مستقلات على صفيح ساخن
ـ تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر لدفتر يوثق معاناة كل فتاة تعيش بمفردها بعد مقتل داليا أو "قتيلة السلام" التي لقت مصرعها بعد اقتحام مالك وحارس العقار لشقتها
نيرمين طارق
القاهرة ـ تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر لدفتر يوثق معاناة كل فتاة تعيش بمفردها بعد مقتل داليا أو "قتيلة السلام" التي لقت مصرعها بعد اقتحام مالك وحارس العقار لشقتها، نظراً لكونها امرأة تقيم بمفردها في شقة بحي شعبي، يؤمن أفراده أن النساء لا يجوز لهن الحياة دون وصاية الرجال.
في تعدٍ وانتهاك لخصوصيتها، اقتحم مالك وحارس العقار شقة داليا البالغة من العمر 34 عاماً، وهي موظفة تعمل في القطاع الصحي، لوجود عامل معها في الشقة لتغيير أنبوبة البوتاجاز "أسطوانة الغاز".
وعلى إثر هذا الحادث ألتقت وكالتنا وكالة أنباء المرأة بمجموعة من الفتيات المستقلات، للحديث عن المشاكل التي تواجه كل فتاة أجبرتها ظروف الحياة على العيش بمفردها.
تقول مهندسة الاتصالات مارينا سامي "بعد تخرجي من كلية الهندسة تركت صعيد مصر، لندرة فرص عمل مناسبة هناك، وعشت لمدة عام في دار مغتربات تابع للكنيسة، إلى أن قررت بعد مضي عام أن أعيش بمفردي في شقة إيجار بسعر مناسب".
بعد انتقال مارينا سامي إلى شقة بمفردها تعرضت للعديد من المضايقات من قبل الجيران وحارس المبنى "عندما عدت متأخرة في أحد الأيام بسبب حضوري حفل زفاف صديقتي، قالت لي صاحبة شقة السكن هنا يتطلب الاحترام والالتزام، وفي حال العودة متأخراً لأي سبب فلن يتم تجديد عقد الإيجار، وقالت لي بلهجة حادة أنت هنا للعمل وليس لحضور الحفلات فشعرت أن الحياة تحولت لسجن داخل شقة إيجار" .
فيما تقول طبيبة الأطفال غادة التهامي "تركت منزل أبي بعد موت والدتي، لأنه تزوج من امرأة أخرى، ولم أشعر بالراحة مع زوجته، لم يعترض أحد من الجيران على عودتي متأخرة نظراً لكوني طبيبة".
وبالرغم من أن أحداً لم يعترض على تأخر غادة التهامي في العودة إلى المنزل باكراً، إلا أنها تعرضت لانتهاك خصوصيتها "أتذكر عندما كان السباك هنا منذ عدة أشهر لإصلاح عطل في دورة المياه، قام صاحب العقار وابنه بفتح باب الشقة وأنا بداخلها دون طرق الباب، فوجئت أنه في حوزته نسخة من المفتاح وشعرت بالرعب، لأنه بهذه الطريقة سيتمكن من فتح باب الشقة في أي وقت".
وتتابع "عندما وجد السباك يعمل في دورة المياه، بينما كنت جالسة في غرفة المعيشة، قال لي بكل برود يا دكتورة قبل دخول أي عامل البيت أخبرينا، فنحن عائلتك ولن نتركك وحدك معه، لكن عندما رفضت فكرة وجود نسخة من المفتاح معه، قال لي يجب أن يكون معنا نسخة فأنت هنا بمفردك ويجب متابعتك لأنك بدون أب أو أخ".
ولا تختلف معاناة نادين محمود كثيراً "تركت منزل عائلتي بسبب التعرض المستمر للاعتداء البدني من قبل أخي، وبالرغم من ذلك لم تحرك والدتي ساكناً بل كانت تشجعه على ضربي، لأنها تربت على مثل "اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين".
بعد انتقال نادين محمود إلى شقة إيجار بمفردها، بدأت ترى في نظرات الجيران لوم ونقد لها "عندما حاولت الاقتراب من فتيات من نفس سني من الساكنين معي في نفس المبنى، لم أجد ترحاب أو قبول، فهم يروني فتاة منحرفة تركت منزل عائلتها".
