نهى حلس تبدع في الكيمياء لتخلق حياة أخرى
العديد من الجوائز والكثير من الألقاب كانت نتاج جهد المعلمة نهى حلس طوال 14عاماً، التي جعلت من مادة الكيمياء حياة أخرى تعيشها هي وطالباتها بكامل تفاصيلها
رفيف اسليم
غزة ـ .
لم يضع عمل نهى حلس التي فازت بلقب المعلم/ة العالمي لعام 2021، كمدرسة كيمياء في أحد المدارس الحكومية في قطاع غزة حداً لطموحها، فقد حولت الكيمياء من مادة علمية جامدة إلى حقل إبداع لتظهر الطالبات مواهبهن المختلفة وإنتاج مواد خلال الفصول الدراسية التي تفتقر لأبسط الإمكانيات.
تقول نهى حلس عندما بدأت بالتدريس لم ترغب بأن تكون كغيرها من المعلمات اللواتي يشرحن الدرس ويعطين بعض الأمثلة باعتمادهن الطرق التقليدية ثم تنتهي الحصة الدراسية بضجر الطالبات وامتعاضهن، مشيرةً أن للكيمياء فضل في تغير طريقة التدريس، فتطبيق المعادلات الكيميائية ورؤية نتائجها أمرٌ ممتع خاصةً عندما يتحول لون المادة أو تصدر بعض الفقاعات بشرط أن يتم المحافظة على سلامة الفتيات.
وتستخدم نهى حلس كما أوضحت طريقتين للشرح وهما المختبر المدرسي الذي توفره وزارة التربية والتعليم بإمكانيات بسيطة وبرنامج المحاكاة الرقمي "المختبر الافتراضي" لتطبيق المعادلات التي قد ينتج عنها خطر ما أو تلك التي لا تتوافر المواد الخام الخاصة بها، مشيرةً إلى أن التكنولوجيا الرقمية قد وفرت الكثير من الوقت والجهد والتكلفة فيظهر ذلك البرنامج المعادلات وكأن شخص ما يقوم بها لذلك يجب على جميع المعلمين في كافة أنحاء العالم الاستفادة من ميزاته.
وقد مكنت التجارب المستمرة نهى حلس أن تدمج بين التعليم والفنون، مشيرةً أنها علمت طالباتها كيفية الرسم على البورسلان بالمواد المختلفة وكذلك الأقمشة لإنتاج لوحات فنية على الملابس كما جعلتهن يعرفن جيداً المواد المسموح في تزيين الطعام بها بطريقة صحية وخاصة كعكة الميلاد، موضحةً أن صنع اللوحات الجلدية والتعليمية كانت من ضمن ما تعلمنه أيضاً لتجعل منهن عناصر منتجة في المجتمع وذات بصمة.
والبورسلان مادة خزفية مصنوعة من مواد التسخين لدرجة حرارة تتراوح بين 1200 ـ 1400 درجة مئوية، تنبع قوة وشفافية الخزف مقارنةً بأنواع الفخار من التزجيج وتكوين المعدن الموليت داخل الجسم في درجات الحرارة المرتفعة.
تلك المحاولات ساعدت نهى حلس أن تفتتح معرض كبير في مدرستها تعرض خلاله جميع المنتجات التي أضافت لها وفق حديثها المواد التجميلية كالصابون وشامبو الشعر وبعض الكريمات المرطبة ومواد التنظيف المنزلية، مشيرةً أنها أشركت أولياء الأمور بالحضور وجعلتهم يشاهدون فتياتهن خلال عرضهن للمنتجات وتزويد الزوار بالمعلومات حول كيفية استخدام النسب خلال عملية الانتاج.
