قوات حفظة السلام... لمواجهة النزاعات والحروب
تكريماً لأكثر من 3900 من النساء والرجال ممن فقدوا أرواحهم أثناء خدمتهم تحت راية الأمم المتحدة منذ عام 1948، تحتفل الأمم المتحدة اليوم بالذكرى الثالثة والسبعين لقوات حفظة السلام
مركز الأخبار ـ ، الأداة الفريدة من نوعها المتسمة بديناميكيتها، والتي طورت لمساعدة البلدان الممزقة بسبب الصراعات، على بناء الظروف المواتية للسلام والأمن الدوليين.
تشير الأمم المتحدة في قراراتها المتعلقة بالأيام الدولية إلى قضايا عالمية ذات اهتمام مشترك بالنسبة للدول الأعضاء، وللبشرية ككل، كونها مُمثلة من معظم الدول في العالم، ومن الأمثلة على ذلك قرارها رقم 125/57 الصادر في شباط/فبراير عام 2002، الذي أقر أن 29 أيار/مايو يوماً عالمياً لحفظة السلام، للإشادة بمساهمات الأفراد العسكريين والمدنيين التابعين للأمم المتحدة الداعمين لاتفاقيات السلام المبرمة بين الأطراف المتنازعة، وكذلك العاملين على احتواء الصراعات في المناطق الساخنة ومناطق الحرب في جميع أنحاء العالم.
في مثل هذا اليوم من عام 1948، أُنشئت أول بعثة لحفظة السلام تابعة للأمم المتحدة، وهي "بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة"، عندما سمح مجلس الأمن الدولي بنشر مراقبين عسكريين تابعين للمنظمة في منطقة الشرق الأوسط، لمراقبة تنفيذ الهدنة بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، التي لا تزال تعمل حتى الآن.
ومنذ انطلاق أول بعثة لحفظة السلام، وحتى الآن قضى أكثر من 3900 من أفراد الجيش والشرطة والموظفين المدنيين نحبهم في خدمة قضايا السلام، نتيجة لأعمال العنف والحوادث والمرض، وانضمام ما يزيد عن مليون رجل وامرأة عملوا كحفظة للسلام تابعين للأمم المتحدة.
وخلال الفترة الممتدة منذ عام 1948 حتى الآن أُنشئ ما مجموعه 71 عملية حفظة سلام، وخدم ما يزيد عن 95000 من الأفراد العسكريين وأفراد الشرطة والأفراد المدنيين تحت راية الأمم المتحدة بوصفهم حفظة سلام.
وفي 29 أيار/مايو من كل عام تحتفي جمعية الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، بمشاركة الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية، بذكرى من لقوا حتفهم من حفظة السلام، باختيار موضوع معين يختلف من عام لآخر، فقد اتخذوا عنوان "حماية المدنيين وحفظ السلام" لموضوع عام 2019، احتفالاً منها بمرور 20 عاماً منذ أن كلف مجلس الأمن لأول مرة إحدى بعثات حفظة السلام لحماية المدنيين في سيراليون.
وفي عام 2020 صادفت الذكرى السنوية العشرين لاعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، الذي يقضي بمشاركة المرأة في عمليات صنع القرار والعمليات السلمية، والأخذ بدمج النوع الاجتماعي في التدريب وحفظ السلم، وكان عنوانه "المرأة في حفظ السلام هي مفتاح السلام" للاحتفال بهذا اليوم.
وفي كل عام يتم منح ميدالية داغ همرشولد (التي سميت نسبة إلى الأمين العام الثاني للأمم المتحدة داغ همرشولد، الذي توفي في حادث تحطم طائرة عام 1961، في الكونغو أثناء محاولاته للتوسط في اتفاق سلام لإنهاء الصراع في ذلك البلد)؛ تكريماً لمن فقدوا حياتهم تحت علم الأمم المتحدة من قوات حفظة السلام أثناء خدمتهم لقضايا السلام.
طبيعة قوات حفظة السلام وأشكال المهام التي تقوم بها
قوات حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة، هي قوات يتكون أفرادها من مدنيين وجنود وشرطة وضباط عسكريين، يسعون للسلام ومساعدة البلدان الواقعة تحت نيران الصراعات والحروب، يتميزون بقبعاتهم الزرقاء، نسبة إلى علم الأمم المتحدة، وهذه القوات عالمية لا بلد لها، ينتمي أفرادها لبلدان عديدة من العالم.
بعد أن انتهت الحرب الباردة في عام 1991، كانت هناك زيادة سريعة في أعداد عمليات حفظة السلام، فقد سمح مجلس الأمن بتنفيذ إجمالي 20 عملية جديدة بين عامي (1989 ـ 1994)، ما تسبب في زيادة أعداد الأفراد في قوات حفظة السلام من 11 ألف إلى 75 ألف شخصاً.
