موظفات تونسيات تطالبن باعتماد العمل بنظام الحصة الواحدة
يعد العمل وفق نظام الحصتين وفق أراء الموظفات التونسيات شكلاً من أشكال العبودية ويؤثر سلباً على نفسية المرأة والمحيطين بها، ويمس أيضاً من استقرار العائلة التي تدفع بالأساس ضريبتها المرأة.
إخلاص الحمروني
تونس ـ تعيش المرأة التونسية الموظفة حالة من الإرهاق بسبب كثرة ساعات العمل واضطرارها للبقاء يوماً كاملاً خارج المنزل، وهو الأمر الذي ينهك قواها ويؤثر سلباً على نفسيتها أولاً وعلى محيطها العائلي وخاصة أطفالها وزوجها.
أكدت سمية القابسي موظفة في القطاع العمومي وتعيش هذا الوضع بشكل يومي "أن العمل بنظام الحصتين يمثل دماراً شاملاً للمرأة نفسياً وبدنياً"، وعن تجربتها الشخصية قالت "أنا أعمل في مندوبة الفلاحة بنظام العمل بحصتين، تعبت من رحلة الذهاب والإياب وأعيش كل يوم نفس التجربة، انهض باكراً في الساعة الرابعة من أجل أن أنهي كل واجباتي قبل الذهاب إلى العمل، أعد فطور الصباح، أعتني بابني الصغير الذي عمره لا يتجاوز عامٌ واحد وهو يعاني "متلازمة داون" ويحتاج الكثير من الاهتمام، بعد أن أقوم بإفطاره أضعه عند والدتي لتعتني به في غيابي".
وبينت "رحلتي اليومية مع التعب لا تنتهي هنا، فعند منتصف النهار استغل وقت الراحة بين الحصتين، لأعود إلى المنزل وأعد وجبة الغداء، وأكون محظوظة لو وجدت وقتاً لأكل مغرفتين أو 3 مغارف وأنا واقفة في المطبخ لأن الوقت يداهمني وأجبر على العودة إلى مقر العمل الذي لا يجب أن أتأخر عن موعد الحصة الثانية وإلا سيتم عاقبي".
وأوضحت أن البعض يحسدها على هذه الوضعية لأنها هي وزوجها يعملان ويحصلان على راتبين دون وعياً منهم بضريبة هذا الوضع "راتبي أدفع مقابله ضريبة تتمثل في استيقاظ أبنائي باكراً وجعلهم يرتدون ملابسهم ويفطرون وأعينهم مغلقة لإرسالهم إلى الروضة يوماً كاملاً ولا أراهم إلا بعد الساعة الخامسة، راتبي أدفع مقابله ضريبة تتمثل في الجري يوماً كاملاً في أروقة الإدارة والبقاء مجمدة وراء مكتب كبير والبقاء يوماً كاملاً بحذاء يؤلم قدمي، راتبي أدفع مقابله ضريبة تتمثل في مضي أعوام من عمري وأنا أجري وراء دروب الحياة دون أن استمتع بقهوة مع عائلتي أو قيلولة هادئة أو طبخ أكلة أحبها على نار هادئة".
وبخصوص توقيت العمل الإداري تقول المديرة بمؤسسة عمومية نسيمة عبد العالي أن "توقيت العمل في تونس يعتمد نظام الحصتين يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الخامسة بمعدل 8 ساعات في اليوم، وهو توقيت إداري محدد وفق القانون ويعتمده كلا الجنسين على حد سواء".
وأكدت أن المرأة الموظفة تعد المتضررة في الدرجة الأولى من اعتماد هذا النظام "رغم أن المرأة برهنت كفاءتها وتميزها في العمل بالانضباط وتقلدها العديد من المسؤوليات والمناصب إلا أن نظام العمل بحصتين والبقاء يوماً كاملاً خارج البيت أثر سلباً على دورها الهام والرئيسي لكونها المسؤولة عن العائلة، باعتبارها هي الأم والزوجة وربة البيت".
وأوضحت أن "العمل يستغرق وفق التوقيت الإداري بنظام الحصتين الكثير من الساعات التي تقضيها في الإدارة على حساب عائلتها وأولادها وحياتها الشخصية والاجتماعية والثقافية عموماً"، مؤكدةً أن الوقت حان للنظر من جديد في توقيت العمل الإداري خاصة بالنسبة للمرأة وأيضاً للرجل بحكم أن قانون نظام الحصتين قانون قديم أكل علية الدهر وشرب من جهة، وبحكم أن الإدارة الحديثة في أغلب البلدان الحديثة تعتمد نظام العمل حسب الأهداف تعني "النظام يعتمد على جودة العمل وليس على ساعات العمل" من جهة أخرى.
