صعيد مصر... نظرة مختلفة عن ختان الإناث
ختان الإناث واحدة من القضايا المجتمعية الشائكة والتي وصم بها صعيد مصر لسنوات طويلة في رصد وتحليل جذوره المتغلغلة في النفوس وهو ما جعلنا نتخذ من محافظة قنا نموذجاً في محاولة عشوائية للاطلاع على رؤية بعض قاطنيها تجاه هذه الممارسة.
أسماء فتحي
القاهرة ـ واحدة من الأزمات التي تؤرق العاملين في مجال حقوق المرأة هي ختان الإناث وتشويه أعضائهن في الصغر، كونها أبشع الجرائم التي ترتكب بلا توقف رغم تشديد العقوبات بشأنها، وعادة ما نسمع البعض ينسب حدتها إلى صعيد مصر النائي عن المدينة حيث عمقت مثل هذه العادات نتيجة غياب الوعي المناسب لإحداث التغيير المطلوب.
كان لوكالتنا جولة في محافظة قنا وحاولنا خلالها التعرف أكثر على معاناة النساء هناك تجاه عدد من القضايا وعلى رأسها ظاهرة ختان الإناث وما يصاحبها من تبعات نفسية وجسدية على النساء.
ورغم أن الكثيرات آثرن الصمت خجلاً من الحديث عن تلك الجريمة، إلا أن هناك أيضاً عدد ليس بالقليل تمكن من مواجهة هذه العادة وغيرن في محيطهن الضيق داخل أسرتهن الصغيرة والمجتمع الأوسع حولهن.
وأن الانطباع الأكثر استقراراً لدينا من خلال تلك الزيارة الميدانية أن الوضع تغير كثيراً لصالح قضايا النساء، وهو ما أرجعه الأشخاص هناك لزيادة معدل التعليم بشكل عام وللفتيات على وجه الخصوص، وكذلك زيادة معدل الوعي والأهم كان الخوف من العقوبة سواء من الأهالي أنفسهم أو من يقومون بهذا التشويه أطباء كانوا أو أشخاص عاديين.
ختان الإناث تراجع وبات محدوداً في الخفاء بسبب العقوبات الرادعة
قالت إحدى المهتمات بقضايا المرأة في محافظة قنا أمل بدوي سيد، إن مشوار العمل على قضية ختان الإناث ومحاولة محاربتها في صعيد مصر بدأ منذ عدة سنوات بدعم المجتمع المدني من خلال نشر الوعي، وكذلك ما فرض من عقوبات على مراكز الصحة التي تقوم بتلك الجريمة للطفلات.
وأوضحت إن أحد أهم أسباب تراجع معدل الختان تعود لزيادة وعي وتعليم الشباب في الجامعات المختلفة ومن ثم اكتسابه ثقافة مختلفة عن العادات المحلية، مؤكدة أن هناك تشديدات بشأن تلك الممارسة على وجه التحديد من قبل السلطة التنفيذية المحلية.
وأكدت أن ربات المنزل أيضاً نالهن جانب من الوعي عن طريق أبنائهن الذين خرجوا للدراسة، فالتعليم داخل أغلب الأسر أصبح نافذة يطلون منها على العالم ويتأثرون من خلاله بالثقافة والتطور والوعي السائد.
ولم تنفى ممارسة الختان بشكل عام ولكنها أكدت أنها محدودة لدرجة كبيرة وتتم في الخفاء حيث لا يعلم بها إلا عدد محدود من أسرة الضحية خوفاً من الحبس أو الغرامة المحتملة في حال كشف الأمر وتم الابلاغ بحدوثه.
"رفضت الختان وأثرت في أسرتي وهناك تحديات لا يمكن تجاهلها"
روت أمل سيد تجربتها مع الختان "أنا أم لثلاثة بنات وأرفض تماماً الختان وأثرت في أسرتي ومنعت حدوث تلك الجريمة داخلها، فلا توجد فتاة تم تختينها بعائلتي، فالختان حرام شرعاً ويدمر نفسية الفتيات في سن صغير وتستمر معهن تبعاته في الكبر".
