تحرير منبج ثورة نهضت بواقع المرأة
ما بين سيطرة داعش وتحرير المدينة قادت المرأة في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا ثورة مجتمعية.
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ خلال سنوات سيطرة مرتزقة داعش كان للمرأة النصيب الأكبر من انتهاكاته ووحشيته حتى غير مشروع الأمة الديمقراطية من واقع النساء وانتشلهن من مستنقع العبودية التي فرضها داعش.
في الوقت الذي كان داعش يقتل ويرجم النساء في ساحات المدينة، جاءت مقاتلات وحدات حماية المرأة لتكن تاج الحرية للمرأة بدل الخمار الأسود وتجعلن من تلك الساحات منبراً تسطع منه بهجة الحرية وزغاريد النساء.
آلهات منبج تاريخ لا يعرفه الكثيرون
مدينة منبج التي تعرف بمدينة آلهة البركة وحامية الفرات يرتبط تاريخها بـ "آتارغاتيس" أو "أترعتا"، إحدى أشهر الآلهات في سوريا، وتشير الكثير من المصادر بأن مدينة منبج تأسست من قبل مؤمني آتارغاتيس خلال القرن الـ 12 قبل الميلاد عندما كان لا يزال معتقد العصر النيولوتي سائداً، وعلى مدى 5 آلاف عام سيطر عليها الرومان، والساسانيين، والمماليك، والمقدونيين، والعباسيين، والفاطميين، والأيوبيين، والمغول والعثمانيين والفرنسيين.
وأخذت مدينة منبج التي تبعد 25 كم غرب نهر الفرات، نصيبها من الأزمة السورية، وقد سيطرت عليها الكثير من الفصائل الإرهابية كـ الجيش الحر، وجبهة النصرة، ومرتزقة داعش، إلى أن تحررت من كل هذه الجماعات المرتزقة وآخرها داعش في 15 آب/أغسطس 2016، من قبل مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية.
الحلقة الأقوى في المجتمع كانت الأداة التي حارب بها داعش المجتمع
كان للمرأة النصيب الأكبر من انتهاكات ووحشية داعش، والعديد من النساء شاهدات على ما مورس بحقهن خلال السنوات الأسوأ في تاريخ المدينة.
الناطقة باسم مكتب تجمع نساء زنوبيا في مدينة منبج نسرين العلي شاهدة على ما عانته نساء منبج خلال سنوات 2014 و2015 حتى منتصف العام 2016، تقول عن سبب إطالة الأزمة السورية أن "الأجندات الخارجية من الأسباب الرئيسية التي أطالت من عمر الأزمة السورية، ودعم الإرهاب الذي تولى مهمته الاحتلال التركي من خلال دعم داعش وما يسمى بالجيش الوطني الذي يسيطر اليوم على رأس العين وتل أبيض، إضافةً للمرتزقة في عفرين".
وأضافت "بهذا التمويل استطاع مرتزقة داعش السيطرة على عدد من المناطق في شمال وشرق سوريا كمنبج والرقة والطبقة ودير الزور، وتمت السيطرة على المجتمع من خلال استخدام الدين الذي تم توجيهه لمحاربة النساء عبر التضييق عليهن والتدخل بأدق تفاصيل حياتهن، فتباع المرأة وكأنها قطعة أثاث من مرتزق إلى آخر، عدا عن التعذيب والجلد الذي يطال الرافضات لممارساته. عاشت النساء في خوف وقلق دائمين حتى أن الكثيرات أنهين حياتهن هرباً من هذه الحياة التي أجبرن على عيشها".
وترى نسرين العلي أن "داعش سعى من خلال هذه الأساليب للسيطرة على المجتمع عبر التحكم بالنساء لأنه مدرك أن المرأة هي الحلقة الأقوى فيه، وإذ ما تم إضعافها يسهل التوغل في المجتمع والتحكم به، أي أن المرأة استخدمت كأداة لتحقيق اطماعهم في المجتمع، لذا كانوا يتذرعون بأي شيء ليعتقلوا امرأة، حتى أن بعض الرجال تبرؤوا من زوجاتهم إذا ما صادفوا المرتزقة خوفاً من العقوبات المتمثلة بالجلد أو الخضوع لدورة شرعية وبعضها وصل إلى القتل".
