سوسن الدعجة: الأردن مقبل على تحول ديموغرافي في السنوات العشر القادمة

يعمل المجلس الأعلى للسكان في الأردن على الاستراتيجية الوطنية للسكان للأعوام العشرة القادمة والاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية والجنسية.

سرى الضمور

الأردن - أكدت مديرة البرامج في المجلس الأعلى للسكان سوسن الدعجة أن المجلس الأعلى للسكان تنبه مبكراً للعديد من القضايا المتعقلة بالسكان والتنمية والتعامل مع مفهوم الصحة الجنسية والإنجابية بجدية، إلى جانب دراسته لأسباب تنامي ظاهرة زواج القاصرات عقب تداعيات أزمات الشرق الأوسط.

عن زيادة ظاهرة زواج القاصرات في المجتمع الأردني قالت مديرة البرامج في المجلس الأعلى للسكان الدكتورة سوسن الدعجة لوكالتنا أن المجتمع الأردني لم يكن يعاني من انتشار ظاهرة زواج القاصرات في سنوات ما قبل النزوح السوري حيث لم تتجاوز النسبة حينها 8%، إلا أن موجة اللجوء والصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وتأثر الأردن بالعدد الكبير من اللاجئين السوريين، زاد من انتشار الظاهرة بشكل كبير، الأمر الذي دعا المجلس إلى إجراء دراسة خاصة حول دواعي الظاهرة التي بدأت بالزيادة خصوصاً بين الفتيات.

وأشارت سوسن الدعجة إلى أنه تم تنفيذ دراسة حول تزويج الفتيات التي أوضحت مؤشراتها ارتفاع نسبة الظاهرة على مستوى الأردن لتصل إلى 18%، فكل واحدة من عشر زيجات تكون لفتاة قبل سن الـ 18، إذا ما قورنت بالفتيات السوريات المقيمات في الأردن وتصل النسبة إلى 40% أي من أصل عشرة زيجات هناك أربعة بينهن فتيات قاصرات.

وأضافت أن الدراسة رصدت أسباب ارتفاع الظاهرة الناجمة عن عوامل اجتماعية والتي تختلف بطبيعتها ما بين الأسر الأردنية والأسر السورية فكانت أبرزها فقر العائلات الأردنية إضافةً إلى حجم الأسرة الكبير وتعدد الإناث داخل العائلة، إلا أن المنظومة الاجتماعية لدى الأسر السورية تختلف خاصة وأن غالبية اللجوء السوري جاء من المناطق الريفية التي تعتبر من ضمن قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم تزويج الفتيات قبل بلوغهن الـ 18 عام.

وأوضحت الأسباب التي تدفع لجوء الأسر المهجرة قسرياً إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة وهي الفقر والخوف من التحرش والاغتصاب بشكل عام.

وأشارت سوسن الدعجة إلى قانون الأحوال الشخصية السوري الذي ساعد الأسر السورية على انتهاج هذه النهج في تزويج الفتيات، لافتةً إلى قانون الأحوال الشخصية الأردني الذي يمنع تزويج البنات قبل سن الـ 18 عام، إلا أن الفقرة الثانية من ذات المادة تسمح بتزويج الفتيات حال وصولهن سن الـ 15 عام ضمن ظروف استثنائية وبموافقة ولي الأمر مما دفع هذا الاستثناء إلى تنامي زواج الفتيات في سن دون القانوني.  

وأكدت على أن المجلس عمل على وضع الحلول من خلال تقديم ملخص لتنفيذ خطة وطنية تضم جميع الشركاء المحليين والمجتمع المدني والمجتمع الدولي للحد من زواج القاصرات، واقترح إعداد خطة تشاركية للوصول إلى تقنين التعليمات الناظمة للحد من تزويج الفتيات دون السن القانوني والعمل على رفع الوعي المجتمعي وتقديم البرامج التوعوية والعلاجية للأسر التي من الممكن أن تلجأ إلى تزويج بناتها في سن مبكرة.

وقالت سوسن الدعجة أنه بعد إنهاء الخطة تم تسليمها للمجلس الوطني لشؤون الأسرة كونه يمتلك الفريق الوطني المتخصص بالحماية من العنف الأسري لمتابعتها، وتقييمها.

وعن دور المجلس في منح صحة الشباب والمراهقين أولوية، قالت سوسن الدعجة أن المجلس أجرى سلسلة من الدراسات والاستطلاعات حول مفاهيم الصحة الجنسية والإنجابية للأعمار ما بين 10-19 سنة نظراً لعدم توفرها في البيانات الرسمية، لافتةً إلى أن هذه الفئة تعاني من أمراض جنسية وبحاجة إلى معلومات وخدمات صحية وتوعوية مستمرة.

وبينت أن ملخصات التقارير كشفت أسباب تزايد حالات العقم لدى الرجال بسبب الأمراض الجنسية التي يصاب بها المراهقين ويصعب اكتشافها في سن مبكرة نتيجة العادات والتقاليد وثقافة العيب، وعدم توجيهيهم إلى المراكز الصحية في الوقت المناسب لتلقي الخدمات الصحية.

وكشفت أنه بعد إجراء سلسلة من الاستطلاعات تبين انعدام التوعية للشباب لمثل هذه الظروف الصحية لتشخيصها وعلاجها في وقت مبكر، لذلك تم إطلاق وثيقة معايير وطنية للانتقال من مراكز صحية عامة إلى مراكز صحية صديقة للشباب تهتم بقضايا الصحة الجنسية.