وطالبت بضرورة اعتماد توقيت الحصة الواحدة مع التفكير أيضاً في اعتماد نظام المناوبة من أجل مساعدة المرأة الموظفة لضمان نجاح مهامها الإدارية دون إهمال مسؤوليتها العائلية والاجتماعية.
من جانبها أكدت الدكتورة المختصة في علم النفس وتعمل على مواضيع متعلقة بالصغار وكبار السن والأسرة إيناس بن سليمة أن "العمل مهم للمرأة من أجل إثبات ذاتها ودعم شعورها بأنها ذات قيمة اجتماعية ولها استقلالية مادية وبإمكانها التفاعل مع المجتمع بصفة إيجابية وتملك حياة اجتماعية".
وأوضحت أن "العمل بنظام الحصتين أصبح عبئاً على المرأة بحكم أنها مطالبة بوظيفتين (وظيفة العمل، ووظيفة والأم وربة البيت والزوجة)، فبحكم تعاملي المباشر مع بعض الموظفات لاحظت أن العمل بحصتين يرهق المرأة، من الجانب الجسدي لأنها أصبحت مجبرة على النهوض باكراً من أجل ضمان توافق بين واجباتها اتجاه عائلتها وعملها مثل أن تطبخ طعامها في المساء بعد عودتها من قضاء يوماً كاملاً مرهقة وقلقة وفي مرحلة أخرى تهتم بأولادها".
وأشارت إلى أن الأمر الذي يزعج راحة الزوج ويتهمها بقلة الاهتمام وإذا اهتمت بزوجها يتهمها أطفالها بالإهمال والتقصير وهذا من شأنه أن يؤثر على صحتها الجسدية ولا تجد الوقت للاهتمام بجمالها وأنوثتها وممارسة الرياضة.
ومع مرور الوقت، أصبحت المرأة الموظفة مطالبة بأن تكون امرأة مثالية في العمل لتثبت وجودها وفي نفس الوقت مطالبة بإتمام وظيفتها كأم من رعاية ورضاعة ومراجعة دروس لأولادها، إضافة إلى دورها كزوجة فهي مطالبة بالقيام بكل هذه الوظائف بنجاح كل يوم، كما قالت.
وتساءلت إيناس بن سليمة عن الحل الممكن اتباعه إذا كانت المرأة تطالب بحقها في العمل من أجل ضمان استقلالها الذاتي وفي نفس الوقت تريد أن تكون زوجة صالحة وأمٌ مثالية، واقترحت بهذا الخصوص تخصيص ساعات عمل أقل أو العمل بحصة واحدة للتفرغ بقية الوقت وتنظم وقتها بين العمل والعائلة لأنه الحل المناسب لمنح المرأة الموظفة متسع من الوقت للاعتناء بأولادها ومنزلها وزوجها، مؤكدةً أن هذا الأمر سيمنحها طاقة ورغبة في التجديد والتغيير وإثبات ذاتها بطريقة إبداعية.
وبينت أن مجموعة من النساء والرجال اطلقوا سابقاً حملات توعوية على مواقع التواصل الاجتماعي حول موضوع التوقيت الإداري الأنسب اعتماده في تونس، توجت بعريضة حملت أكثر من 10 آلاف توقيع وتضمنت العريضة تضرر الأغلبية من العمل بالتوقيت الإداري الحالي، المتمثل في ثماني ساعات عمل في اليوم وعلى امتداد حصتين، والمطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة مراعاة لمصلحة الأسرة وحماية للطفل، مشيرة إلى أنه تصدر المطالبين بهذا النظام الموظفات المتزوجات، معتبرات أن ذلك سيساعد على استقرار أسرهن وسيوفر لهن وقتاً أطول مع أولادهن ويرون إن فائدة العمل ليست في عدد الساعات بقدر ما هي في نوعية أدائه.
وطالب الموقعون/ات على العريضة بإمكانية إجراء استشارة وطنية واسعة تشمل كل الأطراف المتداخلة، من أجل صياغة مشروع قانون نهائي يعتمد نظام العمل بتوقيت الحصة الواحدة مع الإبقاء على يومي السبت والأحد كراحة أسبوعية مع مراجعة عدد ساعات العمل والتخفيض منها إلى 35 ساعة بالأسبوع.
وتجاوباً مع هذه المطالب، أعلنت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال موسى منذ فترة عن إطلاق \ لجنة تفكير وطنية للنظر في جدوى اعتماد نظام الحصة الواحدة في العمل وستكون ممثلة من الجنسين حسب قولها.
ومن المتوقع أن تعمل هذه اللجنة على امتداد عام كامل بمشاركة الهياكل الحكومية والمجتمع المدني وخبراء في مجال علم النفس والاجتماع ومختصين في المجال الاقتصادي للتفكير معاً وصياغة مخرجات التي سوف تحدد الخطوات المستقبلية والمشاريع الكبرى حول مدى جدوى فرضية اعتماد نظام عمل بحصة واحدة في تونس للأسرة التونسية.