تتساءل نادين محمود "هل يجب أن أعيش مع أخي، حتى أجد نفسي في المستشفى يوماً ما للعلاج من عاهة مستديمة كمثل ملايين الفتيات اللواتي يتعرضن لتشوهات بسبب عنف الأب والأخ في مجتمع لا يقدم حماية للفتيات من العنف الأسري" لكي تتخطى نظرات الاستحقار واللوم.
وعن تجربة الاستقلال تقول الصحفية ميسون أبو الحسن "أنا من محافظة الإسماعيلية، في عام 2013 تركت منزل عائلتي للإقامة في القاهرة، واجهت مع مجموعة من الفتيات المغتربات صعوبة في إيجاد شقة سكنية نعيش فيها نظراً لظروف عملنا، فغالبية أصحاب العقارات يقولون لماذا نتحمل مسؤولة فتيات يعشن بمفردهن".
وتوضح ميسون أبو الحسن أنهن حتى عندما يجدن صاحب عقار يرحب بهن، يواجهن مشكلات من نوع آخر كالاستغلال المادي "لأننا نعيش بمفردنا ولا نعتمد على رجل ليدافع عنا، نتعرض للاستغلال المادي، فعلى سبيل المثال عامل النظافة كان يأخذ من جميع الشقق عشرة جنيه، وكان يأخذ منا خمسين جنيه، بالإضافة لعدم تقبل الجيران فكرة وجودنا بدون أسر".
وتضيف "حالياً نحن نسكن في حي الدقي وهو حي راقي، ولكن جارة لنا قالت لصاحبة العقار، أننا نعود إلى المنزل في وقت متأخر يومياً وهناك شخص يقوم بتوصيلنا، وهذا غير صحيح طبعاً، وبالرغم من ذلك وجودنا كصحفيات في سكن مستقل يزعجها".
وعن الاستغلال المادي تقول المحامية هالة دومة حول تجربتها "منذ فترة ذهبت إلى الإسكندرية نظراً لوجود عدة جلسات متتالية للمحاكمة، وعندما حاولت حجز غرفة في فندق، إلا أن الإدارة رفضت، فهم يحجزون للعائلات فقط، وعندما ذهبت للبحث عن شقة إيجار تعرضت للاستغلال المادي من أصحاب الشقق، فهم يطلبون مبالغ مضاعفة هذا في حال وافقوا على طلب إيجار الشقة، بالإضافة لنظرة حارس المبنى المليئة بالشكوك، واعتقاده أنني فتاة قررت الهروب من عائلتها لسبب غير أخلاقي وغيرها من المضايقات".
وكذلك الحال مع الأخصائية النفسية منى الحسيني التي اتخذت قرار الاستقلال عن عائلتها، تقول منى "والدتي وقفت إلى جانبي عندما اتخذت قرار الاستقلال، وهي من كانت تبحث لي عن شقة أعيش فيها، إلا أن أصحاب العقارات كانوا يرفضون عيش فتاة بدون أسرتها".
وبعد أن تمكنت منى الحسيني من إيجاد شقة للعيش فيها، تعرضت للمراقبة "كان حارس المبنى يطرق الباب في أي وقت كان، ويدعي السؤال عن أي شيء، أو أن هناك من يريد شراء الشقة، أو للسؤال عن إذا كان هناك عطل أو مشكلة وأريد إصلاحها، كنت على علم أن هذا نوع من أنواع الشك والمراقبة، فهو كان يعتقد أن هناك رجل معي في الشقة".
وما زالت العديد من النساء المستقلات في مصر يتم انتهاك خصوصيتهن والتعدي عليها، دون وجود أي إجراءات رادعة لقمع هذه الانتهاكات، ففي كل مرة تفارق الضحية الحياة أو تصاب بعاهة جسدية بعد التعدي عليها من قبل إما الجيران أو صاحب الشقة، لا لشيء فقط لأنهن قررن أن يستقلن في حياتهن والعيش بفردهن.