قصص تجسد معاناة القاصرات بعد الزواج وناشطات يطالبن بإقرار قوانين
في مجتمع يفضل فيه الرجل الزواج بقاصر وأن كان يكبرها بـ عشرات السنين، لسهولة الإنجاب من جهة ولكونها لا تعرف تجارب الحياة لتكون مسيرة بيد الرجل وعائلته، تقوم بكل ما يطلبونه منها حتى وأن كان ذلك على حساب صحتها ونفسها، خاصة في الأسر الكبيرة حتى تكون الزوجة مسؤولة عن خدمة كل أفراد أسرة زوجها كتقليد عرفي سائد
غفران الراضي
بغداد ـ .
قصص عديدة لنساء حرمن من طفولتهن وأحلامهن، التقت بهن وكالتنا ليعبرن عما بداخلهن من حسرة.
عبرت (ن. ف) ١٧عاماً، أم لطفلين عن ذكرى زواجها بشيء من الصدمة مرت بها قبل خمس سنوات حيث لم تكن تعرف عن الزواج إلا الفستان الأبيض "العلاقة الزوجية كانت صدمة ومخيفة بالنسبة لي وكأنني انتقلت فجأة من عالم جميل إلى تفاصيل مؤلمة يكاد قلبي يؤلمني كلما أتذكر أول أيام زواجي".
وتذكر لنا (ن. ف) عن الطريقة التي تم بها زواجها "لم يسألني أحد ولم يكن لي رأي بالموافقة أو الرفض فجأة أخبروني بوجود ضيف، ويجب عليَّ أن أستقبله فذهبت فإذا به رجل أصغر من والدي بقليل، ألقيت عليه التحية وناديته بعمي فابتسم، بعدها أخبروني أنه سيكون زوجي".
وعن أحلامها تقول "كنت أتمنى أن أكمل دراستي وأصبح مهندسة، كما أنني كنت شغوفه بالرسم، إلا أن الزواج أنهى كل ذلك، أقضي يومي في الطبخ والتنظيف والاهتمام بتفاصيل المنزل، مرت ٥ سنوات على زواجي غيرت في داخلي الكثير، أشعر بأن عمري وصل الـ ٥٠ ثم بعدها أندهش بأني لم أبلغ الـ ١٨ بعد".
وتقول بحسرة "لو عاد بي الزمن بالتأكيد لكنت رفضت ووقفت بوجه أمي وأبي وقلت لا، لم أكن استوعب الموضوع وقتها. فعلى الرغم من أن زوجي يعاملني معاملة حسنة لكن هناك ألم في داخلي يشعرني بأني انتهكت من دون وعي ولم امتلك قرار في اختيار حياتي".
أما (ص. س) ٣٣ عاماً، أرملة وأم لخمسة أطفال، تزوجت بعمر ١٤ عاماً، فتجربتها مختلفة حيث تعيش فترة صعبة بعد وفاة زوجها قبل عامين عن عمر يناهز ٦٠ عاماً، لتصبح أرملة في شبابها مع ٥ أطفال بأعمار مختلفة بين الـ ١٢ و٥ سنوات، وهي مسؤولية صعبة في العراق حيث لا توجد مؤسسات ترعى الأطفال أو تتكفل بمثل هذه الحالات ويبقى الأمر متروك للمنظمات الإنسانية، خاصة أنها تعيش في سكن غير قانوني وبيئة غير صالحة بعد أن استولى أولاد زوجها من زوجته الأولى على المنزل الذي كانت تسكنه، كونها زوجة ثانية.
وعن زواجها وتفاصيل ما تعيشه تقول "تزوجت بسن مبكر بعد أن قدمني أبي لصديقه زوجة ثانية كونه متمكن مادياً فعشت حياة رفاهية نوعاً ما، إلى أن تعرض زوجي لوعكة صحية صعبة قبل أربع سنوات استمرت لعامين بعدها توفي وتغيرت حياتي كلياً، واكتشف حينها أني ضعيفة غير قادرة على إدارة حياتي ولا أملك سبيل لإعالة أطفالي".
