مشاريع من رحم المعاناة... سودانيات تتحدين معوقات النزوح

تخلق النازحات في السودان أعمال صغيرة في ظل الظروف الصعبة التي تواجههن خلال رحلة النزوح، متحديات الواقع الصعب من أجل الصمود في وجه الحرب المستمرة منذ أكثر من عام.

سلمى الرشيد

السودان ـ منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل العام الماضي، تدور اشتباكات عنيفة على أكثر من محور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تسببت في سقوط العديد من القتلى والمصابين، فيما تسببت بنزوح ما يقارب 10.7 مليون شخص.

كانت الفنانة التشكيلية مهيرة عبد الفضيل تقطن في منطقة الحلفايا بمدينة بحري، ولكن بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نزحوا من منطقتهم في ظل ظروف صعبة جداً.

وعن بداية نزوحهم، قالت مهيرة عبد الفضيل، إن أصوات الاشتباكات بدأت تعلو من الاتجاه الغربي لمنطقة كبري الحلفايا حيث يوجد معسكر وبدأت أصوات مقذوفات الهاون تعلو "بشكل مخيف"، مما أدى إلى إحداث هزة في أركان المنزل، على حد وصفها، كما بدأ الرصاص يتساقط على المنازل، مبينةً أنهم لم يستطيعوا المكوث في المنزل سوى يوماً واحد، ومن ثم خرجوا إلى مكاناً آخر أكثر أماناً.

وتابعت "أكملنا أسبوع في هذا المكان، ومن ثم بدأت المعاناة تشتد حيث تم قطع المياه والكهرباء وسط اشتداد الاشتباكات ووصول مضادات الطيران، لذلك أجبرنا على الخروج من هذا المكان لكن لم نكن نعرف طريق يوصلنا إلى مكان آمن حتى قمنا بمتابعة مجموعات عبر مواقع إلكترونية كانت تقدم خدمة وصف طرق الخروج الآمنة من جميع المناطق".

وأشارت إلى أنه أثناء نزوحهم إلى مدينة الحصاحيصا مروراً بمنطقة شرق النيل كانت المنطقة مكتظة بأعداد كبيرة من النازحين بصدد الخروج من الخرطوم مضيفةً "عندما تحركت الحافلة لم تواجهنا أي تحديات تذكر إلى أن وصلنا إلى منطقة سوبا شاهدنا متحرك عسكري متوجه إلى الخرطوم ولم نعلم إن كان يتبع لقوات الجيش السوداني أم الدعم السريع مما أثار الرعب لدى جميع المتواجدين بالحافلة".

وبعد وصولها إلى مدينة الحصاحيصا مكثت في منزل أقربائها لمدة ثلاثة أشهر، وتقول إنه "كان من الضروري البحث عن فرص عمل، حينها قمت بالعمل في منتزه حيث كنت أقوم بالرسم على وجوه الأطفال ذلك بناء على خلفيتي في الفن التشكيلي والرسم، كما قمت بعقد ورشة عمل من أجل تعليم الأطفال فنون الرسم، بالإضافة إلى ورشة في مركز الإيواء بداخلية كلية التربية بمدينة الحصاحيصا".

ولفتت إلى أن الحرب المستمرة تسببت بضائقة مادية لأسرتها ما جعلها تجمع ما حصلت عليه من الورش وإنشاء مشروع صغير لصناعة الصابون اليدوي في المنزل، مشيرةً إلى أنها اجتازت كافة التحديات التي واجهتها في صناعة الصابون من شح المواد الخام.

وعن أهمية أن يكون لديها مهارة تكسب منها مردود مادي يساعد أسرتها في ظل ظروف النزوح التي طال أمدها، قالت إنها تلقت تمويل مالي مقدم من منظمة "عديلة" للثقافة والفنون، كان مخصص لدعم الفنانات التشكيليات بمدينة بورتسودان، مضيفةً أنها بدأت في عمل تحف عبر فن "الكونكريت" وهو أحد الفنون القديمة يقوم بصناعة المجسمات من خلال مواد خام مكونة من الجص والاسمنت الأبيض وبعض المواد الجيرية، وقامت مهيرة عبد الفضيل بتصميم أشكال لها علاقة بالتراث السوداني.

