تأثير العنف يرافق الضحية طوال حياتها ويعيق قدرتها على التعايش بشكل طبيعي

"ظننت أني تعافيت حتى طاردني المعتدي في الحلم وأدركت من طبيبي النفسي أنه وراء معاناتي لنحو 30 عام"

أسماء فتحي

القاهرة ـ "ظننت أني تعافيت حتى طاردني المعتدي في الحلم وأدركت من طبيبي النفسي أنه وراء معاناتي لنحو 30 عام"، بهذا الوصف تحدثت إلينا واحدة من المعنفات اللواتي لجأن للطبيب من أجل تجاوز ما مرت به من أزمات متتالية دون إدراك منها سبب هذا التحول الذي وصفته بـ "الغريب" في شخصيتها.

يستهين البعض بتأثير العنف على الضحايا خاصة وإن لم يكن مادي ويعتبرونه بحسب البعض "رفاهية ودلع" في حين أن تأثيره السلبي قد يرافق الضحية طوال حياتها ويعيق قدرتها على التعايش بشكل طبيعي مع تغيرات الحياة، ولا يتوقف تأثيره عند هذا الحد فقط وإنما أيضاً يساهم في إحداث تحول في شخصية البعض وقد يغير في السلوكيات وردود الأفعال بل والممارسات المعيشية المختلفة.

وهذا التأثير المدمر قد لا يكون على المدى القصير ولكن تبعاته تمتد لسنوات طويلة، وهو جانب يغفل عنه الكثيرون ورغم وجود مؤسسات تستقبل ضحايا العنف في مختلف أنحاء مصر، إلا أن جزء منها غير مفعل بالشكل المطلوب ولم يتم الترويج له بالتوعية بشأن ما يقدمه من خدمات.

 

"لم أكن سوية فلجأت لطبيب نفسي والسبب كان اعتداء في الصغر"

تقول سلوى جمال وهو اسم مستعار، أنها قررت الذهاب لطبيب نفسي نتيجة ملاحظتها أنها بالفعل لم تعد سوية في تعاملها فلم تنجح لها تجربة ارتباط واحدة، لكن الأزمة لم تكن في الوحدة بل في قسوة تعاملها مع كل من يقترب منها.

وأوضحت "شعرت أني لعنة أخرب وأدمر حياة كل من يقترب مني بدون أي احساس بخطورة ما أفعل ورغم أني في كثير من الأحيان كنت أبادر واقترب وأفتح مجال للارتباط إلا أني بمجرد أن ألمس نجاحي وأوشك على خطوة الارتباط الرسمي سرعان ما أغادر متعللة بأسباب واهية بمنتهى القسوة".

وأكملت سلوى جمال قصتها بأنها تسببت في أزمة صحية وهو الأمر الذي دفعها للذهاب لطبيب نفسي وتمسكت بالرغبة في التعافي وفوجئت أن كل ما تعانيه وتفعله نتيجة تعرضها لممارسات جنسية من أحد أفراد أسرتها في صغرها، وأنها شعرت بالألم لمجرد تذكر الأمر فانفجرت بالبكاء، ولم تكن تدرك أن معاناتها الحقيقية ناتجة عن الاعتداء القاسي الذي تعرضت له في صغرها الذي صاحبه ضرب أحياناً وتهديد في أوقات أخرى قائلة "شعرت بوقع الضرب المصاحب للاعتداء الجنسي على جسدي وكأنه يحدث الآن وكنت أظن أني تجاوزت تماماً وربما تناسيت الأمر عمداً ولكنه محفور بالدم داخلي ومازال تذكره يؤلمني".

 

"هناك حاجة للتوعية والتعريف بأماكن تقديم الدعم النفسي"

قالت المدير التنفيذي لمركز إدراك للتنمية والمساواة نجوى رمضان أن العنف يؤثر على المعنفات لفترة طويلة ويؤثر على سير حياتهم ونفسيتهم، فالأمر يتطلب توعية بأهمية الدعم النفسي لهن، لأن هناك تركيز أكبر على الدعم القانوني وإغفال للشق النفسي، وعلى المؤسسات الأهلية التي تحتوي على مكاتب إحالة قانونية أن يكون بجانبها مكاتب دعم نفسي كذلك.

وأضافت أنه بالرغم من وجود أماكن تتبع وزارة الصحة وإدارات دعم نفسي ووحدات تتبع المجلس القومي للأمومة والطفولة ووحدات دعم نفسي للمرأة بالمستشفيات، إلا أن الأمر يتطلب توعية أكثر بأماكن وجودها وما تقدمه من خدمات.

