قُتلت وهي ترسم مشهد وداعها الأخير لبحر غزة

فقدت مدينة غزة في الآونة الأخيرة العديد من الفنانات الجميلات كفرانس السالمي، وفي كل مرة يحدث ذلك تزداد المدينة المنكوبة قتامة، وقهر، وظلم، ووجع.

رفيف اسليم

غزة ـ قُتلت الفنانة التشكيلية فرانس ـ آمنة السالمي، في غارة شنتها القوات الإسرائيلية على مقهى "الباقة"، خلال رسمها لفتاة قد اضجر كفنها بلون دمائها الأحمر، وهي لا تدري أنها ترسم نهايتها التي كانت على شاطئ بحر غزة، في يوم 30 حزيران/يونيو الماضي، تاركة عائلتها، وأصدقائها، وأعمالها التي لم تكتمل بعد.

قالت صديقة فرانس السالمي، فنانة الرسم الرقمي وميسرة الفنون التعبيرية آلاء الجعبري، إن فرانس السالمي كانت فتاة محبوبة بين جميع الأصدقاء، وعاشقة لبحر مدينة غزة، فتنجز غالبية أعمالها الفنية وهي جالسة تنقل نظراتها ما بين اللوحة وأمواج البحر، لافتة إلى أنها كانت تعتبر غرفتها مملكتها الخاصة فدوماً ما ترسم على الحائط أو تغير ألوانها، كونها عندما تغلق بابها تجد نفسها في مساحة أمان خاصة بها.

كانت فرانس السالمي، تفضل النحت على الجدران والكثير من الأماكن السياحية والأثرية في قطاع غزة ما تزال شاهدة على فنها حتى اليوم، وأضافت آلاء الجعبري أن رسم الكرتون، والجداريات، والشخصيات، كلها من أنواع الفنون المفضلة لديها، إضافة للعديد من الأعمال الأخرى كونها لم تكن تقيد نفسها في موضوع معين، بل كانت تبدع بأقل الإمكانيات وبوقت قياسي مقارنة بالكثير من فنانات جيلها.

في الوقت ذاته لم تكن أجواء الشهرة تستهوي فرانس السمالي، فتلفت آلاء الجعبري، إلى أنها دوماً ما كانت تنبهر بأعمال صديقتها عندما تمسك هاتفها أو ترى توقيعها على عمل فني في مكان ما، كونها لا تشارك تلك الأعمال على صفحتها عبر مواقع التواصل الافتراضي، إلا أنها لاحقاً اقتنعت بنشر بعض تلك الأعمال.

ومن الأعمال التي أنتجتها فرانس السالمي، وأحدثت تأثير في الشارع الغزي هي لوحات الكانفس وتركيب الشخصيات، خاصة إذا ما كان شخص متوفي مع آخر حي بوضعيات ومخرجات نهائية من المستحيل التصديق بأنها غير حقيقة، بل تشعر وكأن الشخصان التقطا الصورة للتو، كما كان لجدارياتها من ألوان الأكريليك البسيطة صدى واسع والعديد من إشارات الاستفهام حول كيف استطاعت تنفيذ العمل بتلك الأنواع من الألوان وبذلك الاتقان.

وقد تركت فرانس السالمي العديد من الأعمال التي لم تكمل، كانت تعمل على مشروع فني، إبداعي، تخيلي، مع الصحفي الراحل الذي قتل معها بالغارة ذاتها إسماعيل أبو حطب، وكانا قد شاركا بعض تلك الأعمال عبر مواقع التواصل الافتراضي، لكن لم تكشف عن فكرة المشروع كاملة، أو ماهية تلك الأعمال الفنية.

وأوضحت آلاء الجعبري، أن فرانس السالمي، في آخر وداع لأحد أصدقائهم الفنانين كانت جامدة كقطعة الثلج، لم تبكي كعادتها، لم تصرخ، لم تبدي أي ردة فعل، وذلك الهدوء هو ما كان يقلق الجميع ويؤكد لهم بأن صديقتهم العشرينية ستكون أول الراحلين في المرحلة القادمة، لذلك حاولت آلاء الجعبري الحديث معها مطولاً ورسم ابتسامة مزيفة تعلو وجنتيها.

وما بين فرانس أو آمنة السالمي، تنهي آلاء الجعبري ذلك الجدل قائلة "أسماها والدها بآمنة تيمناً باسم جدتها، لكن عمها كان يفضل مناداتها بفرانسواز كاستيمان وهي ناشطة فرنسية توفيت في عمل فدائي عام 1984، فكان لها من اسمها نصيب، وقتلت آمنة وهي تحاول إزاحة ستار الظلم والقهر عن مدينة غزة".

وتساءلت آلاء الجعبري كيف يمكنها المضي في الأماكن ذاتها دون تلك الصديقات وأرواحهن الجميلة التي كانت تصب الجمال صباً على كل ما يحيط بهن.