سلامة لم تستلم وقررت أن تقدم المشروع ذاته مع إضافات مختلفة لمؤسسة أخرى، وبالفعل نجحت بأن تحصل على منحة مقدمة من المركز الفرنسي، لافتةً إلى أنها حالياً تستعد لإعداد قصة جديدة، بتقنية مختلفة وخامات مغايرة، وخلاصة خبرات أكثر، ستكون ممتعة لكافة فئات المجتمع، لأن المجال أوسع لاستخدام خامات مختلفة فيها.
تحلم تيماء سلامة بأن تجعل المكفوفين شركاء لها في انتاج الأعمال الفنية القادمة، لافتةً إلى أن فرحتهم خلال تصفح الكتاب جعلها تضع هدف نصب عينيها، وهو أن يكون العمل الفني القادم من انتاجهم هم، بالرغم من كافة الصعوبات التي قد تواجهها خلال فترة العمل، في ظل اعتيادها على تقديم ما لم يجرؤ أحد على الحديث عنه خلال أعمالها، لذلك ستحاول حتى أخر رمق.