شاهدة على جرائم الإبادة في غزة تروي معاناة شقيقتها
خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة قتل الآلاف من الأطفال والنساء بطرق وحشية وذلك ضمن نهج إبادة منظم، وسط عجز مطبق من قبل المؤسسات الدولية والنسوية في إيقاف تلك الجرائم.
رفيف اسليم
غزة ـ تتفاقم معاناة النساء في قطاع غزة خلال المداهمات العسكرية المفاجئة، لتزداد حدة الضغوطات النفسية وعبء التحديات اليومية الملقاة على عاتقهن.
روند أبو ناجي تقطن في شارع عيدية وهو حي سكني لا يفصله جغرافياً عن مستشفى الشفاء الطبي سوى عدة أمتار، لذلك كانت الفتاة العشرينية شاهدة على الاجتياح الأول والثاني للمشفى، ونقلت تلك التجربة بتفاصيلها لشقيقتها الصغرى على أمل أن ترى معاناتها النور.
خلال الاجتياح الأول لمجمع الشفاء الطبي أوضحت رهف أبو ناجي، أن شقيقتها تحاصرت عدة ساعات في منزلها، لكنها تمكنت من الفرار عبر شارع فرعي لم تكن القوات الإسرائيلية قد سيطرت عليه، وتسبب ذلك النزوح بجراح أصابتها هي وزوجها وأطفالها مما استدعى تقديم الرعاية الطبية لهم ومكوثها بمنزل عائلتها لأسابيع متواصلة.
لم يكن الفرار سهلاً بحسب رهف أبو ناجي، ففوهة بنادق القناصة والطائرات المسيرة وقصف الدبابة والطائرات والمدفعية أغرق المكان بأطنان من النيران استطاعت الفقيدة وحدها اجتيازها، بعد توقف المؤسسات الدولية عن العمل لإجلاء المدنيين من مناطق النزاع الخطرة أو تمكن سيارة اسعاف من عبور خط النار، لأن كل من يحاول الاقتراب من منطقة العمليات العسكرية يقتل حتى ولو كانت مدني نازح حامل للراية البيضاء.
بعد ما يقارب الشهر عادت الحياة لمجمع الشفاء الطبي وأصبح موطن نزوح لآلاف العائلات من جديد فاقترح زوج شقيقتها العودة لمنزلهم، بل واستضاف عدد من النازحين لديهم، وبقي الهدوء سيد الموقف عدة أشهر أخرى إلى أن قررت القوات الإسرائيلية فجر أحد أيام شهر آذار باجتياح المجمع مرة أخرى، لكن هذه المرة قرروا أن لا أحد سيخرج ومن سيحاول الفرار سيقتل إما برصاصة أو قذيفة أو ربما صاروخ.
تروي رهف أبو ناجي، أنه منذ سماعها للخبر سارعت إلى الهاتف كي تحدث شقيقتها لكنها لم تطمئن، فالفقيدة أخبرتها أنها تعايش أهوال يوم القيامة وتتمنى أن تتخلص من بشاعة تلك المجازر، فأصوات النساء تصرخ من كل مكان طالبات النجدة لإخراجهن من المشفى بعدما تم الاعتداء عليهن من قبل الجنود، وفي الجهة الأخرى عائلة تتوسل لإخراجها من تحت ركام منزلها وقناصة تستهدف الفارين من دائرة الموت، هذا المشهد هو ما وصفته روند أبو ناجي، قبل مقتلها إضافة إلى جملة الإعدامات الجماعية التي شاهدتها في ساحة المجمع والتي لم تستثني أحد نساء أطفال شيوخ، طوال اليوم الأول للاقتحام إضافة إلى استهداف المنازل المجاورة للمشفى بالطيران وحرق البنايات المجاورة وأصحابها بداخلها أحياء، لتكمل بذلك لوحة واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في مدينة غزة.
وأوضحت أنه في اليوم التالي حاولت شقيقتها النزوح لمنطقة أكثر أمناً لكنها ما أن أزاحت الستار حتى رأت الجندي يقنصها من البيت المجاور لها، فعادت مرة أخرى وحاولت النزول برفقة أطفالها والنساء النازحات لديها وقريباتها، حاملة راية بيضاء تدل على أنها مدنية ولا تشكل أي خطر لتقابلها قذيفة دبابة نجت منها بأعجوبة، فعادت مرة أخرى للبيت.
وأضافت "مع دخول اليوم العاشر شقيقتها أخبرتها أنه لم يعد لديهم مياه صالحة للشرب وما تبقى من طعام لا يكفيهم سوى للغد وكان الحصار في كل يوم يشتد عليهم أكثر فأكثر، خاصة مع صرخات صغارها محمود وكندة ومطالبتهم المستمرة لوالدتهم بإعداد شيء يأكلونه فاستجابت لهم محاولة إعداد طبق حلوى بما تبقى من المؤن الغذائية المتوافرة في المنزل ودخلت إلى ممر البيت كي تطهوه، في تلك الأثناء شعرت القوات المتمركزة بحركة في المنزل فأمرت بنسف مربعها السكني بأكمله ومات الصغار وأمهم جوعى ببرميل متفجر، ألقي عليهم لأنهم أرادوا إعداد ما يسد جوعهم وبقيت جثة الأم تحت ركام المنزل فيما طارت جثة الطفلين المنتفخة للأراضي المجاورة بسبب شدة الانفجار.
في اليوم الـ 27 من شهر آذار حينما كانت رهف أبو ناجي، نائمة استيقظت على أكبر فاجعة تلقتها في حياتها خبر موت شقيقتها وأطفالها فظنت أنه مزحة من أحدهم محاولة الاتصال عليها مراراً لكن دون جدوى، وعندما تواصلت مع إحدى الجارات أكدت لها ذلك، ولم تستطع حتى تقبل أن شقيقتها قد غادرت الحياة بنيران الصواريخ الإسرائيلية دون أن تودعها.