"مؤسسة عامل الدولية"... مسيرة نضال نسوي من لبنان إلى العالم

ترشحت "مؤسسة عامل الدولية" لجائزة "نوبل" للسلام، وهي في طليعة المؤسسات الإنسانية في لبنان والمنطقة

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ ترشحت "مؤسسة عامل الدولية" لجائزة "نوبل" للسلام، وهي في طليعة المؤسسات الإنسانية في لبنان والمنطقة، ورسخت مكانتها في حاضرة الوجع والمعاناة، كما صاغت مفاهيم جديدة للتطوع تحت عنوان واحد ألا وهو خدمة الإنسان بغض النظر عن طائفته ولونه وجنسه.

هكذا وباختصار يمكن تعريف "مؤسسة عامل الدولية"، ويمكن كذلك الولوج إلى عالمها توجهاتها وإنجازاتها، فتاريخها يستحضر قيماً إنسانية من الصحة إلى ترقية واقع المرأة لتكون قيمة مضافة في مجتمعها سواءً كانت عاملة أو منتجة وحاضرة في ميادين الحياة كافة.

 

الخطوات الأولى للمؤسسة

خطت "مؤسسة عامل الدولية" خطوات واسعة وعبر برامج متنوعة استلهمتها من تلبية حاجات المجتمع منذ تأسيسها عام 1979، وتحولت هذه المؤسسة المحلية إلى دولية في عام 2010، مع مراكز منتشرة في كافة المناطق اللبنانية، ونحو العالمية بفروع في جنيف والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وغيرها، وتضم الآن أكثر من ألف عامل/ة، ومتطوعين/ات تشكل النساء نحو 85% منهم، كما ترشحت لجائزة "نوبل" للسلام في عام 2016 تقديراً لإنجازاتها الإنسانية والحقوقية، خاصةً من ناحية المطالبة بحقوق الإنسان من خلال العمل الميداني مع الناس لا سيما في المناطق المهمشة والفقيرة، والتي تمس كافة فئات المجتمع في لبنان أو اللاجئين بغض النظر عن الانتماء الديني أو السياسي.

 

برامج "مؤسسة عامل الدولية"

 

 

قالت الدكتورة في العلوم السياسية زينة مهنا وهي عضو مجلس إدارة في المؤسسة، أنه "بدأت المؤسسة باسم "الهيئة الوطنية للعمل الشعبي" لتتحول بعدها لمؤسسة عامل، بحيث أنها تعمل في إطار وطني شامل مع الجهات الفاعلة من المجتمع المدني، وترتبط رمزية اسم مؤسسة عامل بالشخص العامل، أي الذي يكافح ويخلق التغيير، وهي كلمة قصيرة ولكن سريعاً ما أصبحت مألوفةً لدى المجتمع الذي خدمته لتشكل جزءاً منه".

وأضافت "أصبح اسم المؤسسة مرادفاً لإصلاح وتطوير المجتمع، وشعارنا هو "التفكير الإيجابي والتفاؤل المستمر"، ونعمل ضمن برامج عددها 16 برنامجاً متنوعاً، ومنها الشق الصحي المتعلق بالنساء، خاصةً بعد الأزمة الاقتصادية الراهنة، وقد تمكنا في هذا المجال العام الماضي من الوصول إلى أكثر من 34 ألف مستفيدة، 4500 امرأة لتوعيتهن حول العنف المبني على النوع الاجتماعي، 3000 امرأة لتوعيتهن حول الصحة الإنجابية، 3500 امرأة اجرينّ فحوصات المسحة المهبلية، و3000 امرأة استفدن من صور أشعة للثدي، و130 امرأة استفدن من المساعدة المالية، و25 ألف امرأة حصلنّ على حصة نظافة وتحتوي فوطاً صحية ومعجون أسنان على سبيل المثال، كما قمنا بخياطة فوط يعاد استعمالها في مشاغلنا ووزعناها، وخدمات أخرى تخص الصحة الإنجابية بالمجمل".

وأوضحت أن "بالإضافة إلى الفروع الدولية، لدينا 28مركزاً صحياً منتشراً في معظم المناطق اللبنانية، بيروت وضواحيها، وبعد انفجار مرفأ بيروت افتتحنا مركزاً في الأشرفية بمنطقة كرم الزيتون وبرج حمود والعرقوب، ولدينا 6 عـيادات متنقلة لتغطي بقية المناطق من مخيمات وقرى نائية، وتؤمن هذه العيادات معظم خدمات المراكز الصحية وفيها طبيب وممرض، فضلاً عن مركبتين خاصتين ببرنامج التربية ومركبة خاصة للأطفال المشردين".

 

دور المرأة في مؤسسة عامل

فيما يخص المرأة، قالت "يوجد قابلات قانونيات في معظم المراكز الصحية التابعة للمؤسسة، كما تعاين وتتابع النساء في المنازل، سواء بهدف التوعية حول الصحة الإنجابية أو متابعة حملهن، ومن ضمنها ما بعد الولادة، للوقاية من الالتهابات والأمراض والعناية بالنظافة الصحية وغيرها، نعمل في هذا المجال بصورة شاملة وبالتنسيق مع أفراد الأسر، كما نقوم بتحويل بعض الحالات لطبيبة نسائية لإجراء صور بالموجات فوق الصوتية وإعطاء المكملات الغذائية". مضيفةً "نؤمن الوصول إلى الخدمة الصحية النوعية لجميع المرضى الذين يقصدوننا، وبكلفة ضئيلة خاصةً في هذه الفترة، مع معاينة الطبيب والأدوية المجانية".

