نساء حلب... معارك يومية من أجل الأمان

غياب الأمان هو العنوان الأبرز لحياة النساء في حلب، حيث تحولت الشوارع إلى مصدر للخوف والمنازل إلى سجون اختيارية، ففي ظل الفوضى الأمنية وحالات الخطف تناضل النساء من أجل استعادة حياة طبيعية وسط مشهد لا يزال يعج بالخوف وعدم الأمان.

غفران الهبص

حلب ـ أصبح غياب الأمان جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية في مدينة حلب، ويطارد النساء في كل خطوة ليضع قيوداً ثقيلة على حريتهن، فالفوضى الأمنية وحالات الخطف المنتشرة دفعت العائلات إلى عزل بناتها عن الشوارع.

بعد 8 كانون الأول/ديسمبر، وجدت النساء والفتيات أنفسهن في مواجهة واقع مفعم بالخوف وعدم الاستقرار، فبينما خرجن من قسوة النظام، دخلن في دوامة من القلق المستمر بسبب انتشار حالات الخطف والأخذ بالثأر، مما جعل الخروج من المنازل أمراً محفوفاً بالمخاطر.

ولم يعد بإمكانهن ممارسة حياتهن اليومية بحرية، سواء كان ذلك في الذهاب إلى العمل أو المدرسة، حيث أصبحت هذه الأنشطة تتخللها المخاوف على حياتهن وحياة أطفالهن، فخوفهن على سلامة أطفالهن، خاصة مع انتشار الفوضى وتفشي الجرائم، دفعهن للانعزال داخل المنازل، مما أثر على قدرتهن في مواصلة تعليمهن أو أداء مهامهن المهنية، ليصبح الأمان حلماً بعيداً، وأصبحت حياة النساء والفتيات في حلب مرهونة بمواجهة تحديات جديدة كل يوم، تهدد حقوقهن وحرياتهن الأساسية.

 

واقع الفوضى وعدم الأمان

نور الأحمد، شابة في العشرينات من عمرها، تعيش هذا الواقع بكل تفاصيله المؤلمة، حيث لا تخرج من منزلها إلا برفقة أحد أفراد عائلتها خوفاً من المخاطر التي تحيط بها، وقالت "كنا نأمل أن تعود الحياة إلى طبيعتها، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً، فالخوف هنا لا يغيب أبداً وخصوصاً اثناء تنقلنا بالمدينة، فلا أستطيع الخروج بمفردي بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة وحالات الخطف التي نسمع عنها تجعلني أشعر وكأننا في دائرة مغلقة من الرعب، هذا فضلاً عن قلق عائلتي طوال الوقت وعلى أبسط الأمور مثل الذهاب الى معهدي أو إلى السوق، حتى زيارة صديقة تحتاج إلى مرافقة أحد أفراد أسرتي، فهذا القيد يجعلنا نعيش في عزلة، وكأن حريتنا تُسلب منا تدريجياً لأن الوضع لا يقتصر عليّ فقط، فمثلاً أولاد شقيقتي لم يذهبوا إلى المدرسة بسبب خوفهم من حالات الخطف والفوضى التي تجتاح المدينة، وكل يوم أتساءل إلى متى سنظل نعيش تحت هذا الضغوطات يكفينا ما مررنا به".

 

حلم يواجه القيود

رغم شبابها فإن ما مرت به يجعل كلماتها تعكس صموداً وتجارب تتجاوز عمرها، لتكشف عن تحديات النساء في ظل غياب الأمان حيث تبين أن "التعليم كان دائماً أحد أحلامي، لكنني لم أتمكن من إكماله بسبب الحرب، والآن وأنا أرى أبناء شقيقتي وغيرهم محرومين من الذهاب إلى المدرسة، أشعر بثقل المسؤولية تجاه هذا الواقع فالمدارس في حلب ليست آمنة، والعائلات تخشى إرسال أطفالها بسبب انعدام الأمان في الطرق المؤدية إليها خصوصاً بعد سماعنا عن حالة خطف معلمة مدرسة وطفل في إحدى المدارس، بالإضافة إلى ذلك، التكاليف المرتفعة تجعل من التعليم رفاهية لا يمكن تحملها، فالكتب والقرطاسية أصبحت عبئاً كبيراً، والكثير من الأطفال يجلسون في المنزل بينما أعينهم مليئة بالأسئلة، أشعر باليأس أمام خسارتنا لجيل كامل بسبب هذه الظروف، وأحياناً أفكر إذا كنا عاجزين عن حماية أبسط حقوقهم ،فكيف سيكون مستقبلهم ".                                                                                                                                                                                                         

ضوء في نهاية النفق

أضافت نور الأحمد وعيناها تحمل الكثير من التساؤلات عن الأيام القادمة "رغم كل ما نعيشه، أحاول التمسك بالأمل وأحلم بيوم أتمكن فيه من إكمال تعليمي، وأن يعود أبناء بلدي إلى مدارسهم دون خوف، كما أتمنى أن تكون مدينتنا أكثر أماناً، وأن نستعيد حياتنا التي كنا نعيشها قبل الحرب، ومما يجعلني أتفاءل أكثر هو سقوط النظام وتخلصنا من حكمه الظالم، ويواسيني عدم وجود قصف أو دمار والتخلص من حالات النزوح القاهرة التي عشناها على مدار السنوات السابقة".

وأضافت "أتطلع إلى يوم يعم فيه الأمان أرجاء المدينة، وأرى أن الحل يكمن في تعزيز تشكيل مجموعات خاصة تُعنى بالحفاظ على أمان المناطق، لضبط الفوضى المنتشرة وملاحقة كل من يهدد استقرار المدينة وسلامة أهلها، كما أنني مؤمنة بأن محاسبة المسؤولين عن الأذى الذي لحق بالمدينة هو أمر حتمي لضمان عودة الحياة إلى مسارها الصحيح"، مشددة على ضرورة دعم قطاعات التعليم والصحة، لإعادة بناء الوطن والنهوض من جديد، فتعزيز هذه القطاعات سيمنح الأمل للأجيال القادمة ويعيد الثقة في قدرة المدينة على التعافي والازدهار رغم كل التحديات.

 

رسالة أمل

ووجهت نور الأحمد رسالة لنساء وفتيات مدينتها قالت فيها "في ظل هذه الظروف الصعبة، تذكّرن أن قوتكن تكمن في صبركن وحكمتكن، رغم التحديات التي نمر بها، لا يزال الأمل قائماً في قدراتنا على تجاوز كل الصعاب فأنتن القوة الحقيقية في إعادة بناء مدينتنا، لكن علينا أن نكون حذرين في هذه الأوقات المضطربة، ولأن التعليم والصحة هما الأساس لمستقبلنا، فلنستمر في السعي نحوهما، ولكن بحذر وحكمة، فأنتن أمل حلب ومستقبلها، وقوة عزيمتكن هي التي ستقودنا نحو الغد الأفضل".