نساء جبال الأطلس الكبير تعانين من قساوة الطبيعة وركود السياحة
نساء منطقة "إمليل" يعتمدون في تدبير معيشتهم على السياحة الجبلية، وبعض الزراعات الموسمية وتربية الماشية، ومع شح التساقطات التي تعرفها المنطقة يصبح من الصعب الحصول على العشب للماشية وتوفير لقمة العيش.
رجاء خيرات
مراكش ـ تعاني نساء منطقة "إمليل" بجبال الأطلس الكبير ضواحي مراكش من عزلة قاسية بسبب سوء أحوال الطقس، التي تزداد حدتها بعد تساقط الثلوج في موسم الشتاء، حيث تصبح الطرق مقطوعة ووسائل النقل شبه منعدمة، وتتحول رحلة البحث عن لقمة العيش إلى معركة طاحنة ضد الظروف والطبيعة.
ظروف قاسية
بدوار "تاماتِرْت" المترامي على أطراف جبل توبقال (ارتفاع 4167 متر) يتحول البحث عما يسد الرمق إلى رحلة متعبة وشاقة، فنساء المنطقة مطالبات بالقيام بالعديد من الأعمال المضنية، فهن تعملن في الحقل وفي البيت، وبعضهن يقطعن المسافة التي تفصل الدوار عن منطقة إمليل للعمل في الفنادق والمآوي السياحية المنتشرة على سفح الجبل، وفي أحسن الحالات يعملن طاهيات في تهيئة الطاجين والأطباق التقليدية المتنوعة التي تزخر بها المنطقة إذا ما توافد السياح.
تقول رشيدة أزناك وهي ربة بيت وأم لطفلين من ساكنات المنطقة لوكالتنا بلهجة أمازيغية "في السابق كانت السياحة منتعشة وكنا نجد العمل بسهولة، وهو أمر كان يحفزنا ويعيطنا القوة والطاقة للقيام بالكثير من الأعمال حتى بعد أن يشتد البرد وتقسو علينا الطبيعة، دون أن نشكو قساوتها، لكن اليوم تراجع النشاط السياحي بسبب ظروف الجائحة التي جعلت حياتنا صعبة".
وعن دراسة طفليها تضيف "يضطر الأطفال لقطع مسافة طويلة للوصول إلى المدرسة بالفيلاج بإمليل، وهو ما يجعل الفتيات ينقطعن عن الدراسة عند نهاية المرحلة الابتدائية ويتزوجن في سن مبكر، في حين يصعب أحياناً على الذكور مواصلة دراستهم الثانوية والجامعية بسبب قلة ذات اليد.
منذ الساعات الأولى من الصباح تتوجه النساء للحقول بحثاً عن العشب والحطب من أجل الطهي والتدفئة، فالظروف المعيشية لا تسمح باقتناء الغاز. أغلب النساء في الدوار يعملن في الحقول وفي البيت ويتوجهن لإمليل بحثاً عن مداخل إضافية تساعدهن على المعيشة.
عمل موسمي
أما فاطمة ايت ايدار وهي أرملة وأم لثلاثة أبناء فتؤكد أن الحياة أصبحت قاسية بعد وفاة زوجها الذي كان يعمل في قطاع السياحة بمنطقة إمليل، قبل أن يصاب بأزمة صحية ويفارق الحياة.
وتضيف "أعمل في فترات متقطعة كمنظفة في نزل سياحي بمنطقة إمليل، وكل ما أجنيه من هذا العمل لا يكفي لسد حاجيات الأسرة، خاصة وأن ابني البكر يتابع دراسته الجامعية بمراكش ويحتاج لمصاريف كبيرة لا أستطيع توفيرها حتى يتمكن من مواصلة الدراسة وضمان مستقبله. في الكثير من الأيام أجلس في البيت بدون عمل وأنتظر أن يتصل أحدهم ليطلب مساعدتي إذا ما حل وفد سياحي على المنطقة".
لا تختلف ظروف الكثيرات من ساكنات المنطقة عن ظروف فاطمة ايت ايدار، فالدوار رغم قربه من منطقة منتعشة سياحياً، إلا أنه يعيش عزلة تامة، بسبب قساوة الطبيعة وانقطاع الفتيات عن الدراسة في سن مبكر والاكتفاء بتربية الأبناء والعمل في الحقول المجاورة في زراعات موسمية وتربية الماشية والدجاج.
ينتعش دوار تاماتِرْت خلال شهري آذار/مارس ونسيان/أبريل، بينما يعيش ركوداً طيلة الشهور المتبقية، فخلال تلك الفترة تبرز السياحة الخارجية، بينما لا يتم توفير إلا مداخيل بسيطة لا تكفي لسد حاجيات الأسرة فيما تبقى من السنة التي تعتمد على السياحة الداخلية فقط، وهو ما يجعل تدبير الأمور المعيشية صعباً، باستثناء بعض المداخيل التي يوفرها الأزواج أو الأبناء الذين يتوجهون صوب مراكش بحثاً عن فرص عمل، تتكبد النساء مشقة تدبير أمورهن المعيشية بصعوبة بالغة.
طاقة وأمل
تقول فاطمة أيت يحتوت وهي أم لثلاثة أطفال "الحياة في الجبل ليست سهلة أبداً، إذ خارج شهرين في السنة تنتعش فيهما السياحة وتتوفر لنا بعض الفرص للعمل في الفنادق والأنزال المنتشرة بالمنطقة، فإننا نعاني طيلة السنة من أجل توفير لقمة عيشنا".
وعن ظروف الدراسة، تشير إلى أن المدرسة تبعد عن الدوار، مما يجعل تنقل الأطفال أمراً صعباً تزداد حدته مع تساقط الثلوج وانعدام وسائل النقل، حيث يضطر أغلب الأطفال إلى الانقطاع عن الدراسة، وهو الأمر الذي يجعل من إمكانية الحصول على فرص عمل بعد ذلك صعبة للغاية، في غياب شواهد دراسية وتكوينات في مجالات حرفية أو غيرها.
الحوامل بدورهن يجدن صعوبة للولوج للمستشفيات، فدار الولادة الوحيدة القريبة توجد بمنطقة "أسني" التي تبعد عن الدوار بما يزيد عن 17 كيلومتراً، وهو ما يعرض حياة العديد من الحوامل للخطر في حال تعسرت الولادة.