وأوضحت الدكتورة زينة مهنا أنه "من ضمن البرامج أيضاً تقديم الدعم الصحي ودعم اللاجئين والعمال المهاجرين والمسنين ومكافحة الاتجار بالبشر وحماية الطفولة، والتدريب المهني وتنمية القدرات البشرية والتنمية الريفية، والتربية والتعليم وتمكين النساء والشباب، أما آخر هذه البرامج فهي البيئة والاستدامة، والصحة النفسية والذي بدأنا به إثر انفجار مرفأ بيروت".

 

أمثلة على خدمات خاصة بالنساء

اعتبرت زينة مهنا أن "النساء من الفئات المهمشة الحقوق وخاصةً الأحوال الشخصية لا تمثيل لهن في صنع القرار، ونحن في مؤسسة عامل نؤمن بأن الإنسان بحاجة للدعم، وفيما يخص المرأة فإن تمكينها يساعد الأسرة بكاملها، إذ تساعد أطفالها وتؤمن مناخاً سليماً لتطور المجتمعات، وندعمها من الناحية الصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية، كل برنامج له اختصاص لنتمكن من الوصول إلى سبل تمكين النساء اقتصادياً للحصول على مردود مادي، وأيضاً من ناحية الاتجار بالبشر فلدينا مختصون يتابعون سبل الوصول للنساء اللواتي يجري المتاجرة بهن، وكيفية متابعة هذه الحالات لنتمكن من مساعدتهن وتمكينهن ليستطعن الاستمرار، وذلك بالتنسيق مع وحدة الاتجار بالبشر لدى الجهات المعنية المختلفة، لعل العائق الأكبر هو رصد هذه الحالات ثم تأمين العناية والحماية الكاملة للضحايا".

وأضافت أن "الاتجار بالبشر يزداد في فترة الأزمات وتدني مستوى العيش مثلما يحصل في لبنان، كما أن المهاجرات يقعن بمشاكل أخرى مع أرباب العمل، واللواتي لا يعملن وليس لديهن جوازات سفر استطعنا أن نؤمن عودة 300 امرأة منهن إلى بلادهن، مع تأمين وثائق للعودة ودفع المستحقات الواجبة عليهن للدولة، كما وأمنا فحوصات فيروس كورونا لهن وغيرها من الخدمات، وبسبب الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا فقد ساهمنا بمساعدة أكثر من ألف عامل بتأمين جزء من أجورهم".

وأكدت أن "المؤسسة حريصة على مصادر التمويل لخدمة الإنسان والدعم بشكل عام، عبر جمعيات عالمية وبرامج موجودة للدعم الإنساني دون أي تمييز، وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية حرصت المؤسسة على خلق وظائف عبر تمكين النساء في المناطق الريفية، بأن يصنعوا منتجات يمكننا عرضها في متجر تابع للمؤسسة أو من خلال معارض نشارك بها، ونحاول العمل على تصدير بعض المنتجات وتسويقها في الخارج".

يوم المرأة العالمي

 

واكبت وكالتنا نشاطاً للمؤسسة بمناسبة يوم المرأة العالمي في الثامن آذار/مارس بمجمع "زيكو هاوس" بمنطقة الصنائع في بيروت، وقالت هبة قشور منسقة برنامج العنف المبني على النوع الاجتماعي والصحة الإنجابية والجنسية "حضّرنا هذا العام نشاطاً ضم ناجيات بلغ عددهن حوالي مئة امرأة تحت شعار "يوم لك" وأنشطة منوعة في ما يعرف بـ "العلاج بالفنون"، علاج بالرقص، معرض لمنتجات يدوية من صنع النساء، جلسات حوارية تشكل فرصة للاستماع لمهاجرات ولاجئات يناضلن في شتى ميادين الحياة وفقرة مسرحية بالتعاون مع جمعية لبن، حيث يعتمد في المسرحية طريقة تشاركية تفاعلية مع الجمهور".

ووجهت رسالة طلبت فيها من المرأة أن تؤمن بنفسها وأنها عنصر تغيير، وقالت "نأمل أن تتمكن المرأة من أن تقوم بقفزة نوعية وتوصل صوتها، وعلى النساء أن تعمل على تمكين أنفسهن من كافة النواحي لأن هذا يساهم بتنمية اجيل جديدة والمجتمع بصورة أفضل".