وتتناول وثيقة المعايير بحسب سوسن الدعجة عدد من الحزم تتمثل بالخدمات الطبية والبنية التحتية وآلية كسب ثقة المراجعين من الأهالي والشباب وقياس مدى توفر الأدوات الطبية وآليات التحويل والتشخيص وكفاءة الكوادر الطبية المؤهلة التي يجب احتوائها داخل المراكز الصحية.

وقالت "أنه تم تطبيق هذه المعايير في خمسة من المراكز المنتشرة في الأردن باعتبارها مراكز صديقة للصحة الانجابية والجنسية عبر توفير كوادر صحية مؤهلة للانتقال من الفكرة إلى تفعيل مراكز صديقة للشباب واليافعين لتكون ثقافة عامة بين الجنسين".

وحول مهام المجلس أشارت إلى أبرز القضايا التي تركز عليها أنشطة المجلس والمتمثلة بالديموغرافيا السكانية باعتبارها المرجعية الوطنية للمعلومات وبيانات السكان والتنمية وكونها مسؤولة عن رسم السياسات والاستراتيجيات الخاصة بهذه القضايا.  

وقالت سوسن الدعجة "يركز المجلس على الاستراتيجية الوطنية للسكان للأعوام العشرة القادمة ٢٠٢٠-٢٠٣٠، والاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية والجنسية لذات الفترة، كما يهتم بوثيقة سياسات وطنية عامة، التي يوليها المجلس اهتمام خاص، ومن ضمنها قضية الصحة الإنجابية والجنسية نظراً لإقبال الأردن على تحول ديموغرافي والذي بينته التقديرات والاسقاطات السكانية التي توضح وصول الأردن في عام ٢٠٤٠، إلى ذروة الفرصة السكانية والتي تعني بأن أكبر عدد من السكان سيكونون في سن العمل وتتراوح أعمارهم ما بين ١٥-٦٤ عام".

وأشارت سوسن الدعجة إلى التقديرات السكانية التي تفيد بأن ٦٠% من السكان في الأردن سيكونون قادرين على العمل، ومن الممكن أن يعيل الجزء الأخر من السكان وهم كبار السن والأطفال.

وأوضحت أن جميع هذه المعطيات تعطي مؤشراً نحو التحول الديموغرافي الإيجابي مرجحة السبب بانخفاض نسب الإعالة وهو ما تضمنته وثيقة الفرصة السكانية التي تبدأ من رسم السياسات الصحية وصولاً إلى خفض معدلات الإنجاب وخفض حجم الأسرة في السنوات العشر المقبلة.

وبحسب سوسن الدعجة فأن السياسات الصحية ترفق مع السياسات الاقتصادية وذلك لمنح أكبر عدد ممكن من السكان للحصول على فرص العمل، سواء أكانوا في سوق العمل المنظم أو غير المنظم، والعمل على تقديم الحماية الاجتماعية من خلال تقديم مظلة شاملة، مثل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وتوفير التامين الصحي المناسب، والعمل على تعزيز السياسات الاجتماعية للاستفادة من الفرصة السكانية، والعمل على تخفيض نسب الزيادة السكانية في السنوات العشر المقبلة التي تتطلب العمل للوصول إلى معدلات إنجاب منخفضة.

وأوضحت سوسن الدعجة أن المجلس عمل على تنفيذ عدد من الخطط والاستراتيجيات، منها الخطة الوطنية لتنظيم الأسرة التي بدأها عام 2003، بالإضافة إلى الخطط التي تركز على قضية الأسرة لخفض معدلات الإنجاب في الأردن لتحقيق الفرصة السكانية.

وحول ما أطلق مؤخراً حول الاستراتيجية الوطنية في نهاية العام الماضي، أوضحت سوسن الدعجة بأن المجلس بدأ بدراسة صحة الشباب والمراهقين وصحة الأم والطفل والأمومة الأمنة وتنظيم الأسرة وقضاياها والأمراض المنقولة جنسياً وأمراض السرطان والجهاز التناسلي والتركيز على القضايا المبنية على النوع الاجتماعي والعنف الاسري، بالإضافة إلى الوقوف على قضايا العقم والإجهاض التي تعتبر من القضايا الأساسية التي تشغل اهتمام المجتمع المحلي.

ومن المبادرات التي شملتها الاستراتيجية، قالت "أن المبادرات غطت جميع الفئات العمرية وأخذت بنصب عينها جميع المراحل العمرية في سبيل تحقيق الرفاه للشعب الأردني".

ولفتت الانتباه إلى عدم قدرة المجلس على مناقشة القضايا الجنسية لاعتبارات اجتماعية تتمثل بالعادات والتقاليد إضافة إلى الوازع الديني، مبينةً بأن المجلس يحرص على رعاية وخدمة الأردنيين وجميع المقيمين على أراضيه وبالتالي يجب أن يحترم تلك الأسس ولا يخرج عن نهجها بل يعمل على تصويب الجوانب السلبية منها ضمن أطر علمية تتناسب وحاجة المجتمع.

وأوضحت سوسن الدعجة أن تداول مصطلح الصحة الإنجابية والجنسية في الأردن كعنوان صريح لمس تخوفاً من قبل الشركاء الداعمين والمؤسسات الإعلامية في نشراتها التوعوية، بيد أن التشاركية في العمل وحدت آلية استخدام المفهوم ضمن أساليب ريادية علمية لا تمس الحياء العام.

وأشارت مديرة البرامج في المجلس الأعلى للسكان الدكتورة سوسن الدعجة في ختام حديثها إلى أن هنالك العديد من الإعلاميين ينفذون برامجاً ومواداً إعلامية معنية بنشر مفهوم الصحة الجنسية والانجابية بما يتناسب مع متطلبات المجتمع المحلي وعاداته وتقاليده.