ثورة 19 تموز... شابات ناضلن في صفوف الثورة تنهضن بمجتمعهن

بالرغم من صغر سنهن انضمت العديد من الفتيات إلى ثورة روج آفا، لتناضلن من أجل حريتهن وحقوقهن وقضيتهن دافعات ثمناً باهظاً للنهوض بمجتمعهن.

شيرين محمد

قامشلو ـ لم يقتصر النضال في شمال وشرق سوريا ضمن ثورة روج آفا على الرجال والنساء فقط، بل حتى الفتيات الصغيرات في السن اللواتي كبرن مع الثورة وجدن أنه من حقهن المشاركة في الدفاع عن منطقتهن وحقوقهن وشعبهن، لتختار كل واحدة منهن طريقتها في النضال.

انطلقت الشرارة الأولى لثورة روج آفا التي تعرف بثورة المرأة، من مدينة كوباني في التاسع عشر من تموز/يوليو عام 2012، ومنه انتشر لهيبها لتشمل كافة مدن شمال وشرق سوريا، بقيادة النساء اللواتي أحدثن تغييراً جذرياً في المجتمع.

عاماً تلو الآخر استطاعت النساء من خلال الثورة تنظيم أنفسهن متخذات من فلسفة القائد عبد الله أوجلان ومشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه أساساً لهن، لتنخرط النساء والشابات في المجالات المختلفة بهدف الحفاظ على مكتسبات ثورتهن والنهوض بمجتمعهن.

تقول الإعلامية أفين أوسي التي كانت تبلغ من العمر أحد عشر عاماً فقط عندما انطلقت ثورة روج آفا، أنها لم تكن تدرك ما يحدث حولها في البلاد، حتى أنها لم تكن قد بلغت درجة الوعي لتفهم ما يحصل وكيف ولماذا ومن أجل أي قضية يناضل شعبها، فقط تدرك أنها كردية ليس إلا.

وأوضحت أنه مع مرور عام على الثورة السورية التي تحولت لأزمة فيما بعد، بدأ أهالي روج آفا بالوقوف ضد ممارسات وانتهاكات حكومة دمشق، والمطالبة بالحرية والديمقراطية وحاولوا من خلال تنظيم أنفسهم بشكل سري في البداية للحد من أي انتهاك أو هجوم يهدد أمن المنطقة، مشيرةً إلى أن ما كان يحدث من حولها أثارت تساؤلات كثيرة لديها، لتبدأ رحلة البحث عن الأجوبة ومنه شيئاً فشيئاً انخرطت ضمن صفوف الثورة.

وأشارت إلى أنه بعد اشتداد الحرب وتوسع رقعته وازدياد الغضب الشعبي، لجأ أهالي شمال وشرق سوريا إلى بناء أساسٍ متين لهم، وحمل الرجال والنساء السلاح لحماية منطقتهم، وعلى أساس حرب الشعب الثورية انطلقت ثورة روج آفا ولأنه كانت هناك حاجة ماسة لقوات عسكرية تحمي الأهالي والمنطقة تأسست وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات الحماية الجوهرية كذلك.

وأضافت "بعد مرور سنوات على الثورة أصبحت أدرك معنى الثورة وأهدافها وما يجب علينا فعله لحماية مكتسباتها، وبعد تفكير طويل انضممت إلى وحدات حماية المرأة، لأتعرف بذلك على حقيقة الثورة والقضية التي نناضل من أجلها، تلقيت خلال تلك الفترة الكثير من التدريبات الفكرية لتطوير نفسي إلى جانب التدريبات العسكرية"، لافتةً إلى أن المجتمع في البداية لم يتقبل انضمام الفتيات الصغيرات إلى الحرب وحمل السلاح، إلا أنهن أثبتن قدرتهن على الإدارة واتخاذ القرار والنجاح في الطريق الذي سلكنه "لم ألقي أذناً صاغية لما كان يقال، لقد كنت أسعى للوصول إلى هدفها وهو تحرير المرأة وحمايتها".

ولفتت إلى أن ما جذبها للانضمام إلى الثورة من خلال القوات العسكرية، هو فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان التي كانت تسير وحدات حماية المرأة وفقه "لقد منح القائد أوجلان المرأة حقوقها وعرفها بتاريخها، لقد كان اضطلاعي على كتب القائد أوجلان والتعرف على فكره وفلسفته تأثير كبير على شخصيتي، فمن خلاله أدركت أن المجتمع الذكوري قد رسم لنا نحن النساء والفتيات الطريق ووضعنا في قوالب نمطية بعيدة كل البعد عن حقيقتنا وما بإمكاننا القيام به، لقد كانت بالنسبة لي خطوة كبيرة ومتنفساً لتطوير نفسي والنهوض بمجتمعي".