وربما تعد تلك الإنجازات كافية لأي معلمة تتقاضى راتب بالكاد يغطي احتياجاتها لكن نهى حلس لم تكن تفكر بتلك الطريقة، فقد أوضحت أنها كانت تشتري بعض المواد الخام من نفقتها الخاصة وبعد عملية بحث طويلة في مختبرات الجامعات لتستطيع الحصول عليها وتطبيق التجارب، كما كانت تتواصل مع طالباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أي وقت وحتى ما بعد منتصف الليل بحكم عملها كمقدمة برامج للدروس التعليمية الخاصة بطلبة الثانوية العامة عبر إذاعة وقناة تلفزيونية.
وتحت شعار "لا للنمطية نعم للابتكار" نفذت نهى حلس 15 مبادرة تعليمية متعلقة بالكيمياء، من أبرزها مبادرة "كرنفال الكيمياء" الذي شمل ثلاث محافظات شمال وشرق غزة إضافة للمدينة، مبادرة "كيمياء بلا حدود" التي تمت بالشراكة مع مدينة الخليل بالضفة الغربية تحديداً مدرسة دورا، ومبادرة "صحتي حياتي"، بالإضافة إلى المبادرات البيئية الخاصة بنظافة المدارس وأخرى تهدف لتحويل مخلفات الشجر إلى فحم صديق للبيئة، مشيرةً أن تلك المبادرات من أبرز الأنشطة التي تم تنفيذها خلال الفترة الأخيرة باستخدام برنامج الزوم للربط بين الفتيات.
ولأن مدينة غزة ساحلية تطل على شاطئ البحر كان لذلك الشاطئ نصيب من أنشطتها، فتقول "ذات يوم على سبيل المزاح أخبرت طالباتي أن التجربة القادمة ستكون على شاطئ البحر ليتشجعن في اليوم التالي ويجلبن معهن موافقات خطية من أولياء أمورهن مما وضعني تحت الأمر الواقع"، لافتةً أنها أنهت التنسيق لتلك الرحلة وواصطحبتهن إلى البحر وقد جمعوا الصدف واستفدن منه بصنع تحف جميلة إضافة لعمل التجربة المرادة.
وعند سؤالها هل الأمور دوماً تجري بتلك الوتيرة أشارت نهى حلس أنها بالعادة تواجه عدة صعوبات منها ضيق الوقت فالحصة الدراسة لا تتجاوز الـ (15) دقيقة، بالمقابل عدد الطالبات يكاد يفوق الـ (35) طالبة في كل فصل، مستدركةً أنها تسعى لحل تلك المشكلة من خلال حصص إضافية تتفق على مواعيدها مع الطالبات، وذلك النظام هو ما ساعد (25) طالبة من طالباتها بالحصول على معدل 100%، بينما الأخريات حصلن على جيد جداً وجيد فيما لم ترسب أي طالبة.
وقد كان للنجاح الذي حققته نهى حلس صدى واسع مما جعلها تحصد عدة ألقاب وجوائز وتكرم من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء في قطاع غزة عام 2020، إضافةً للقب المعلم العالمي وامرأة فلسطين لعام 2021، ووسام سيدة الوطن العربي من دولة مصر، والمرأة المبدعة من دولة الهند، وسفيرة التعليم من باكستان، وسفيرة النوايا الحسنة مع مشاركتها في عدد من المؤتمرات والمعارض المحلية والدولية كمعرض فلسطين الدولي.
وترجع نهى حلس ما وصلت إليه للأسلوب الذي انتهجته مع طالباتها بعيداً عن أساليب التدريس الروتينية ومن خلال ممارستها لدور المعلمة والصديقة والمرشدة النفسية والاجتماعية مع الطالبات، فدوماً ما تسمع مشكلاتهم الحياتية والدراسية لتحاول حلها، متمنيةً أن تتبع كافة المعلمات نهجها من خلال إدخال أدوات التعليم النشط وأن يصبح لديها ذات يوم مدرسة تديرها هي بإمكانيات تمكنها من دمج الكيمياء والتطور الرقمي بشكل أوسع.