 

 

"تحملت الصعاب من أجل والدتي"

فيما كانت تعيش نعمات الحسن في حي "الفتيحاب" بمدينة أم درمان، وتعول أبناء ابنتها الأيتام، بالإضافة إلى والدتها المريضة بالشلل، وتقول إنه بعد أن اندلعت الحرب في السودان قررت الخروج من الحي الذي تعيش فيه، ففي طريقهم للوصول إلى تجمع المواصلات هاجمتهم مجموعة وسرقت هاتفها المحمول وحقيبة ملابسهم وحافظات المياه التي كانت تحفظ بها علاج والدتها المريضة.

وأضافت "واصلت رحلة البحث عن وسيلة تنقلنا إلى مدينة كوستي برفقة والدتي التي لا تستطيع الحركة وأبناء ابنتي الأيتام، فعند وصولنا إلى وجهتنا استضافتنا أسرة لا تربطنا بهم صلة قرابة أو سابق معرفة، لمدة ستة أشهر".

وعن التحديات التي واجهتها في كيفية تدبير أمور عائلتها، أوضحت أن ابنتها تعمل في إحدى المؤسسات الحكومية ولكن راتبها قليل لا يسد احتياجاتهم الأمر الذي جعلها تفكر في إنشاء مشروع صغير بعمل وجبة الفطور مكونة من الطعام الشعبي "كسرة وعصيدة"، وتجلس أمام بوابة المدرسة لبيعها، ومن ثم وسعت مشروعها وأصبحت تقوم بإعداد وجبة العشاء وبيعها أيضاً، لافتةً إلى أنها تحولت إلى امرأة منتجة وتقوم بتحمل نفقات تكلفة شراء العلاج لوالدتها التي تحتاج إلى أدوية شهرية.

 

 

"منزلي حطام"

ندى عبد الله، خريجة جامعة "بخت الرضا" كلية الزراعة والموارد الطبيعية وموظفة في معامل بمنطقة شمال بحري، عملت قرابة ثماني سنوات في هذا المجال، ولكن عندما اندلعت الحرب توقف كل شيء، وتقول "قررت الخروج من منطقة الصالحة بالخرطوم في اليوم السابع من الحرب برفقة أبنائي وشقيقتي".

وأضافت "قصة نزوحنا بدأت من مدينة الأبيض، وواصلت رحلة النزوح إلى منطقة الحمادي ومكثت فيها لمدة سبعة أشهر، ومن ثم قررت أن أمتهن أي حرفة لتحمل نفقات أبنائي حيث قمت بعمل الفلافل والكنافة وبيعها في السوق. قررت العودة مرة أخرى إلى الخرطوم بغرض جلب الأوراق الثبوتية، وعند وصولي إلى المنزل وجدته عبارة عن حطام، فذهبت إلى شقيقتي التي تعيش في ذات المنطقة، وقمت بصناعة الكيك والكنافة وبيعها في السوق بالقرب من منزل شقيقتي".

وتحدثت عن عدم توفر شبكات الاتصالات الأمر الذي تسبب في عدم قدرتها على إرسال المال لأبنائها والاطمئنان عليهم، وتقول "في إحدى المرات سقطت مسيرة في المكان الذي كنت أبيع فيه الكيك وكنت من ضمن الناجين، ثم قررت السفر إلى مدينة كوستي بالرغم من أن الطريق كان خطر ومعقد جداً حيث مكثت يومين وقضيت ليلة مفترشة الأرض".

حينها كان زوجها قد وصل إلى مدينة بورتسودان وكان عليها أن تلحق به، وتقول ندى عبد الله إنها كانت رحلة طويلة ومليئة بالتحديات "صعدنا على متن الناقلات الكبيرة وكانت قوات الدعم السريع في كل نقطة تفتيش تأمرنا بالنزول وتقوم بتفتيش متاعنا، وعند وصولنا إلى منطقة تندلتي شمال كردفان تم استهداف الحافلة التي كانت خلفنا وحدثت وفيات وكان السائق من ضمنهم".

وتأمل النساء في العودة إلى منازلهن التي نزحن منها قسراً وعشن مرارة النزوح واللجوء، مطالبات بتأمين بيئة صالحة للعيش وتنظيف مناطقهن من مخلفات الحرب وتوفير الحد الأدنى من الخدمات مثل المياه والكهرباء بعد أن دمرت الحرب كل شيء.