وأضافت "رغم ذلك الكثير من النساء لم تصمتن على ممارسته ومنهن من لقين حتفهن، أو تم اعتقالهن وتعرضهن للتنكيل".
تحرير المدينة نقطة تحول في واقع المرأة
وعن التغير الذي طرأ على واقع المرأة بعد التحرير قالت نسرين العلي "تحرير مدينة منبج ذكرى نحتت في ذاكرة كل امرأة، لأنه يوم تخلصت فيه النساء من الظلم وكان بمثابة ولادة جديدة للنساء، يمكن وصف ثورة روج آفا، وتحرير مدينة منبج بالفرصة الذهبية التي استفادت منها النساء لتثبتن ذواتهن، وهذا ما قهر أفكار المجتمع الأبوي التي أطرت حقوق المرأة في العمل والسياسة وجميع المجالات".
وتابعت "تحرير مدينة منبج أفسح المجال أمام النساء لتستلمن زمام الأمور، وتصلن إلى مواقع صنع القرار وجميع مجالات الحياة وميادين العمل، حتى نظرة المجتمع للمرأة والمفاهيم الخاطئة التي كانت مترسخة قبل سيطرة داعش تم تصحيحها. لطالما نظر المجتمع للمرأة على أنها مخلوق مسلوب الإرادة والقوة، ولكن الإرادة التي ظهرت خلال سنوات التحرير شكلت رداً على هذه المفاهيم التي تزعزعت مع دخول المرأة للعمل العسكري متجهة إلى كافة المجالات، وهذه هي الثورة الحقيقية بالنسبة للمرأة في منبج. اقتدنا بالمرأة الكردية، لكن بعد أن تحررنا أصبحنا نحن القدوة لبقية المناطق".
نسف المفاهيم الرجعية ثورة أخرى تناضل المرأة في سبيلها
عن النساء اللواتي استطاعت الحركات النسائية الوصول إليهن لانتشالهن من واقعهم بينت نسرين العلي أنه "خلال نضال 6 سنوات استطعنا الوصول لنحو 40 بالمئة من النساء، فمن خلال الزيارات لبيوت الأهالي ولقائنا بالنساء، إلى جانب الاجتماعات التي كنا نعقدها معهن عملنا على تعريفهن بالمرجعية التي تعرفهن على هويتهن وتساندهن وتحميهن، فنحن كحركات نسائية وتجمعات من واجبنا حماية النساء ومساندة المرأة المضطهدة التي تتعرض للعنف".
وترى نسرين العلي أن هذه الزيارات جاءت بنتائج مثمرة فالكثير من النساء اجتزن حاجز الخوف "تعاونت معنا النساء للنهوض بواقعهن ولنبني معاً مجتمع واعي وسياسي وأخلاقي، لم نصل لكافة النساء لكننا نسير على الطريق للوصول إليهن جميعاً، عرفتنا هذه الزيارات على واقع النساء اللواتي لا تزلن مكبلات بالعادات والتقاليد البالية وأولئك اللواتي تعانين من العادات الدخيلة التي جلبها داعش معه".
وذكرت بعض الحالات منها "زواج القاصرات الذي يقضي على مستقبل الفتاة ويحرمها من التعليم، وربط الأخلاق والشرف بشخصية المرأة واستبعاد هذين الأمرين عن الرجل رغم أن الشرف والأخلاق مرتبطان بالمرأة والرجل على حد سواء".