ولا تلجأ قوات حفظة السلام للقوة وفقاً للمفهوم التقليدي للأمم المتحدة، فأفرادها لا يحملون أسلحة ثقيلة وأن اضطروا لحملها فقد يحملون أسلحة خفيفة، ولا يمكنهم استخدام القوة إلا دفاعاً عن أنفسهم، لكن في السنوات الأخيرة دفعت الحاجة الأمم المتحدة لتعزيز قواتها من الناحية الكمية والنوعية.
وكانت أول بعثة مسلحة لحفظة السلام هي قوة الطوارئ الأولى للأمم المتحدة، التي انتشرت بنجاح عام 1956 لمعالجة أزمة السويس، وهي حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956.
ومن مهام قوات حفظة السلام العمل على تنفيذ اتفاقيات السلام، وتعزيز الديمقراطية، ونشر الأمن والاستقرار، وتعزيز سيادة القانون، ودفع عجلة التنمية والعمل على تحقيق حقوق الإنسان.
ونشر مجلس الأمن العديد من قوات حفظة السلام في الكثير من الدول التي تعيش حالة من النزاعات والحروب منها الصومال ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك ليبيريا وسيراليون وكوسوفو وهاييتي تيمور وغيرها من دول العالم.
ويعد اليوم الدولي لحفظة السلام فرصة لتعزيز الروابط بين السكان المحليين وأفراد بعثات حفظة السلام الذين تم نشرهم، من خلال عقد المنافسات الرياضية ومسابقات كتابة المقالات ومعارض الصور الفوتوغرافية والفعاليات الفنية، وزيارة المدارس ودور رعاية الأيتام، والمساعدة في تنظيف الأحياء السكنية وغرس الأشجار، وإقامة الحفلات الموسيقية والمؤتمرات وورش العمل المتعلقة بقضايا السلام وغيرها من الفعاليات.
كما أن هذه القوات تنظم وتدير منظمات حفظة السلام في المناطق المتنازعة، بالإضافة للمساعدات التي تقدمها في كثير من البلدان النامية مثل قياس طول المباني، والمساعدات المدنية، والدعم للخدمات الكهربية، وتعزيز القوة القضائية.
دور المرأة في بناء السلام وحلّ النزاعات
لم تقتصر قوات حفظة السلام على الرجال فقط، بل تضم أيضاً العنصر النسوي، فالنساء من حفظة السلام لهن القدرة في الوصول بشكل أفضل إلى السكان، بما في ذلك النساء والأطفال، عن طريق إجراء مقابلات مع الناجيات من العنف القائم على الجنس والعنف ضد الأطفال، مما يولد معلومات حاسمة كان من الصعب الوصول إليها لولاهن.
كما أنهن عناصر تمكين أساسية لبناء أواصر الثقة والأمان مع المجتمعات المحلية، والمساعدة على تحسين إمكانية النساء المحليات ودعمهن، وذلك من خلال التفاعل معهن في المجتمعات التي يحظر فيها عليهن التحدث إلى الرجال.
ويساعد التنوع في حفظة السلام على معالجة الأثار السلبية للصراع على سبل العيش التي تقصدها المرأة، وجلب منظورات وحلول جديدة إلى طاولة المفاوضات من خلال التصدي بفعالية لاحتياجات المرأة في حالات الصراع وما بعد الصراع، بما في ذلك احتياجات النساء المقاتلات السابقات أثناء عملية التسريح وإعادة الإدماج في الحياة المدنية.
وتعمل حفظة السلام من النساء كمرشدات يوفرن نماذج تحتذي بها النساء والفتيات في بيئات ما بعد الصراع في المجتمع المضيف، ومثال لهن على الدفاع عن حقوقهن والعمل في مهن غير تقليدية.
وتميل المجتمعات المحلية إلى قبول مهام حفظة السلام التي تشمل النساء بشكل أفضل، الذي من شأنه أن يقلل من حالات الاستغلال والاعتداء الجنسي وأن يشجع الإبلاغ عن أي حالة سوء معاملة قد تحدث، لأنه غالباً ينظر إلى حفظة السلام من النساء على أنهن أقل تهديد، والوصول إليهن أكثر سهولة من نظرائهن الذكور.
تقع مسؤولية نشر النساء في الشرطة والجيش على عاتق الدول الأعضاء في الجمعية، كما أطلقت شعبة الشرطة التابعة للأمم المتحدة عام 2009 مبادرة "الجهد العالمي"، لتوظيف المزيد من ضابطات الشرطة في دوائر الشرطة الوطنية وفي عمليات شرطة الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم.
وترى مبادرة العمل من أجل حفظة السلام (A4P) التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عام 2018، أن جدول أعمال المرأة والسلام والأمن أمر بالغ الأهمية، لتعزيز أداء عمليات حفظة السلام من خلال دعم المشاركة الكاملة للمرأة في عملياتها، وجعلها أكثر استجابة للاعتبارات الجنسانية، وذلك من خلال زيادة عدد النساء المدنيات والنظاميات في حفظة السلام على جميع المستويات وفي أعلى الأدوار العسكرية في عمليات الأمم المتحدة للسلام.