لقد كبرت أفين أوسي مع الثورة التي بلغت اليوم عامها الحادي عشر، ناضلت وحاربت بكل وقتها ضد المرتزقة متحديةً كل مخاوفها، لتدخل بعد ذلك المجال الإعلامي "لم أشعر أنني قد اكتفيت بنضالي ضمن الوحدات العسكرية، لذا انخرطت في المجال الإعلامي عام 2019، لإظهار حقيقة وتاريخ المرأة، فلتحرير النساء علينا أن نتحلى بفكر وإرادة حرة"، مشيرةً إلى أن العمل في مجال الإعلام يقابله العمل العسكري لأن هدفها واحد ألا وهو كشف حقيقة الانتهاكات والدفاع عن مكتسبات الثورة.

وشددت على أن "قوة النساء تكمن في الوحدة لذا يجب علينا أن نوحد صفوفنا من أجل نيل حريتنا، والحفاظ على مكتسبات ثورتنا، لن نقبل بسلب حقوقنا منا، علينا نحن الشابات أن نستمر بالنضال واضعات صوب أعيننا ما مررنا به ومنطقتنا وشعبنا، لنسير على خطى الشهداء لتحرير كافة نساء العالم والعيش بديمقراطية".

 

 

ولا تختلف قصة زيلان مجيد الشابة التي كبرت مع ثورة روج آفا وتعرفت على حقيقة قضية شعبها من خلالها، عن سابقتها، فالفتاة التي كانت تبلغ من العمر 11 عاماً فقط عندما بدأت الثورة، هي الآن عضوة في مركز الثقافة والفن بقرية كرباوي التابعة لمقاطعة قامشلو في شمال وشرق سوريا.

تقول زيلان مجيد أنه عندما اندلعت الثورة في شمال وشرق سوريا كانت طفلة تهتم بدراستها فقط "كبرت ضمن عائلة ديمقراطية تسير على فكر القائد عبد الله أوجلان، كان بإمكان النساء والفتيات في عائلتنا ممارسة حقوقهن ضمن العائلة".

وأضافت "لقد أثرت الحرب التي دارت في البلاد على الجميع، لم نكن نحن الأطفال على علم بما يحصل من حولنا"، ومع مرور سنوات على الثورة قررت زيلان مجيد كغيرها من الشابات الانضمام للحركة النضالية ولكن بطريقة مختلفة بعض الشيء كالعمل على إبراز ثقافة المنطقة وترسيخها في المجتمع وتعريف الأجيال اللاحقة بها، فهي تعتبر أن النضال عبر المجال الثقافي ليس بأقل أهمية عن المجال العسكري والإعلامي والسياسي، مؤكدةً على ضرورة الحفاظ على تراث وثقافة منطقتها وشعبها من الاندثار، كما أنها واحدة من ركائز وأهداف مشروع الأمة الديمقراطية التي يدعو لها القائد أوجلان.

وأوضحت أنه "عملنا في البداية على إنشاء مركز للثقافة يضم الأطفال والفئة الشابة، لتعريفهم بتراث وثقافة أجدادهم، لقد كان عدد الفتيات المنضمات للمركز ضئيلاً إثر ما كان يفرضه المجتمع من قيود عليهن، كنا نواجه صعوبات كثيرة لأنه لم يكن هنالك اهتمام بهذا المجال آنذاك، ولكن بالرغم من ذلك لم نستسلم لذا قمنا بزيارة العائلات وتعريفهم بالمركز حتى يسمحوا لأطفالهم بالانضمام، ومع بداية عام 2016 تم الإعلان عن افتتاح مركز للثقافة والفن في قرية كرباوي بشكل رسمي".

ولفتت إلى أنها بفضل الثورة تلقت تعليمها بلغتها الأم التي كانت قد حرمت منها كغيرها من الشعب الكردي قبل عام 2011، "كانت إحدى مكتسبات ثورتنا تأسيس جامعة روج آفا التي منحتنا الفرصة لتلقي التعليم الجامعي بلغتنا الأم، وقد درست في قسم الجنولوجيا (علم المرأة)، وهو ما منحني الأمل ودفعني لتطوير شخصيتي"، مشيرةً إلى أنه "لم يكن يستطيع الكرد التحدث بلغته الأم سابقاً أو تلقي التعليم بلغته في المدارس، كان من الصعب أن نكون متفوقين في دراستنا خلال السنوات الأولى من الالتحاق بالمدرسة، لكوننا أطفال وندرس بلغة مختلفة عن لغتنا الأم، إننا الآن نحيي حلم أجدادنا".

وقالت في ختام حديثها "نحن الجيل الذي كبر مع الثورة عليه الحفاظ على مكتسباتها، لما له من تأثير كبير علينا، لقد دفعنا ثمناً باهظاً للوصول إلى هذه المرحلة، نحن من سنرسم طريق مستقبلنا لن نسمح لأي أحد بأن يقرر مصيرنا".