وتقول الناشطة سرى الطائي (25) عاماً "أن زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة والمراهقة، كل سن للبنت يجب أن يعاش بصورة طبيعية بعيداً عن العقد المجتمعية واعتقد أن أسبابه ترجع إلى العادات والتقاليد وطريقة الحياة المكررة والمجتمع الشرقي".
وتضيف سرى الطائي بأن من حق المرأة أن تختار الزوج المناسب بعد أن تبلغ مرحلة الوعي "من حق أي فتاة أن تختار شريك حياتها، لأن الكلمة تفسر معناها شريك حياتها هو من سيقاسمها الحياة سفرة الطعام والسراء والضراء، ولن يشارك أهلها، بالتالي يجب أن تتحمل هي نتيجة قراراتها كأي فرد راشد وبالغ".
وعن عقدة سن الزواج في المجتمع الذي يخاف على بناته من عدم الزواج تقول سرى الطائي "يجب على المرأة أن تعمل على تطوير نفسها وزيادة ثقتها بنفسها وعملها ولا تسمح للعادات وكلام المجتمع بالتغلب عليها (فاتج القطار، لبكدج عندهم أحفاد) بالتالي عندما تكون واثقة بنفسها سيكون الزواج مسائلة ثانوية وليس أساس تتوقف عليه حياتها".
وعن حجج بعض الأهالي لتزويج بناتهم بسن مبكر تقول سرى الطائي "الكثير من الأهالي يبررون فعلتهم الشنيعة والجريمة هذه بسبب الوضع المادي، كما أنه ليس هناك أي مبرر للزواج المبكر إذا كانوا هم فشلوا في توفير مستلزماتها، ولا يحق لهم بيعها كسلعة".
وتضيف بخصوص أهمية إقرار القوانين الخاصة بحماية المرأة والطفل "قانون الزواج المبكر وزواج الإكراه يجب أن يقر كأساس وليس كتفضيل، لأن من حق أي فرد أن يعيش حياة كريمة على الأقل، فإذ لم تجد المرأة من يحميها داخل وطنها وأهلها أين ستجده؟ ومن سيتحمل مسؤولية انتحارها أو قتلها أو حتى طلاقها في سن مبكر؟ فالطلاق أمر صعب في سن مبكر لأنها ستحتاج أن تواجه مجتمع بأكمله".
وتؤكد أن هذا القانون من الممكن أن يقلل من الجرائم المرتكبة بحق المرأة لأن المرأة مخلوق عظيم يكفي أنها تحمل عبء الحياة والمنزل وحتى العمل.
وأكدت الناشطة المدنية في مجال حقوق المرأة آلاء الموسوي أن زواج الفتاة في عمر مبكر يؤدي في أغلب الأحيان إلى ترك الفتاة للدراسة وحرمانها من التمتع بطفولتها وبالتالي عدم قدرتها على تحقيق ذاتها وأن تكون عضو فعال في المجتمع.
وتجد أنه في أغلب الأحيان يتم تزويج الفتيات وهن قاصرات للتخلص من مسؤوليتهن، وبالتالي دخولهن إلى عالم آخر وتحملهن مسؤولية الزوج والأطفال.
وتضيف آلاء الموسوي "أن الفتاة دون سن 18 لا تكون ناضجة بالشكل الكافي لتحمل مسؤولية الزوج أو الأسرة التي ستعيش فيها، ونجد في أغلب الأحيان أن المشاكل الزوجية تظهر من الأيام الأولى بعد الزواج وتزداد الخلافات لذلك نجد الكثير من حالات الطلاق لا تتجاوز السنة من الحياة الزوجية حتى تتحول تلك الفتاة من طفلة إلى امرأة مطلقة".
وتقول "أن حوالي 90% من حالات الزواج المبكر تكون بسبب إجبار العائلة للفتاة على الزواج، كأنها صفقة تجارية مربحة أو للتخلص من تحمل المسؤولية أو بحجة الحفاظ على عذرية الفتاة أو المحافظة على شرف العائلة أو للتخلص من التبعات المالية التي تتطلب الصرف على مأكل وملبس تلك الفتاة".
وفي الختام أكدت آلاء الموسوي على ضرورة سن قوانين تمنع زواج القاصرات وتعرض الأهل للمسائلة القانونية في حال قاموا بتزويج الفتاة وهي ماتزال قاصر.