ونوهت هبة قشور إلى أن "شاركت حوالي 100 امرأة وفتاة في هذا النشاط، والهدف منه هو الإشارة إلى أنه لازال الاحتفال بيوم المرأة العالمي لا يوفيها حقوقها، فهناك الكثير من النساء يتم تعنيفهن والبعض يحرمن من أولادهن وبعضهن تمارس عليهن الذهنية الذكورية ليس في لبنان فحسب بل في العالم أجمع، لا القانون يقف في صف المرأة ولا المجتمع، لذا نحاول الإضاءة على هذه الأمور عبر ندوات ونقاشات مستمرة، ونحاول أن نقدم ولو خدمة صغيرة للنساء من خلال الترفيه وأن يقضين يوماً يعبرن عن أنفسهن بحرية عبر المسرح والتمثيل، والهدف هو أن يتعرفن على بعضهن البعض وعلى قضاياهن المشتركة بغض النظر عن جنسياتهن والمناطق التي أتين منها، وأن يكتسبن فائدة من تجاربهن المختلفة، فالقضايا النسوية واحدة، مقابل الذكورية المتمكنة من السلطة سواء في القانون أو في العادات والتقاليد".

وأشارت إلى أن "كل امرأة مشاركة في هذا النشاط لديها قصة، تم اختيارها بمعايير معينة للمشاركة فيه، وتقديراً لجهودها في مواجهة هذه التحديات والصورة النمطية التي تعترضها، كما أن نشاطنا مفتوح لكل شخص يرغب بالمشاركة فيه، ولكن النساء اللواتي تم اختيارهن عبر مراكزنا المتعددة هن نساء عشن معاناة في ظل المجتمع الذكوري وهن بحاجة لمثل هذا الدعم النفسي".

ولفتت إلى أن "هذا النشاط يساهم بشعار يوم المرأة، حيث يضم معرضاً لمنتجات مراكز مؤسسة عامل، والتي تعنى بدعم النساء علمياً وثقافياً ونفسياً واجتماعياً واقتصادياً، وهو يضم أشغال يدوية ومنتجات غذائية متنوعة، ومنها الجانب البيئي من ناحية استخدام مواد أعيد تدويرها من نفايات ليتم تحويلها إلى منتجات مفيدة، يمكن للنساء بيعها لتمكينهن اقتصادياً، ولإتاحة الفرصة لهن لزيادة دخلهن في ظل الأزمة الاقتصادية، والتي تتأثر بها النساء بصورة أكبر كونهن من الأكثر تهميشاً، حيث يتم محاصرتهن والضغط عليهن من قبل المجتمع، لذا يعتبر التدريب المهني والتمكين الاقتصادي من الجوانب الأساسية التي تعنى بها المؤسسة خدمة للنساء ما يساهم باستقلالهن المادي والمعنوي، حيث لا يقتصر عملنا على هذا النشاط، بل ثمة معارض مختلفة تتم في كافة المناطق اللبنانية، ضمن إطار المؤسسة".

وأضافت "يوم المرأة العالمي محطة أساسية في المؤسسة، وفي هذا اليوم اخترنا مركز "زيكو هاوس"، وهو مركز لجمعية للنشاطات الثقافية والاجتماعية والفنية البناءة، لهذا فعنوان هذا اليوم "يوم لك"، وقد انضمت إلينا نساء من مختلف مراكز مؤسسة عامل، فضلاً عن نساء من خارج المؤسسة أحببن المشاركة في الاحتفالية، ومن مختلف الجنسيات، وهناك محطات عدة ضمن النشاط، فالمحطة الأولى يجري فيها نقاشات حول قضايا المرأة المختلفة، من موضوع حق إعطاء الجنسية لأولادها، حقوق النساء العاملات، حق الحضانة وغيرها من النقاشات التي تهم النساء، وفي محطة ثانية نحاول الترفيه عنهن، حيث هناك ألعاب تحدي وألعاب فنية هادفة، والمحطة الثالثة وهي العلاج بالرقص، ومدتها 40 دقيقة كدعم نفسي لهن، وفي نهاية اليوم، استمعنا إلى قصص النساء من خلال مسرح يهدف لإعادة التمثيل بالشراكة مع مسرح لبن، لمشاركة قصصهن بصورة تفاعلية على المسرح".

وعن دور المنظمات في دعم النساء اختتمت هبة قشور حديثها قائلةً أن "جميع المنظمات النسوية لهن دور في دعم النساء، طالما هي بعيدة عن أزقة السلطة السياسية الضيقة، وما يميز مؤسسة عامل حيث تخدم النساء بمقاربة مجتمعية، وتخدم النساء من كافة المشارب ونستلهم نشاطاتنا من حاجات الناس ومطالبهم، ومنذ يومين تابعنا نساء من الشارع وأخذنا آرائهن بما يردنه في يوم المرأة العالمي، وهو ما نحاول تطبيقه في هذا النشاط وفي خدمات المؤسسة المختلفة".

 

فيما التقينا مع لمياء رمضان مديرة "مركز بشار مهنا ومسلم عقيل" في مؤسسة عامل فرع الشياح، وقالت أن "شارك مركز بشار مهنا ومسلم عقيل في مؤسسة عامل بهذا النشاط بتقديم منتجات تقليدية من صنع العاملات الأجنبيات في لبنان اللاتي يضمهن المركز، كما ارتدين لباسهن الفلكلوري وقمنَ بأداء الرقصات والأغاني التقليدية لبلادهن".