نقص الخدمات الطبية وغلاء الأدوية يضاعف معاناة المرضى من النساء والأطفال في إدلب
انتشرت أمراض التهاب الأمعاء وسوء التغذية بشكل كبير في إدلب خاصة في مناطق المخيمات العشوائية والغير منظمة والتي تفتقر لأدنى مقومات الحياة، كل ذلك وسط واقع طبي وصحي متردي يسوده نقص الكوادر الطبية المتخصصة ونقص الأدوية وغلائها
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
اضطرت رانيا السلوم (٣٠عاماً) لإدخال ابنها حسان الخضر البالغ من العمر أربع سنوات المشفى للمرة الرابعة على التوالي خلال أقل من شهر بعد أن ساءت حالته جراء إصابته بسوء التغذية والتهاب أمعاء حاد.
تقول رانيا السلوم أن القمامة المحيطة بمخيمهم الواقع في مشهد روحين شمال إدلب والروائح الكريهة الصادرة عنها أدت لانتشار الأمراض في المخيم والتي أصيب بها الكثيرون وخاصة الأطفال.
وعن الأعراض المرضية التي بدأت تظهر على ابنها قبل أن تعمد لإسعافه للمشفى تضيف أن الغثيان والتقيؤ وفقدان الوزن والشهية أعراض بدأ طفلها يعاني منها منذ بداية فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الحشرات في المخيم وانعدام الكهرباء ووسائل التبريد.
وتشكو رانيا السلوم الإهمال المتعمد داخل المشافي المجانية قائلةً "يعاملوننا داخل هذه المشافي بفوقية ولا يهتمون لأمرنا وكأننا لسنا بشر أو أرواح، إنهم يستغلون حاجتنا للعلاج وفقرنا الذي يمنعنا من قصد المشافي الخاصة الباهظة التكاليف لنعامل بكل هذا الاستهتار دون حسيب أو رقيب".
وتشير إلى إحدى الحوادث التي جرت معها وهي وصولها لمشفى إدلب المدينة مصطحبة ابنها في حالة يرثى لها ومع ذلك رفضوا استقباله بحجة عدم وجود مكان داخل المشفى الممتلئ بالحالات المرضية ولا سبيل لقبول حالات جديدة بحسب ما أدعته إدارة المشفى.
وهنا راحت تبحث الأم المذعورة المصطحبة لابنها بحالة خطرة عن مشافي أخرى ممكن أن تستقبلهم، وبالفعل وجدت مكان لابنها في إحدى المشافي المجانية التي كانت أشبه "بمسالخ بشرية" وفق تعبيرها.
وقالت "حتى القسطرة الوريدية لم تستطع الممرضات تركيبها إلا بعد عدة محاولات عانى منها الطفل وخز الإبر دون جدوى إلى أن تمكنّ من فعلها أخيراً وبعد جهد جهيد".
الطبيب محمد رجب مسؤول فرق اللقاح لدى منظمة أطباء بلا حدود في مخيمات أطمة الحدودية كشف عن أسباب انتشار مرض سوء التغذية في مخيمات الشمال السوري، وتحدث عن مشاهداته العينية لأعداد من الأطفال والبالغين المصابين بهذا المرض، والذين يتم إحالتهم عبر مكتب أطباء بلا حدود إلى المشافي والمراكز الصحية في الشمال السوري.
وأشار إلى الحالة الطبية المترّدية والنقص الكبير في المراكز والكوادر الطبية في تلك المخيمات، خصوصاً المتعلقة بعلاج هذا المرض المستشري حالياً.
ويعرف مرض سوء التغذية بأنه نقص العناصر الغذائية الأساسية والمهمة لصحة جسم الإنسان، مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن، ويعدّ نقص أحد هذه العناصر أو بعضها كافياً لإصابة الجسم بما يعرف بسوء التغذية، وقد يتعرّض الإنسان لهذا المرض الخطير لسببين رئيسيين، أولهما قلة الطعام الذي يتناوله الإنسان إمّا لأسباب نفسية أو صحية أو لعدم توفر الطعام، أو قلة وجود الطعام في أماكن مزدحمة وتعيش حالة من التضخم السكاني.
ويعدّ سوء التغذية من الأمراض الشائعة جداً ويحمل مخاطر كبيرة، في الغالب يبدأ بشكل تدريجي في الجسم خلال فترة معينة، يظهر خلالها العديد من الأعراض على المريض مثل فقدان الوزن والشعور بالتعب والإرهاق، وتراجع في القدرة على القيام بالوظائف والمهام اليومية بشكل جيد، ويصيب المرض كافة الفئات العمرية وبالأخص الأطفال حديثي الولادة وقد ينتج عنه عدة أمراض منها الكساح وضعف النمو وضمور الدماغ وهشاشة العظام وتضخم الغدرة الدرقية وفقر الدم.
وأكد محمد رجب بأنه ومن خلال عملهم على توثيق ومتابعة حالات سوء التغذية في مخيمات الشمال السوري، كانوا ومازالوا يتلقون وبشكل شهري عشرات الحالات المصابة بهذا المرض، في كلٍ من تجمّعات مخيمات "أطمة" و"كفرلوسين" و"الكرامة" وغيرها من المخيمات.
