ناشطة تؤكد أنه بدون التكاتف لن تتمكن النساء من الصمود في وجه الصعوبات
تعيش النساء في غزة تحت ظروف قاسية، وتحمل مسؤوليات جديدة وأعباء إضافية يوماً بعد يوم، وتواجهن تحديات تفوق التصور في بيئة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
نغم كراجة
غزة ـ الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أجبرت العديد من النساء على النزوح المتكرر وتحمل أعباء تفوق طاقتهن، وتفاقمت معاناتهن مع انعدام الموارد الأساسية، مما جعلهن تكافحن للبقاء وسط بيئة معادية غير إنسانية تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
أوضحت الناشطة النسوية ظريفة أبو قورة أنه منذ اندلاع حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر على قطاع غزة، لم يكن التغيير في حياة النساء مجرد تحول بسيط، بل كان انقلاباً جذرياً قلب موازين حياتهن رأساً على عقب "بينما كان النزوح في بداية الحرب يقتصر على انتقال الأهالي من شمال قطاع غزة إلى جنوبه استجابة لأوامر الإخلاء التي أصدرتها القوات الإسرائيلية، باتت الأوضاع في الوقت الراهن أكثر تعقيداً، حيث أصبح النزوح يحدث داخل نفس الدائرة الجغرافية، ومثال على ذلك ما حدث في مدينة رفح ، حيث أجبر السكان على النزوح إلى منطقة مواصي خان يونس، التي تروج كملاذ إنساني آمن، لكن الواقع على الأرض تثبت أنها ليست سوى محطة جديدة لمزيد من المعاناة".
وبينت أن هذا النزوح المتكرر والمتفاقم يعكس تأثيره المدمر على النساء فالنزوح المفاجئ الذي يعد بحد ذاته كارثة، لا يتيح للعائلات المتضررة أي فرصة للتخطيط أو إيجاد بدائل ملائمة، خاصةً مع تضاعف أعداد النازحين بشكل غير مسبوق، وليس الحال أسوأ من ذلك فحسب، بل تضاف إليه معضلة قلة وسائل النقل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، مما يجعل العثور على مكان للإيواء أو وسيلة للنقل بمثابة مهمة مستحيلة.
وفي ظل الظروف القاسية تضطر النساء إلى النوم على الأرصفة وفي العراء، حيث تواجهن تقلبات الطقس القاسية والظروف الصعبة بل وأكثر من ذلك، فإن منطقة مواصي خان يونس، التي يقيم فيها مئات الآلاف من النازحين، ليست سوى صحراء قاحلة مليئة بالحشرات والثعابين والفئران، مما يجعل الحياة فيها أقرب إلى العيش في جحيم لا ينتهي كما قالت.
وأكدت أن هذه التحديات والصعوبات الشاقة ليست سوى جزء من الصورة إلى جانب بناء الخيام وتوفير الحد الأدنى من الظروف المعيشية، حيث تجد النساء أنفسهن غارقات في أعباء إضافية تفاقم من معاناتهن "من المؤسف أن تضطر النساء لجمع الحطب والطهي وجلب المياه التي أصبح الحصول عليها مهمة مستحيلة، وأن هذه المهام تضاف إلى قائمة طويلة من الواجبات اليومية التي تزيد من حجم الضغوط النفسية والجسدية، وفي ظل هذه البيئة الفوضوية، تتحول الحياة إلى صراع دائم للبقاء، حيث تدفع النساء الثمن الأكبر نتيجة انعدام الأساسيات والمقومات الحياتية".
وفي محاولة منهن لمواجهة هذه الضغوط تلجاً العديد منهن إلى البحث عن عمل بأي وسيلة ممكنة، بهدف تأمين أبسط احتياجاتهن واحتياجات أسرهن، لكن العمل بحد ذاته لم يعد كافياً لتخفيف العبء، إذ أن غياب المعيل عن الأسرة إما نتيجة الفقدان أو الإصابة أو البطالة، يجعل المرأة تحمل على عاتقها إدارة كافة شؤون العائلة "مئات النساء والفتيات تضطررن للعمل في بيع البضائع البسيطة، وإعداد الخبز، وتنظيف مراكز الإيواء" كما أوضحت.
ولفتت إلى أن النساء مجهدات من الأعمال المنزلية اليومية التي لا تنتهي، وهذا العبء الإضافي أدى إلى ظهور العديد من الأمراض الجسدية، منها مشاكل في المفاصل والعظام وحتى الجهاز التنفسي، التي باتت تظهر بوضوح في أروقة المستشفيات المكتظة.
وترى أن هذه الظروف الاستثنائية تستدعي تحركاً نسوياً عاجلاً، فقد أدى تدمير المقرات الخاصة بالمؤسسات النسوية، وتوقف تمويل العديد منها، إلى تفاقم معاناة النساء بشكل غير مسبوق، وفي ظل غياب هذه المؤسسات، فإن النساء في قطاع غزة تواجهن تحديات كبيرة بمفردهن، بدون أي دعم يُذكر، وهذا يبرز أهمية التضامن النسوي والعمل الجماعي، فبدون هذا التكاتف، لن تتمكن النساء من الصمود في وجه هذه الصعوبات.
وأكدت على أنه من الضروري إطلاق حملات دعم ومساندة مكثفة تهدف إلى إعادة الأمل للنساء وتعزيز دورهن في المجتمع، فالحرب لم تدمر فقط البيوت والمنازل، بل دمرت القيم والكرامة الإنسانية، وهو ما يتطلب جهوداً جماعية لمساعدة النساء على استعادة مكانتهن في المجتمع "يعد العنف الأسري أحد التحديات الجديدة التي تواجهها النساء بشكل يومي، فكلما ازدادت الظروف المعيشية قسوة، كلما ارتفعت معدلات العنف داخل الأسر، لذا يجب أن تكون هذه الحملات داعمة للمرأة ليس فقط من الناحية المادية، بل أيضاً من الناحية النفسية والاجتماعية، للمساهمة في تقليل حدة العنف المتزايدة".
وتعد معاناة النساء في قطاع غزة نتيجة لتراكم الصعوبات والأزمات التي تفاقمت على مدار سنوات من الحروب والحصار، والحرب الحالية كشفت عن هشاشة الوضع المعيشي للنساء في القطاع، وجعلتهن في مواجهة مباشرة مع تحديات تفوق قدراتهن، إن الثبات في وجه هذه الظروف ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية فرضها الواقع الأليم، ولكن حتى مع هذا الصمود، فإن الدعم الخارجي سواء كان من قبل الأفراد أو المؤسسات، يبقى ضرورياً لتمكين النساء من مواصلة حياتهن بشيء من الكرامة، في بيئة أضحت قاسية وغير إنسانية بكل المقاييس.