تجنيد الأطفال... ظاهرة تزداد في الشمال السوري دون رادع
شجّع الفشل الدولي بحماية المدنيين شمال سوريا، الفصائل العسكرية على ارتكابها انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي، وعلى رأس تلك الانتهاكات تجنيد الأطفال مستغلين حالة الحرب والنزوح والفقر الشديد
سهير الإدلبي
ادلب ـ .
كان خبراً ساراً بالنسبة للطفل اليافع خالد الخطيب البالغ من العمر خمس عشرة عاماً، حين سمع من أحد أصدقائه بتجنيد الفصائل السورية الموالية لتركيا لمقاتلين سوريين للقتال في ليبيا مقابل أجر مادي مغري، والذي من شأنه تغيير حياته بأكملها والتخلص من حالة الفقر المدقع الذي يعيشه مع أهله في مخيمات النزوح، فما كان منه إلا الانطلاق والتسجيل دون تردد.
غادر خالد الخطيب، الذي كان يعيش مع أهله في مخيمات كفر لوسين، وعند سماعه من أحد أصدقائه بتجنيد الفصائل السورية الموالية لتركيا لمقاتلين سوريين للقتال في ليبيا، توجه إلى ريف حلب الشمالي وتحديداً مدينة عفرين المحتلة؛ بحجة العمل لمعرفته المسبقة برأيي أهله الرافض للفكرة، وفي عفرين تم إخضاعه لمعسكر تدريبي لمدة قصيرة ليتم إرساله إلى ليبيا للقتال إلى جانب "حكومة الوفاق" ويلقى هناك أشهراً هي الأصعب والأقسى في حياته كلها "رأيت الموت وشعرت باقتراب نهايتي مرات عديدة وكنت أنجو بصعوبة كبيرة في كل مرة" هذا ما قاله خالد الخطيب.
وتختلف ظروف انضمام الأطفال إلى القتال وكثيراً ما تكون ردة فعل على حدث معين يكون مأساوياً أو نتيجة وفاة الأهل أو المعيل، ويواجه الأطفال حملات عدة لجذبهم إلى القتال فهم يشكلون بديلاً فعالاً وأقل تكلفة عن المقاتلين الكبار ويسهل تلقيهم العقائد والتلاعب بعقولهم.
تماماً كما حدث مع الطفل محمد المنصور البالغ من العمر ١٣ عاماً، والذي هرب من ظلم زوجة أبيه له، لاجئاً لهيئة تحرير الشام بغية التجنيد في صفوفها، حيث رحبت به الأخيرة وأخضعته لمعهد شرعي ومعسكر تدريبي لمدة شهرين ليتم تخريجه مع عشرات المقاتلين الأطفال ووضعه على إحدى حواجزها المنتشرة في إدلب وريفها براتب شهري لا يتعدى الـ٥٠٠ ليرة تركية أي ما يعادل ٦٠ دولار أمريكي فقط.
وكانت هيئة تحرير الشام جندت المئات من الأطفال للقتال في صفوفها بعد أن أطلقت حملات عدة منها "جاهد بنفسك" و"انفروا خفافاً وثقالاً"، واستهدفت تلك الحملات بالدرجة الأولى سكان المخيمات وعلى رأسهم الأطفال، الذين أنهت العمليات العسكرية حياة الكثيرين منهم في المعارك وساحات القتال لصغر سنهم وقلة وعيهم وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.
الأربعينية خديجة الشواف النازحة من قرية كنصفرة ومقيمة في مخيمات حربنوش غرب إدلب، فقدت ابنها أسامة الجابر، البالغ من العمر ستة عشر عاماً بعد التحاقه بالفصائل الموالية لتركيا، تقول "بعد نزوحنا من قريتنا توقف أسامة عن الدراسة بفعل الحرب والنزوح ولاحظت اهتمامه الكبير بالحرب والقتال والمعارك" لكن ما لم تتوقعه الأم الثكلى أن تستيقظ صباحاً ولا تجد ابنها في الخيمة، وبعد عملية بحث طويلة تبين أنه انتقل إلى مدينة إعزاز وهناك تم تجنيده للذهاب إلى ليبيا لتنقطع أخباره كلياً بعد ذلك.
لا تضع الأم المنكسرة على فقدان ابنها وفلذه كبدها اللوم على أسامة، فهو صغير السن وغير مسؤول عن تصرفاته الطائشة "بل أضع كل اللوم على قادة تلك الفصائل المجرمين الذين يسعون لإغراء هؤلاء الفتية بالمال، دون حياء لينهوا حياتهم بطريقة بشعة إرضاءً لولي نعمتهم تركيا".
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان تفاصيل تجنيد أطفال سوريين ضمن فصائل مسلحة وإرسالهم للقتال في ليبيا، مشيراً إلى مقتل ١٦ طفل من بين ١٥٠ طفلاً سورياً جندوا للقتال هناك، وتتراوح أعمارهم بين ١٦ ـ ١٨ عاماً.
وتابع المرصد أن عدد المقاتلين السوريين في ليبيا وصل حتى الآن إلى نحو ٨٤٠٠ بينهم مجموعة غير سورية، في حين أن عدد المجندين الذين وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو ٣٥٥٠ مجنّد.