تقول من خلال تجربتها في العمل بمؤسسات الإدارة الذاتية بعد التحرير أن حال الكثيرات تغير "نحن في أماكن صنع القرار لكننا لا ننكر بأننا أيضاً كنا مقيدين بالعادات والتقاليد التي كانت تعيق تقدمنا، لكن اليوم نحن هنا نناضل من أجل النساء، وهذا ما يعطينا الأمل لانتشالهن من واقعهن، على هذا النهج مستمرات بحملات التوعية للنساء وكذلك الرجال حتى نصل لجميع النساء ولكيلا تبقى أي امرأة معنفة أو عرضة للقتل أو الانتحار، وسنصل لأهدافنا المرجوة بتكاتف جميع النساء مع بعضهن البعض، فالنساء اللواتي حاربن أخطر إرهاب في العالم بإمكانهن محاربة الفكر الرجعي الذي يقيد حريتهن لنبني مجتمع أخلاقي حر بقيادة المرأة. بعد تحرير مدينة منبج نحن أمام مرحلة جديدة أو ثورة أخرى وهي الثورة الفكرية لذا يتوجب علينا أن نناضل أكثر لتكون المرأة في المكان الذي يليق بها".
لجنة المرأة عماد تنظيم النساء في الإدارة المدنية الديمقراطية
لجنة المرأة استقطبت طاقات النساء لتسخيرها لخدمة قضية المرأة ومجتمعها خلال 6 أعوام، فهي عماد تنظيم المرأة في الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها، ولعبت دوراً أساسياً في تنظيم النساء واستقطابهن وتهيئة البيئة المناسبة لهن ليلعبن دورهن بأكمل وجه.
تشاركنا نائبة لجنة المرأة في الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها هبة دادا رأيها بالتغيرات التي طرأت على المجتمع المنبجي وخاصة على النساء واصفةً هذا التغيير بالمفصلي "كنا شهوداً على تغير مفصلي في مدينة منبج بعد تحريرها، تغييراً لم تشهده المدينة طوال تاريخها، فكل امرأة تعرفت على ذاتها وأنا منهن، لا يمكن إنكار أن النساء قبل سيطرة الإرهابيين وآخرهم داعش كن تعملن في العديد من المجالات، لكن حتى هذه الأدوار همشها داعش، مشروع الأمة الديمقراطية تمكن من تغيير الكثير من المفاهيم التي رسخها المجتمع في فكرنا، وفتح أعيننا على جوانب أخرى كنا نجهلها، وأهمها إرادة المرأة التي بمقدورها أن تدير أي مجال تواجدت فيه حتى المجال العسكري، وهذا ما رأيناه بشخصيات المقاتلات والقياديات المرابطات على جبهات القتال".
تطلب تنظيم النساء في المدينة المحررة حديثاً جهداً كبيراً "لم يكن لدى النساء الجرأة الكافية للانخراط في العمل مع الإدارة الحديثة العهد ولم تكن تعرفن إلا القليل عنها، لكن مع التوعية والتعرف على مشروع الأمة الديمقراطية تزايد العدد بشكل ملحوظ خاصةً في السنوات الأخيرة، عندما عرفت النساء بأن الإدارة الديمقراطية تسعى لاحتضانهن انخرط عدد كبير منهن في العمل".
ويبلغ عدد العاملات في الإدارة المدنية الديمقراطية 3392 امرأة، أما في المجال التربوي يبلغ عدد الإداريات 29 إدارية، وعدد المعلمات في منبج وريفها 2487 معلمة، أما في منظمات المجتمع المدني فوصل عددهن إلى 3200 امرأة، وفي الأحزاب السياسية 28 امرأة، وبالنسبة لعددهن في المؤسسات التي تعنى بشؤون المرأة (تجمع نساء زنوبيا وجنولوجيا ووقف المرأة الحرة) بلغ 41 امرأة.
فتح المجال أمام النساء للعمل ودعمهن
بعد التحرير تم إدارة المدينة من قبل المجلس المدني الذي تأسس مع انطلاق حملة التحرير في ناحية صرين جنوب مقاطعة كوباني وفي 12 آذار/مارس 2017 تأسست الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها وتشكلت من 13 لجنة ومن بينها لجنة المرأة، وأخذت هذه اللجنة على عاتقها تنظيم النساء في لجان ومكاتب.
تقول هبة دادا عن دور لجنة المرأة في حياة نساء مدينة منبج "تلعب لجنة المرأة دوراً أساسياً في تنظيم النساء ضمن الإدارة من خلال توعيتهن وتدريبهن ومساعدتهن على تخطي الصعوبات التي تعترض طريقهن، ومساندتهن في حل مشاكلهن وتهيئة بيئة ملائمة ليتسنى للمرأة تأدية نشاطها في العمل على أكمل وجه".
