تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال في إدلب
تدور في شوارع إدلب وأسواقها قصص وحكايات أطفال في سن البراءة، أجبرتهم قساوة الأحوال المعيشية في مخيمات النزوح، العمل لتأمين احتياجات عائلاتهم دون اللجوء لطلب المساعدة من الآخرين.
هديل العمر
إدلب ـ لم تعد مقاعد الدراسة ما يجذب مئات الأطفال الباحثين عن أرزاقهم وقوت يومهم في إدلب، وإنما باتوا موزعين على أطراف الشوارع وأمام البسطات، وتحولت مهامهم من الانشغال بالتعليم إلى بيع البضائع ليساعدوا عوائلهم في كسب الرزق وسط ما يحيط بهم من فقر مدقع.
اعتاد محمد العلي البالغ من العمر 11 عاماً، العمل في أسواق إدلب وشوارعها، بعد أن اتخذ من بيع المعجنات على البسطة مهنة له، ويقول أنه مضطر للعمل من أجل إعالة إخوته بعد إعاقة والده في قدميه بعد القصف الذي طال مدينتهم معرة النعمان عام 2019.
وأوضح أنه توقف عن الذهاب إلى المدرسة منذ نزوحهم إلى إدلب المدينة، لعدم توافر الإمكانيات المناسبة للدراسة كما أنه بحاجة للعمل لمساعدة أهله وإلا سيكون "الوضع مزرياً" على حد وصفه.
ومن جانبه اتخذ كرمو البصطرجي البالغ من العمر 12 عاماً، بيع علب البسكويت والعلكة وبعض الحلوى على بسطته المتواضعة مهنة له بعد أن عجز عن إيجاد عمل آخر يساعد من خلاله والدته وإخوته القابعين في مخيمات النزوح بإدلب.
وقال أنه بات المعيل الوحيد لأهله بعد وفاة والده الذي قضى في المعتقلات منذ أعوام، وكل "قرش" يبيع فيه يجمعه ليغطي من خلاله الرأس المال، في حين يدخر المرابح ليعطيها لأمه التي تجلب لهم من خلالها بعض الأساسيات.
بينما تبرر والدته صفية الفرهود البالغة من العمر 36 عاماً، إرسال ابنها كرمو البصطرجي للعمل على البسطة لمعاناتهم من الفقر الذي بات يحاصرهم وسط النزوح والغلاء، وتقول متأثرة لحال ابنها الذي أبعدته ظروف حياتهم مرغماً عن مقاعد الدراسة، إنه في الوقت الذي تفكر فيه معظم الأسر حول العالم بكيفية تأمين الفرص لإثراء عقول أطفالها بالمعارف المختلفة والتقنيات الكمبيوترية وتعلّم لغات أجنبية "نضطر نحن النازحون في إدلب لإرسال أبنائنا للعمل من أجل الحصول على دخل وحيد يسهم في سد عجز مصروفات الأسرة أمام متطلبات وأعباء الحياة اليومية التي باتت في منتهى التعقيد".
وعن أبرز الأسباب التي دفعت الأطفال للعمل وتأثيره النفسي والاجتماعي قالت المتخصصة الاجتماعية رقية العمر البالغة من العمر 33 عاماً "أن الحالة الاقتصادية هي أكبر مشكلة تواجه النازحين وتتسبب في زج الأطفال في سوق العمل مع حاجة أهلهم إلى الدخل الدائم".
وأوضحت أن "التسرب من المدارس إضافة لأسباب تتعلق بالأسرة وأخرى اقتصادية وسياسية كالنزوح المتكرر بسبب القصف أو عوامل أخرى ترتبط بالحالة النفسية للطفل، والفقر والحاجة المادية الدافع الأساسي لتسرب الأطفال وذهابهم للعمل".
وأشارت إلى أن انتشار الأطفال ممن هدرت طفولتهم على قارعة الطريق والواقفين أمام بسطاتهم تحت المطر ووسط البرد القارص، أو حتى تحت أشعة الشمس الحارقة بات أمراً عادياً بالنسبة إلى المجتمع الأدلبي المنهار أساساً.
وعن تأثير العمل على قدرات الطفل المعرفية والنفسية تقول بأنه يفقد احترامه لذاته وارتباطه الأسري وتقبله للآخرين، وذلك جراء بعده عن الأسرة طوال الوقت وتعرضه للمخاطر المتعددة بداية من حوادث المرور ونهاية بالعنف والاعتداءات التي قد تواجهه من قبل الطائشين في الشوارع والأسواق.