رغم العراقيل... المغربيات يكسرن الصورة النمطية في مجال العلوم ويفرضن وجودهن وتميزهن

يحتفل المغرب كباقي دول العالم، باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم الذي يصادف الحادي عشر من شباط/فبراير من كل عام

حنان حارت
المغرب ـ ، فهو فرصة لإبراز اسهامات المرأة المغربية في مختلف مجالات العلوم، واستحضار مساهمتها لتعزيز مكانتها ودورها الفاعل في هذا الميدان.
استطاعت المرأة المغربية أن تكسر الصورة النمطية في مجال العلوم، حيث فرضت وجودها بشكل قوي في هذه الميادين التي كانت إلى وقت قريب حكراً على الرجال، رغم بعض الصعوبات التي تواجهها.
ومن بين النساء المغربيات اللاتي بصمن على حضور لافت في هذا المجال الدكتورة فاطمة رومات أستاذة العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال - الرباط، ورئيسة المعهد الدولي للبحث العلمي بمراكش، وعضو مجموعة الخبراء الذين تم تعيينهم من قبل اليونسكو لإنجاز التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، حيث تمكنت من بلوغ مكانة بارزة في تصنيف النساء الباحثات، ومن تسجيل اسمها في مجال الذكاء الاصطناعي. 
وترى فاطمة رومات أن حضور النساء في مجال العلوم بالمغرب يشهد ارتفاعاً، حيث تصل نسبة النساء الحاصلات على الشهادات العليا في مجال تكنولوجيا المعلومات والتواصل إلى 41.3% بحسب تقرير اليونسكو حول العلوم لعام 2018.
وأوضحت "بالإضافة إلى الحضور الكمي هناك أيضاً حضور نوعي مهم يتجلى في اقتحام الخبيرات المغربيات لملتقيات عالمية للبحث العلمي لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يتسم بمشاركة متميزة للمرأة المغربية إن كان على مستوى الاختراعات التي حازت على جوائز دولية أو على مستوى الأبحاث العلمية التي ساهمت في التقدم الملحوظ للجامعة المغربية في الترتيبات الجامعية.
وأشارت إلى أن البحث العلمي في المغرب لا يحظى بالأهمية التي من المفروض أن يحظى بها لكي تكون الدولة قادرة على رفع التحديات الداخلية المندرجة في إطار تحقيق التنمية المستدامة ولا التحديات الخارجية المتمثلة في النظام العالمي الجديد الذي انطلق مع بداية الجائحة والانتقال إلى عصر الذكاء الاصطناعي، وهذا الأمر يتجلى بداية من خلال الميزانية المخصصة للبحث العلمي والتي لا تتجاوز نسبة 0.8% من الناتج الداخلي الخام، في حين أن الدول المتقدمة تخصص أكثر من 3% من ناتجها الداخلي، فيما الدول الصاعدة تخصص 1% على الأقل للبحث العلمي.
وعن العقبات التي تقف أمام النساء وتحد من طموحاتهن في مجال البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، تقول أنه على المستوى المؤسساتي، هناك فقط خمسة معاهد للبحث العلمي ومركز واحد للبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرةً إلى أن خريجات علوم الهندسة الحاصلات على الدكتوراه لا يتجاوزن 87 من مجموع 6040 بحسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في حين أن مختبرات البحث العلمي التابعة للمؤسسات الجامعية لا تتوفر على التجهيزات الضرورية؛ وبالتالي تعمل الباحثات في المجال بإمكانياتهن الخاصة ومن بيوتهن وباستخدام حواسيبهن التي تم اقتناؤها عادة بالتقسيط نظراً للأجر الزهيد الذي يتقاضاه الباحثين/ات والذي لم يعرف أية زيادة منذ أكثر من عشرين سنة، هذا دون الحديث عن الضريبة على البحث العلمي".
