قصص من معاناة النساء النازحات (3)
ولدت أمارا حنتموني في مدينة حلب بسوريا، تزوجت من ابن عمها وهي في الثانية عشرة من عمرها، العروس الصغيرة، تصبح حاملاً في الخامسة عشرة، وترزق بطفلٍ مريض
"تزويج أمارا حنتموني ومنال القاصرتان"
إزميرـ .
على الرغم من المعاناة التي شكلتها الأمومة في سن مبكرة، إنجاب طفل مريض أحدث جروحاً كبيرة في قلب أمارا حنتموني. زُوجت أمارا البالغة من العمر 12عاماً من ابن عمها وحملت وهي في الخامسة عشرة بابنها إبراهيم الذي ولد وهو مريض بقصور في الكلية. الأم الصغيرة المنشغلة في البحث عن الأطباء والأدوية. تروي قصتها بعيون دامعة وصوتٍ مرتجف.
"حاولت أن أبيع كليتي لأشتري الدواء اللازم لابني"
"لم أذهب أبداً إلى المدرسة. كنت طفلة ألعب مع الأطفال عندما زوجوني لابن عمي. أصبحت أماً وأنا صغيرة. خُلق إبراهيم وهو مريض، كنت أبحث دائماً عن الأطباء والأدوية. عدم توفر الأدوية لعب دوراً في خلق مشاكل جديدة. البحث عن الأدوية في خضم الحرب كان صعباً جداً. جميع احتياجات ومتطلبات العيش كانت غالية الثمن، هذا الأمر كان يجعل سبل الحياة صعبة. لم نستطع العثور على طبيب مختص من أجل مرض إبراهيم. لم يبقَ هنالك أدوية في المدينة بسبب الحرب، بعدها توقف قلب إبراهيم. كنت أطلب المساعدة من الناس وطرقت جميع الأبواب. أردتُ بيع كليتي ومعالجة ابني كي أساعده على الشفاء لكن الأطباء أكدوا أن لا أمل في شفائه".
"أنجبت ابنتي على ضوء الشمعة"
على الرغم من عدم توفر الإمكانات، تطرق أمارا حنتموني جميع الأبواب، عندما تعلم أن الأطباء يؤكدون أن لا أمل من شفاء إبراهيم انقلبت كل حياتها. ولكنها لا تيأس وتبحث مرة أخرى على طريقة لعلاج ابنها. تهرب من محيط الحرب من جهة وتنشغل من جهة بصحة ابنها ومن جهة أخرى تعلم أنها حامل بابنتها.
هكذا تتحدث أمارا حنتموني عن تلك الأوقات "ذهبنا من حلب إلى لبنان. كنا نتدبر أمورنا بصعوبة في بيروت. المشافي هناك لم تكن تستقبل النازحين السوريين. حالة ابراهيم كانت سيئة. طلبت المشافي أموالاً تفوق قدرتنا وإمكاناتنا المادية. ذهبنا إلى مشفى خاص بالفلسطينيين. بعض الأطباء طلبوا منا أن نقطع الأمل من شفائه لأنه لن يشفى من مرضه. في تلك الأثناء علمت بأني حامل بابنتي. عندما تحسن ابني قليلاً أخرجناه من المشفى، لأن فاتورة المشفى كانت تزداد كل يوم. بقي زوجي في بيروت، أما أنا فعدت على وضعي هذا وأنا حامل إلى سوريا. أنجبت طفلتي على ضوء الشمعة. لا ماء ولا كهرباء لم يكن يوجد شيء. بعد أن رزقتُ بابنتي عدنا مرة أخرى إلى حلب. كنا نعيش وكأننا في قرية بسبب الحرب الدائرة داخل المدينة".
"على الأقل لم نعد نهرب من شظايا القنابل والقذائف"
بيّنت أمارا حنتموني أنها عاشت في مختلف مدن سوريا. بعدها عبرت من كلس إلى تركيا برفقة كل من ابنتها، ابنها وزوجها. تقول الآن أفكر فقط في مستقبل أولادي. هكذا تتحدث عن آمالها وتوقعاتها في تركيا "ابنتي تبلغ ثلاث سنوات وابني ستة. زوجي يعمل في محلات الدهان. أنا أعمل أحياناً في الجمعية التي افتُتحت لمساعدة السوريين. لم نحصل على أية مساعدة من الدولة التركية ولكن على الأقل الآن لم نعد نهرب من شظايا القنابل والقذائف. إذا توفرت إمكانيات العيش وذهب أولادي إلى المدرسة أريد البقاء هنا. أفكر فقط في تأمين مستقبل وصحة أولادي".
"لم يعد لدي أحلام وأهداف أريد تحقيقها"
على الرغم من حديث منال عن الدمار والخراب الذي لحق بحياتها بسبب زواجها المبكر، لكنها لا تريد إخبارنا في أي سن تم تزويجها. فإذا كانت أمارا قد تزوجت في سن الثانية عشرة، فإن عدم إفصاح منال عن سن تزويجها يزيد الشكوك لدينا.
لقد فقد والدا منال حياتهما منذ سنين. زوجها أيضاً فقد حياته إثر أزمة قلبية. بعد وفاة زوجها لا تجد إمكانية لتوفير متطلبات واحتياجات المعيشة في مدينة حلب بسوريا وتضطر للنزوح إلى مدينة اللاذقية بسوريا. هكذا تتحدث منال عن تلك الأيام "أنجبت طفلي في مدينة اللاذقية. كان وضع حلب سيئاً للغاية. جمعت القليل من المال في اللاذقية ودخلت من معبر كلس الحدودي إلى تركيا".
"زوج أختي لم يستقبلنا في منزله"
هكذا تتحدث منال عن حياتها في تركيا "عندما أتيت إلى هنا حصلت بسرعة على عمل. بدأت العمل في أحد المعامل. في الوقت الذي كنت أعمل فيه أراد أحد أقاربنا الزواج بابنتي مقابل مهر بخس. زوج أختي، لم يستقبلنا في منزله. مرضت ابنتي واضطررت للبقاء معها والاعتناء بها، لذا قام صاحب العمل بطردي من العمل، بقيت دون عمل". تحدثت منال كيف بحثت عن العمل في إزمير "عندما كنت أبحث عن العمل في بعض المعامل. كوني امرأة كنت أتعرض للكثير من المضايقات. كنت لقمة سائغة بالنسبة لأرباب العمل كان ذلك واضحاً من خلال نظراتهم وحركاتهم. من أجل هذا كنا نبحث عن أعمال تديرها النساء كي نستطيع العمل براحة أكثر".
"إن لم أعمل لن نستطيع العيش هنا"
هكذا تابعت منال التي تعيش مع ابنتها في بوجا بمدينة إزمير حديثها "أنا هنا منذ سنة. إن لم أعمل لن نستطيع العيش هنا. فإذا تحسنت ظروف المعيشة سأبقى هنا. وإن لم تتحسن سأضطر للذهاب إلى مكان آخر. قضينا نصف حياتنا في الترحال، من هناك إلى هنا ومن هنا إلى أماكن أخرى. لم يعد لدي أحلام في الحياة. أعيش فقط من أجل ابنتي. هذه الحياة البديلة أيضاً لا تقل صعوبة عن حياة الحرب. يمكن أن تكون الحياة في الدول الأوربية أفضل، ولكن السفر إليها صعب وباهظ الثمن، لذا لم أفكر أبداً في السفر إليها".
غداً: حنان موصللي المرأة العاشقة لمهنة المحاماة