نساء عفرين: تركيا تحارب الشهداء حتى بعد دفنهم
يحاربون الشهداء حتى بعد دفنهم، هذا هو الوصف الذي أطلقته نساء عفرين المهجرات في شمال وشرق سوريا على الانتهاك الأخير الذي قامت به الدولة التركية بحقهم، عبر نبش قبور الشهداء
فيدان عبد الله
الشهباء ـ .
ادعى الاحتلال التّركي في الأيام القليلة المنصرمة عثوره على مقبرة جماعية في مركز مقاطعة عفرين، واتهم وحدات حماية المرأة والشَّعب بارتكاب مجزرة، مما أحدث ردود فعل غاضبة وساخطة ورافضة لهذا الاتهام، ولا سيما بين صفوف مجلس عوائل الشّهداء والذين بينهم شهود عيان على أن هذه المقبرة لشهداء مجازر تركيا الذين لم يتمكنوا من دفنهم في مقبرة الشهداء نتيجة الهمجية التّركية والهجمات العشوائيّة.
قالت لوكالتنا الرَّئيسة المُشتركة لمجلس عوائل الشَّهداء خديجة إيبو "تعرضنا للعديد من الهجمات، وخُضنا حرباً غير متكافئة مع الاحتلال التَّركي، قدمنا خلالها المئات من الشَّهداء للدفاع عن عفرين، ويومياً كنا نُشيع 30 شهيداً تقريباً".
وبينت أن التَّشييع ومواراة أجسادهم الثرى في البداية كان في مزار الشَّهيد سيدو بناحية جنديرس في عفرين، ونتيجة لعشوائية الهجمات التّركيَّة، وعدم أمان الطَّريق لم يعودوا قادرين على ذلك، تفادياً لوقوع إصابات، ولهذا انتقلوا لمزار الشّهيد رفيق بناحية شرا.
وأضافت "نظراً لاستمرار الهجمات التَركيَّة أنشأنا مزاراً جديداً بالقرب من مشفى آفرين باسم الشهيدة (آفيستا خابور)، ولكن الهجمات التّركيَّة تصاعدت يوماً بعد آخر، واقتربت من مركز المقاطعة، وارتكبت المجازر وسط المدينة".
وبالرغم من ذلك لم يهرب الأهالي وكانوا على رأس عملهم والحديث لخديجة إيبو "في تلك الفترة، ولا سيما في الثلاث أيام الأخيرة، سقط شهداء مدنيين وعسكريين وعددهم قرابة 73 شهيداً، وشيعوا من أمام المشفى إلى حديقة صغيرة موجودة خلفها".
وهذه الخطوة كانت مؤقتة، إذ قُرر إخراجهم عند توقف القصف، لإعادتهم لمزار الشَّهداء، ولكن الهجمات التَّركيَّة ازدادت وحشية، وارتكبت المجازر في حي المحمودية، وعلى طريق قرية ترندة وبالقرب من دوار كاوا في وسط مركز المقاطعة، كما قالت.
ووصفت خديجة إيبو إخراج جثامين الشَّهداء من المقابر باللاإنسانية "يدعون أننا نحن من ارتكب المجازر بحقهم، ولكننا نملك الإثباتات والأدلة، وشهودنا ذوي الشّهداء الذين شيعوا ودفنوا أبنائهم بأيديهم".
وحول الصَّور التي نشرها الإعلام التّركي لجثامين أدعى أنها لأشخاص أعدموا على يد قواتنا، قالت "الصّور تُظهر جثامين ملفوفة بأكياس بلاستيك بعناية، كل منها على حدى، وتُدفن بحرص في مقبرة جماعية، وكل هذا يُظهر التلفيق، ففي هكذا حالات لا تتم العناية بالجثامين وخاصة في أثناء المعارك".
ونددت خديجة إيبو واستنكرت صمت الدَّول العالميّة والرّأسماليَّة حول جرائم الاحتلال التّركي المستمرة بحق أهالي عفرين، "نطالب بوقف كل الانتهاكات بحق أهالي عفرين، ومحاسبة مرتكبيها على تماديهم".
بينما قالت هاجر محو والدة شهيدين، استشهد أحدهما خلال مقاومة العصر، "أنهم ينتشلون جثامين أبنائنا من القبور ويدعون أن وحدات حماية الشَّعب والمرأة ارتكبوا مجازر جماعية، الهجمات كانت متواصلة وعشوائية، لذا أُجبرنا على دفنهم بأيدينا بالقرب من المُستشفى، ولدينا أرشيف موثق فيه أسماء وتواريخ استشهاد أبنائنا ودفنهم".
وتؤكد على أن الاحتلال التّركي تسبب بفقدانهم لأبنائهم واليوم ينتشلهم من تحت التَّراب "أي ضمير يتحمل هذا القدر من الجرائم؟".
أما عضوة مجلس عوائل الشَّهداء ريما هورو، وهي شقيقة أحد الشَّهداء الذين استشهدوا خلال مقاومة العصر قالت "شاركتُ بنفسي في تشييع ودفن شهدائنا بالقرب من المشفى"، مضيفة أن "الاحتلال التركي لا يحق له إخراج الجثامين، ورمي التّهم العارية عن الصَّحة على وحدات حماية الشَّعب والمرأة".
وتُكمل "كشقيقة شهيد أرفض هذا الانتهاك والصَّمت الدّولي، وأطالب بإخراج الاحتلال التّركي من أراضينا، ليعمها الأمان من جديد، ولنتمكن من زيارة شهداءنا".
وبينت ريما هورو أنه لم يسلم أي مزار للشهداء من بطش الاحتلال التّركي "يحاربوننا حتى بعد موتنا، مرتدين قناع الدّين، لذا عليهم أن يتركوا ادعاءاتهم".
وقالت هاجر سليمان شقيقة الشَّهيد حمزة عفرين الذي استشهد في 14 آذار/مارس 2018، وشيع في اليوم التالي، ودفن كذلك في المقبرة، أنهم استمروا بالدفاع عن أرضهم لمدة 58 يوماً، واقفين في وجه العدوان التّركي، ولكنهم أجبروا على الخّروج قسراً، ورغم هذا لا تزال تركيا تحارب شهدائهم.
وكان قد قام الاحتلال التركي بمساندة الآلاف من المرتزقة وبكافة الأسلحة المُتطورة والطائرات الحربية بشن هجوم على مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا في الـ 20 من كانون الثاني/يناير عام 2018، لتحتلها في الـ 18 من آذار/مارس من العام نفسه بعد مقاومة تاريخية دامت 58 يوماً، لتبدأ رحلة التهجير القسري لأهلها.
ودعت منظمات حقوق الإنسان لمحاكمة الاحتلال التّركي "لا توجد شريعة وحق يعطيهم الشّرعيّة للقيام بهذا، وهذه الجرائم لم تضعف عزيمتنا ومقاومتنا، وسنستمر بالصمود".
وشددت هاجر سليمان على أن حسرة زيارة مقابر شهدائهم ستبقى في قلوبهم، حتى تحرير عفرين والعودة إليها.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعتدي الدّولة التّركيّة فيها على مقابر في مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا، إلا أنها هذه المرة نبشت القبور وأدعت أنها مقابر جماعية لمجهولين.