وذكرت نماذج عن الحلول التي قدمتها اللجنة للمرأة وهي كما تقول افتتاح 3 حضانات والرابعة قيد الإنجاز، إضافةً لافتتاح روضة والأخرى قيد الإنجاز "هذه المشاريع تساعد المرأة العاملة للاطمئنان على سلامة أطفالها في فترة غيابها".
توفير فرص عمل إحدى مهام لجنة المرأة وعلى ذلك تم افتتاح العديد من المشاريع الاقتصادية للنساء "لدينا الكثير من المشاريع التي افتتحتها لجنة المرأة، ووقف المرأة الحرة، واقتصاد المرأة من محلات، ومشاغل خياطة، ودورات تعليم الخياطة والتجميل والإسعافات الأولية، ومحلات بيع الألبسة، ومطاعم، ومداجن، ومعمل صناعة المنظفات، وكل هذه المشاريع تدار من قبل المرأة وتوفر كم هائل من فرص العمل للنساء، ومن بين مشاريعنا مشغل 'ساكينة العسلية' للخياطة، إضافةً لمشروع بيت المونة الذي يوفر فرص عمل للنساء فالاستقلال الاقتصادي للمرأة يساعدها أكثر على التحرير، وهذا ما دفعنا للتركيز على هذا الجانب ونتعاون مع اقتصاد المرأة ومكاتب المرأة في البلديات ووقف المرأة الحرة لافتتاح الكثير من المشاريع. كذلك نساعد النساء اللواتي ترغبن بالعمل لكنهن تواجهن اعتراض من قبل عائلاتهن، فنحاول إقناع تلك العائلات من خلال التعريف بمشروعنا الديمقراطي الداعم لحرية وحقوق المرأة. أعطينا صورة نموذجية عن منبج، والأيام كانت تثبت للجميع حقيقة النهج الذي تسير عليه المرأة في مشروعنا".
من تجربتها الشخصية
هبة دادا شابة تركمانية شهدت على جرائم مرتزقة داعش بحق النساء، وهي من اللواتي استفدن من الفرص التي قدمها مشروع الأمة الديمقراطية لنساء مدينة منبج، تشاركنا تجربتها الشخصية وتقول إن "تغيرات كبيرة طرأت على شخصيتي، تعرفت على أفكار جديدة كانت مغيبة بشكل تام عني، ولم أكن أعرف حقوقي كامرأة إلا بعد أن انخرطت في العمل المؤسساتي. كنت طالبة جامعية لكني لم انخرط في العمل عشت معظم أيام حياتي حبيسة غرفتي، وهذا كان حال جميع النساء عندما سيطر داعش، افتقدنا لأبسط الوسائل التي كان من الممكن أن تساعدنا على تغيير واقعنا. وأصبح الخروج لعنة على النساء عندما سيطر داعش على المدينة".
تغير الحال كثيراً مع الإعلان عن الحملة في الأول من حزيران/يونيو أي قبل شهرين ونصف من التحرير، تستذكر هبة دادا تلك الفترة وتقول "أغلقت علينا جميع طرق الفرار من داعش، وكل من كان يلوذ بالفرار يلقى حتفه. شاهدنا الموت، لذلك بقينا في منازلنا حتى تحررت مدينة منبج".
انخرطت هبة داد في مجال العمل بعد تحرير مدينة منبج بشكل مباشر ودخلت في مجالي الإعلام والثقافة والفن، وهي اليوم تعمل في لجنة المرأة "من كل عمل اكتسبت خبرة، وصقلت شخصيتي على نهج الأمة الديمقراطية، آفاق العمل جعلتني أرى شخصية هبة الحقيقية، وهذا لأننا نعمل ضمن أخلاقيات المجتمع وأصوله لم نعد نخاف من معايير المجتمع التي تضع اللوم على المرأة في كل شيء وتسعى لتضييق الخناق عليها. لم نضع سقفاً لطموحنا".