وقد وقعت 152 دولة من الدول الأعضاء على مبادرة العمل من أجل حفظة السلام (A4P)، وقد تقدم عدد منها لمناصرة تنفيذ التزام المبادرة من أجل المرأة والسلام والأمن، منها بنغلاديش وكندا وفنلندا وألمانيا وإيرلندا وإيطاليا والنرويج وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة.
أطلقت الأمم المتحدة في نيسان/أبريل الماضي مبادرة "إلسي للمرأة في عمليات السلام"، والتي تعد صندوقاً استئماني متعدد الشركاء، بغية دعم وتشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لزيادة عدد النساء المدرجات في قوات الشرطة والخدمة العسكرية في عمليات حفظة السلام المنتشرة في عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة.
إحصائيات ضئيلة
وعلى الرغم من ذلك، تشهد أعداد النساء المجندات ارتفاعاً طفيفاً للغاية، ففي عام 1993 كانت النساء يشكلن 1% من الأفراد النظاميين المنتشرين، وبحلول عام 2019 ومن بين ما يقارب 95000 من حفظة السلام، شكلت النساء نسبة 4.7% من الأفراد العسكريين و10.8% من أفراد الشرطة في بعثات الأمم المتحدة لحفظة السلام.
وتهدف الأمم المتحدة بحلول عام 2028 إلى مضاعفة أعداد النساء في عمليات حفظة السلام، لتبلغ نسبتهن في الوحدات العسكرية 15%، و25% للمراقبين العسكريين وضباط الأركان، كما دعت إلى زيادة مجال عمل المرأة ومساهمتها في عملياتها، بما في ذلك قوات حفظ السلام النظامية، من خلال قرار مجلس الأمن 1225 والقرارات ذات الصلة اللاحقة به، فضلاً عن إعلان الالتزامات المشتركة بشأن عمليات حفظ السلام.
من المسؤول عن قوات حفظة السلام؟
أعطى ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن التابع لها، الصلاحية المطلقة لاستجماع أي قوة للمحافظة على السلام والأمن، ولهذا يرى المجتمع الدولي مجلس الأمن كقوة فعالة في حفظة السلام في المناطق المتوترة.
أما بالنسبة للأمم المتحدة فهي ليست المنظمة الوحيدة التي تعنى بحفظة السلام، ففي بعض المرات استخدمت منظمات غير تابعة للأمم المتحدة للمراقبة، كقوات المراقبة المتعددة الجنسيات في شبه جزيرة سيناء والناتو في كوسوفو.
ووفقا لميثاق الأمم المتحدة لا يمكن للجمعية العامة أن تقدم توصيات بشأن المبادئ العامة للتعاون في حفظة السلام والأمن الدوليين، بما في ذلك نزع السلاح، والتسوية السلمية في أي وضع قد يعكر صفو العلاقات الودية بين الدول. ويمكن للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة تتعلق بالسلم والأمن الدوليين، وتقديم توصيات، إذا لم يتم مناقشة هذه القضية من قبل مجلس الأمن.
حفظة السلام ودورهم في ظل جائحة كورونا
خلال العامين الماضيين، كبرت التحديات والتهديدات التي تواجهها قوات حفظة السلام، فهم كغيرهم من الناس في جميع أرجاء العالم، مضطرون إلى التصدي لجائحة كورونا، ومساعدة الحكومات والمجتمعات المحلية في التصدي للجائحة، وتكثيف أنشطتها لحماية المجتمعات المحلية الضعيفة.
كما تدعم بعثات الأمم المتحدة السلطات الوطنية المضيفة في استجابتها لفيروس كورونا، من خلال أنشطة لبناء القدرات وخدمات محلية ولوجستية، وتوزيع المعدات الطبية من بين مبادرات أخرى، وتستخدم البعثات الإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي لتوفير معلومات واقعية حول فايروس كورونا، ومواجهة التضليل في المعلومات حول الوباء.
حيث عملت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان مع الشركاء العاملين في المجال الإنساني، لتثقيف العائلات حول كيفية الوقاية، وتدعم البعثة حملات التوعية التي تقوم بها الحكومة ومنظمة الصحة العالمية من خلال البث على الإذاعات المسموعة، وتوزيع آلاف البطاقات التوعوية لشرح أعراض فيروس كورونا وطرق الوقاية منه.
كما أقامت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، محطة لغسل اليدين في منطقة أنسونغو في غاو، كما تستخدم قوات حفظة السلام التابعة لها الدوريات لتعليم الناس طرق الوقاية من فيروس كورونا.
وتعمل النساء في قوات حفظة السلام في الخطوط الأمامية لمعركة التصدي لجائحة كورونا، ويشكلن جزءاً لا يتجزأ من الاستجابة لجائحة كورونا، في إطار القيود الحالية مع اتخاذ جميع التدابير الاحترازية.