وأكدت نجوى رمضان، أن مؤسسات المجتمع المدني يقع عليها العبء الأكبر في التوعية بأهمية الصحة النفسية للمعنفة من خلال الحملات التي تستهدف ذلك، فضلاً عن ضرورة وجود مراكز دعم نفسي لهن وتكون معلنة وموثقة لتحترم خصوصيتهم وتحمي المعلومات الخاصة بهم وتعمل على وضع نظام أخلاقي في إدارة البيانات.

 

"262 جريمة عنف ضد النساء والفتيات في مصر خلال الربع الأول من عام 2022"

كشفت نجوى رمضان لوكالتنا عن عدد جرائم العنف في الربع الأول من عام 2022 والتي بلغت نحو 262 جريمة ضد النساء والفتيات في مصر.

وأكدت أن عدد جرائم القتل التي سجلها مرصد العنف القائم على النوع الاجتماعي التابع لمؤسسة إدراك خلال العام الجاري تقدر بنحو 72 جريمة، منهم نحو 54 جريمة قتل على يد فرد من الأسرة، و12 على يد شخص ليس ذو قرابة بالضحية، و6 جثث مجهولة تظهر عليها أثار تعذيب وخنق وضرب.

أما عن جرائم الضرب فقد أوضحت أنهم رصدوا ما أسفر عنه كسور وجروح وحروق للضحية، وقد سجل المرصد خلال الربع الأول من عام 2022 نحو 31 جريمة منهم 24 على يد فرد من الأسرة.

وعن باقي الإحصائيات التي سجلها المرصد بشكل عام للربع الأول من العام الجاري فكان منها الابتزاز الإلكتروني متمثل في نحو 55 جريمة ابتزاز جنسي تم التبليغ عنها، بينما لم يتجاوز عدد الحالات التي تم رصدها خلال عام 2021 كاملاً الـ 16 جريمة، ونحو 34 واقعة انتحار، و13 محاولة انتحار تم إنقاذ المنتحرة بتدخل طبي، ونحو 27 واقعة بلاغ عن تحرش جنسي، و7 وقائع اغتصاب منهم 5 لفتيات بين 12 و17 عاماً، وحالة واحدة لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

جميع أنواع العنف تؤثر سلباً على النساء ولكن أشدها وطأة "الاقتصادي"

وبدورها قالت مؤسسة مبادرة "برة السور" أسماء عبد الحميد أن العنف بمختلف أشكاله يؤثر إلى حد كبير على النساء وأسوأها على الإطلاق "العنف الاقتصادي" لما له من تأثير كبير على حياة المرأة.

وأضافت أن المرأة تعاني في منزلها لأن السلطة الاقتصادية في يد الزوج حتى وإن كانت تعمل وتتقاضى راتباً، وبعضهن يتحملن التعنيف من أجل مستقبل الأبناء.

وقالت أسماء عبد الحميد أن العنف المجتمعي أيضاً يمارس على المدافعات عن حقوق النساء فالكثيرات منهم يتهمن بالانحلال والتعقيد والرغبة في إشاعة الانفلات الأخلاقي.

وللعنف الاقتصادي في أماكن العمل ترتيب متقدم في الممارسات المنتهكة للنساء فالكثيرات يعزفن عن الإبلاغ عن تعرضهن للتحرش على سبيل المثال خوفاً مما قد يمارس عليهم من ضغط أو تعرضهن للطرد من أماكن العمل التي تسيطر على قطاع كبير منها السلطة الأبوية، بحسب أسماء عبد الحميد.

 

العنف يؤثر على التفاعلات الإنسانية لضحاياه

وقالت أسماء عبد الحميد، أن أزمة التخلص من الحجاب واحدة من أقوى مسببات العنف الممارس على النساء، وهناك فتيات يعشن لسنوات طويلة تحت تهديد الضرب والحبس والحرمان من التعليم بسبب هذا الأمر "هناك فتاة استنجدت بالمبادرة وذهبت إليها لأجد أن وجهها بالكامل مشوه بسبب قرار تخلصها من الحجاب".

فالعنف يؤثر على التفاعلات الإنسانية بحسب أسماء عبد الحميد التي تؤكد أنه قد يجعل الكثيرات يملن إلى العزلة خوفاً من المجتمع أو تعرضهن للممارسات التي يخفن منها أو سبق ومررن بها.

وروت أسماء عبد الحميد تجربة شخصية لها قائلةً "حاول شخص الإمساك بجسدي في ميدان عابدين بالقاهرة وكاد أن يصدمني بسيارته ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن وأنا لا أستطيع الاقتراب من هذا الميدان ولم أتخلص من خوفي بعد تلك الصدمة".