وأضافت أن الختان عملية مؤذية لا يمكن محوها من الذاكرة وكأنها محفورة بداخلها، مشيرة إلى أن تراجع تلك الجريمة في وقت ما قد يترتب عليه محو آثارها السلبية مستقبلاً، معتبرة أن تختين الفتاة أقرب لـ "قطف الزهرة"، وبالتبعية سيكون مصيرها الذبول والموت فيما بعد وإن استمرت حياة امرأة يبقى الأثر السلبي للختان راسخاً صحياً واجتماعياً وأسرياً.
وأوضحت أن الأهالي باتوا يخافون من إجراء تلك الجريمة الآن حتى لا يتعرضوا للعقاب، ومسألة الحذر والحفاظ على مظهر الفتاة باتت على قائمة اهتمام من يمارسوا تلك الجريمة في الخفاء، مشيرة إلى من يرفضون اجراء تلك الجريمة يسمعون من الأجداد تعبيرات حول رغبة البنت وضرورة تحجيمها وهو الأمر الذي تغير مع التطور العلمي والثقافي وارتفاع مستوى الوعي.
النساء بحاجة للتوعية لأنهن الأكثر تأثيراً في تلك القضية
للمرأة نفوذ وسطوة في بعض الأسر خاصة إن كانت الجدة، التي تحمل أفكار الآباء الراسخة في وجدانها على مر العصور وواحدة منها تربية الصغيرة بالختان للسيطرة على رغبتها الجنسية والحد منها خاصة في المجتمعات المنغلقة فكرياً ولا تسمح بالتواصل بين الذكور والإناث في الحياة العامة.
وأضافت أن المراكز في محافظة قنا بحاجة إلى مزيد من الحملات التوعوية خاصة للأمهات لأنهن بحسب تقديرها الأكثر خطورة في قضية الختان معتبرة أن رأيهن له الأولوية في تلك المسألة على وجه التحديد عن الآباء.
"لم أنساه يوماً وحاولت منع حدوثه لطفلتي فلم أستطع"
بعيون مرتبكة تلتفت في المحيط حرصاً على عدم رؤيتها، قالت منال علي، اسم مستعار، "لم أنسى يوماً، حضرت إلى بيت والدي امرأة تلبس الأسود وحادة النظر لدرجة أخافتني ومعها ثلاثة فتيات من نفس الشارع الذي أقطنه وتمت الجريمة المروعة بختانناً".
وأوضحت أنه من المعتاد وحتى فترة ليست ببعيدة أن يتم الختان لأبناء نفس الشارع إن كان سنهم ليس ببعيد وقديماً كان ذلك المشهد يكتسي بالاحتفال بينما بات الآن طي الكتمان ولا يعلم به إلا أقرب الناس للطفلة.
وعن قصة طفلتها قالت "ظننت أن من حقي منعهم من هذا الفعل ولكني فشلت، والدة زوجي التي كانت لها السطوة والغلبة أجبرتني على الرضوخ لطلبها وتم تختين طفلتي التي بكيت عليها دماً وهي تتألم وأعادت إلي ذكرياتي مع تلك الجريمة المروعة وكأن مذبحتي تحدث الآن وشعرت بالألم ذاته ولكن "ما باليد حيلة"، فالمرأة بقريتنا خاصة إن كانت تشبهني لا تحمل سلاحاً من مال أو علم في بيت الزوجية الذي يسيطر عليه تماماً الرجل ولا مكان لحديث النساء أو أحلامهن على أرض الواقع".
"تركت المنزل قبل تختين طفلتي محاولة الضغط بلا جدوى"
في محاولة بائسة لمنع ختان طفلتها تركت منال علي منزلها للضغط على الزوج كي لا يقوم بجريمته تجاه الطفلة ولكنها فشلت.
وقالت "حاولت مراراً منع تختين طفلتي وفشلت فأنا أعاني مع زوجي في علاقتنا وكثيراً ما يصنف بالبرود وعلمت من خلال التليفزيون أن السبب في ذلك هو الختان ونتيجة الأزمات المتكررة كنت أرغب في عدم القيام بالأمر لصغيرتي".
وأوضحت "نحن هنا في قبضة الرجل ورهن مطالبه في كل شيء ولا تجرؤ الزوجة على الحلم بتغيير قرارات الزوج ومن يقولون غير ذلك لا يعلمون عن مراكز الصعيد شيئاً".