نفين الدواوسة مسعفة لم تترك جباليا حتى آخر لحظة

في ظل ارتكاب القوات الإسرائيلية الانتهاكات والمجازر للإبادة السكان في قطاع غزة، إلا أن الممرضة نفين الدواوسة لم تتخلى عن وظيفتها كممرضة ومسعفة لمساعدة الجرحى في قطاع غزة.

رفيف اسليم

غزة ـ رفضت الممرضة نفين الدواوسة ترك شمال مدينة غزة والنزوح مع مئات العائلات الفلسطينية في الأيام الأولى من بداية التوغل البري للقوات الإسرائيلية هناك في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، لتبقى بجانب الجرحى تسعفهم وتقدم لهم الخدمات العلاجية.

تقول الممرضة نفين الدواوسة، أنها بدأت عملها كمسعفة منذ سبعة أعوام حيث كانت لم تبلغ من العمر سوى 16 عاماً، لكنها أحبت تلك المهنة وتعلقت بها، أثناء تطوعها مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لافتةً إلى أنها عملت في فترة مسيرات العودة وخلال آخر هجومين على قطاع غزة، والآن هي مستمرة على رأس عملها خلال حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام.

وأوضحت أن أولى مهمات الإسعاف التي قامت بها خلال الهجوم عندما ذهبت لإسعاف عائلة سقط على رأسها منزل مكون من عدة طوابق، لتتفاجأ أن تلك العائلة جدها وأعمامها وذويهم، حينها سقطت أرضاً لم تدرك ماذا ستفعل أتسعف المصابين أم تجلس للبكاء على أطلال منزلها المتداع وعلى دفن أحبائها تحت أنقاضه دون أن تحظى بنظرة وداع أخيرة.

وبالعودة لما حدث يوم الإخلاء أشارت إلى أنها كانت تؤدي عملها بالنقطة الطبية داخل مدرسة جباليا، وتمت محاصراتها هناك 16 يوماً وفي تلك الأيام رأوا أشكال مختلفة للموت والعذاب، إثر شح الغذاء والماء والاستهداف المتكرر لمحيط مركز الإيواء والذي كان يخلف 30 إصابة باليوم الواحد غالبيتهم من الأطفال والنساء.

لم يكن في النقطة الطبية سوى نفين الدواوسة وممرضة وطبيب، ومع كثافة تلك الإصابات كانوا يسيطرون على النزيف ومن ثم يتم إرسال الحالات لمشفى "كمال عدوان" على كرسي متحرك أو نقالة، مشيرةً إلى أنها ببعض الأحيان كانت تترك النقطة لتحمل الجرحى بنفسها وتوصلهم للمشفى خوفاً على حياتهم.

وفي العشرين من تشرين الأول/أكتوبر، استيقظت على حزام ناري بمركز الإيواء الذي تستقر به والمراكز المجاورة، تلقت بعده أكثر من 120 إصابة في ذات الساعة أسعفتهم وساعدوها بعض الشبان في عملية النقل لمشفى كمال العدوان، لافتةً إلى أنه في اليوم السابق أخبرها الطبيب والممرضة أنهم سيخلون المكان كونه مهدد بالقصف وغير آمن، حيث رفضت هي ترك المصابين وحدهم بالنقطة الطبية والخروج حتى يخلي آخر نازح المدرسة.

وفي تمام الساعة التاسعة من ذات اليوم، أشارت إلى أنها بعد أن أسعفت المصابين أتت طائرة مسيرة تحمل مكبر صوت وبدأت تطلب من جميع الموجودين إخلاء المكان لأنه سيقصف بعد ساعة، حينها بدأت بتجميع الحقيبة الطبية وبعض ملابسها لكن بعد عشرة دقائق قصف مركز الإيواء وأصبح الجميع يركض لدرجة أن هناك عائلات تركوا أطفالهم من هول القصف المدفعي والجوي.

أكملت نفين الدواوسة إسعاف الجرحى، لكن الطائرات شاهدتها فاستهدفتها بشكل مباشر مما تسبب لها بكسر في الجمجمة وشظايا استقرت بمنطقة الفخذين لديها، منوهةً أنه حينها كان الرصاص كالمطر تجاه بوابة الخروج وكأنهم يريدون قتل من بقي بالمكان فاضطرت وهي تنزف أن تجتاز الحائط بالقفز لتخرج من مركز الإيواء، لكنها سمعت صوت طفلة رضيعة تبكي لا تتجاوز الأربعة أشهر فعادت واصطحبتها معها.

واستمرت بالمشي تحت طلقات الطائرات المسيرة، محتميةً بالمباني لتكمل بعد أن تهدأ، الخروج والمشي وحدها بالطرقات لأن العائلات تركتها وهي تسعف المرضى، إلى أن وصلت إلى ما تسميه القوات الإسرائيلية بالممر الأمن، هناك وجدت النساء تقفن في اتجاه والرجال باتجاه آخر كما أمرتهم القوات الإسرائيلية.

وأخبرت أحد النساء المتواجدات على الحاجز أن عليها رفع هويتها والتقدم مع أول 5 نساء كي يفحص وجهها عبر بصمة العين من خلال جهاز يطلق أشعة الليزر الحمراء "حينها توقف قلبي أيرن ذلك الجرس اللعين وتعتقلني القوات الإسرائيلية أم سأمر أنا وهذه الرضيعة المسكينة التي لا أعلم أين عائلتها الآن ولماذا تركوها وحدها وسط الموت هناك".

ووصلت نفين الدواوسة، من شمال القطاع إلى المدينة مشياً على الأقدام، وفور وصولها تواصلت مع بعض الأشخاص الذين أخبروها أن الطفلة كانت مع عائلتها لكن شقيقتها وشقيقها أصيبا فاضطرت الأم للذهاب إلى المشفى لإسعافهم وتركتها مع الأب الذي قتل في الغارات التي تلت تلك الغارة، لتتواصل مع الأم وتسلمها إياها بعد أربعة أيام.

واختتمت حديثها قائلةً إن ما حدث في شمال قطاع غزة هي إبادة جماعية بالقتل والتجويع معاً، ومنع أي مصدر من مصادر المياه، لافتةً إلى أنه إذا لم يتوقف الهجوم سترتكب المجازر في جميع مدن شمال الوادي، وستتفن القوات الإسرائيلية بابتكار أساليب قتل أكثر إجراماً على مرأى ومسمع دول العالم والمؤسسات الحقوقية.