لم يكن انتشار الأمراض وقلة الرعاية الصحية والإهمال الطبي كل ما يعانيه أطفال إدلب وإنما أيضاً ارتفاع أسعار الأدوية التي بلغت زيادتها ثلاث أضعاف بين ليلة وضحاها.
و حذرت "نقابة الأطباء الأحرار" في بيان لها من كارثة على المستوى الصحي، وتحمل المسؤولية كاملة للسلطات المختصة وتدعوها لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضبط سعر الدواء وتأمين الكميات الكافية منه بالوسيلة التي تراها مناسبة وبعيداً عن أي اعتبارات أخرى.
فلم تتمكن النازحة سارة التناري (٣٣عاماً) من الحصول على الدواء لابنتها المريضة بسوء التغذية بعد عجزها عن دفع ثمنه الباهظ والذي فاق قدرتها المادية على التحمل، وتقول إن ابنتها مريم البالغة من العمر ٣ سنوات تعاني من سوء التغذية والتهاب الأمعاء نتيجة حالة الفقر "المدقع" الذي تعيشه داخل مخيم الرحمة القريب من مدينة سلقين غرب إدلب و"لكنه يخلو من الرحمة وليس من اسمه نصيب جراء ما نعيشه من إهمال ونسيان" كما تقول سارة.
عرضت سارة التناري ابنتها على طبيب مستوصف مدينة سلقين الذي يقدم خدمات الكشف الطبي المجاني للأهالي، ولكنها عجزت عن تأمين الوصفة الدوائية لابنتها بعد أن طلب منها الصيدلاني مبلغ ٦٠ ليرة تركية ثمناً لها في الوقت الذي لا تملك فيه الأم ربع المبلغ المطلوب، لتبقى ابنتها دون علاج بانتظار مصير يتأرجح بين الموت والحياة.
وعانى القطاع الطبي في إدلب التدمير والقصف على مر سنوات الحرب العجاف، ليعاد تأهيله على عجل مع استقرار الوضع الأمني إلى حد ما، لكن يبقى حاجة هذا القطاع العام للأخصائيين الذين رحل معظمهم خارج البلاد مع بداية الحرب ليستعيض عنهم بكوادر طبية أقل كفاءة وتدريب، بل ولعبت الوساطة دوراً كبيراً في اختيار معظم تلك الكوادر وفق ما أكده الكثيرون ممن لم يحظوا بفرصة عمل رغم حصولهم على الشهادات والمؤهلات.
الممرضة علا الأيوب (٣٠عاماً) لم تجد فرصة توظيف في إحدى المشافي الموزعة في إدلب وريفها ليس لعدم امتلاكها الشهادات والمؤهلات وإنما لافتقارها الدعم والتوصية من أحد المدراء أو المسؤولين في المنظمات الطبية، وتقول "تقدمت لأكثر من فرصة عمل بعد تخرجي من معهد التمريض في جامعة إدلب ولكنني لم أحظى بفرصة للعمل رغم محاولاتي المتكررة منذ أكثر من ثلاث سنوات".
وغالباً ما كانت علا الأيوب تتقدم لوظائف تكون المنافسة فيها قوية بينها وبين المتقدمات الأخريات اللواتي لا يحظين بأكثر من شهادات تدريب لا تتعدى الأشهر لتفاجئ بعد مدة بنجاحهن وقبولهن بالوظيفة بينما يتم رفضها، وعبرت علا عن صدمتها بما يجري بالقول "لن نتقدم ولن تتحسن أمورنا والوساطة والمحسوبيات التي اعتادوا عليها من أيام حكم نظام الأسد للمنطقة ما زالت تجري في دماء الغالبية هنا".
عدم أهلية الكوادر الطبية داخل مشافي إدلب عرض حياة الكثيرين للخطر بل وأدت بحياة البعض ممن راحوا ضحية الأخطاء الطبية وقلة الرعاية والاهتمام.
ففي 29أيار/مايو 2021، توفي الطفل أحمد محمود العلي البالغ من العمر 4 سنوات وهو من مهجري مدينة سراقب نتيجة خطأ طبي في مشفى العيس بمدينة الدانا شمال إدلب.
وذكر والد الطفل محمود العلي (٣٥عاماً) أنه أدخل ابنه المشفى لإجراء عملية بسيطة (طهور) إلا أن خطأً طبياً تسبب بنقله للعناية المركزة بعد إعطائه جرعة زائدة من المخدر ليدخل الطفل في غيبوبة قبل أحد عشر يوماً من مفارقته الحياة.
وكانت إدارة مخيمات ريف إدلب الشمالي والغربي، قامت وتحديداً في 17كانون الثاني/يناير 2019، بإحصاء عدد الحالات المصابة بسوء التغذية في تلك التجمّعات، حيث تبيّن أن نسبة 90% منها من الأطفال، كما تبيّن أنّ السبب الرئيسي لإصابة هؤلاء الأطفال، هو حاجتهم لمادة حليب الأطفال والغذاء من جهة والرعاية الطبية من جهة أخرى.
من جهتها قالت منظمة الصحة العالمية أن 2.13 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة صحية ويفتقرون إلى سبل الحصول عليها نتيجة الهجمات التي تعرضت لها ونقص العاملين، إذ لا تتجاوز نسبة المرافق الصحية العمومية الفاعلة بكامل طاقتها في سوريا قرابة النصف فقط.