ولفتت إلى أن تهميش البحث العلمي الذي يظهر جلياً من خلال شبكة تقييم أنشطة الأساتذة الجامعيين من بين العقبات التي تواجه النساء اللواتي يرغبن بالانخراط في مجال البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، مشيرةً إلى أن البحث العلمي يأتي في المرتبة ما قبل الأخيرة بعد التدريس والتأطير والمشاركة في التدبير الإداري للمؤسسات الجامعية من خلال الهياكل الجامعية ومختلف اللجان مما يجعل العديد من الأساتذة ينخرطون بشكل أكبر في هذه المهام بدل أنشطة البحث العلمي، منوهةً إلى أن النساء تجدن صعوبة في المشاركة بتدبير المؤسسات الجامعية بسبب التمييز المبني على النوع الاجتماعي وهذا ما يفسر توجه النساء إلى البحث العلمي.
وأوضحت أن كل هذه المشاكل التي يتخبط فيها البحث العلمي، يوجد أيضاً التمييز المبني على النوع الاجتماعي سواء في الترقيات أو الوصول إلى مناصب القرار الجامعية أو حتى المشاركة في تدبير الهياكل الجامعية أو الإشراف على تنسيق ماجستيرات أو تكوينات معينة بالمؤسسات، كل هذه المهام تبقى محتكرة من قبل الرجال في الجامعات، لافتةً إلى أن هذا الوضع يجعل كل أستاذة باحثة مرشحة للهجرة، وسيظل نزيف هجرة الأدمغة مستمر، في الوقت الذي تحاول فيه الدولة استقطاب خبراء في الذكاء الاصطناعي من الخارج.
وحول ما إذا كان هناك فجوة كبيرة بين الجنسين في مجال العلوم، تقول أن النسب متقاربة بين الجنسين في الإجازة والماجستير، حيث أصبح يلاحظ تفوقاً أكثر للفتيات في مجال العلوم من البكلوريا إلى الماجستير، وأشارت إلى أن نسبة النساء تقل بكثير في مرحلة الدكتوراه وعند الولوج للمناصب الجامعية بدءاً من منصب أستاذ التعليم المساعد إلى باقي المناصب العليا مثل رئاسة الجامعات أو المؤسسات الجامعية وذلك راجع لعدم العمل بمبدأ المناصفة الذي ينص عليه الفصل 19 من الدستور المغربي.
وعن الحلول والمقترحات التي تراها قادرة على تمكين النساء في مجال العلوم والذكاء الاصطناعي، تشير إلى أنه في البداية يجب وضع الآليات اللازمة لمناهضة التمييز المبني على النوع الاجتماعي داخل الجامعات المغربية والمختبرات العلمية ومراكز البحث العلمي، ثم جعل البحث العلمي في مجال العلوم والذكاء الاصطناعي أولوية مع ضرورة الرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي عامةً وللبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل خاص.
ولفتت إلى إنه بالرجوع إلى قانون المالية لعام 2022 وإلى غياب البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي في الاستراتيجية التي وضعتها الوزارة الوصية على القطاع في أفق عام 2030، وأيضاً على مستوى النموذج التنموي، لا يمكن توقع تغيير كبير في المستقبل، لكن يبقى البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي ضرورة لا اختيار، مشددة على ضرورة فرضها التحديات الداخلية والإقليمية والعالمية لاسيما مع الانتقال إلى عصر الذكاء الاصطناعي الذي فرضته الجائحة.
وتأمل أن تتنبه الوزارة الوصية على القطاع في المغرب إلى كل هذه التحديات وتضع استراتيجية جديدة في أفق 2060 يكون الذكاء الاصطناعي هدفاً أساسياً لها، على اعتبار أن هناك تغيرات كثيرة بدأت تعرفها سوق العمل الوطنية والدولية ويجب أن تكون الموارد البشرية التي تتلقى تكويناً في الجامعات المغربية حالياً أو تلك التي ستلج هذه الجامعات مستقبلاً قادرة على ولوج هذه السوق.
ومن أجل مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي والانخراط الفعال في المجهود العالمي للبحث العلمي في هذا المجال، أشارت إلى أن الأمر يتطلب إعادة النظر في التشريعات والسياسات العمومية ذات الصلة.