"مسالخ لا مشافي"... عنف التوليد يلاحق النساء في إدلب

"كأنني كنت في مسلخ بشري، أتلقى السب والعنف الجسدي واللفظي رغم وضعي الصحي المتعب والصعب، إنه تعذيب جسدي ونفسي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى"، بهذه الكلمات عبرت إحدى النساء عن العنف الذي تعرضت له في مشافي إدلب.

هديل العمر

إدلب ـ تضطر الكثير من النساء الحوامل بإدلب في الشمال السوري لقصد المشافي العامة من أجل وضع مولودهن لعدم قدرة أزواجهن المادية على التوجه للمشافي الخاصة ذات الأسعار المرتفعة، لينتهي بهن الأمر بالكثير من التعنيف والإساءة من قبل الكوادر الطبية.

تحاول سناء البرهومي (28 عاماً)، نسيان ما تعرضت له خلال ولادتها طفلها الأول حين ولدته في حمامات مشفى "الأمومة" في بلدة قاح شمال إدلب، وتقول "كنت على وشك الولادة بينما ابتلع آلام المخاض خوفاً من لفت الانتباه في الشارع أثناء توجهي للمشفى، كنت خائفة من تلك اللحظات غير أن احساسي برؤية طفلي القادم كان يدفعني لتجاوز كل تلك المخاوف".

وأضافت أنها ما إن وصلت المشفى حتى تم التعامل مع حالتها ببرود شديد من قبل القابلات والممرضات رغم حرج حالتها وآلامها المستمرة، بل وطلب منها بعد الفحص مغادرة المشفى والعودة لاحقاً بحجة الازدحام وعدم نزول الجنين إلى الحوض، ولأنها كانت تتألم بشدة رفضت المغادرة رغم إصرار الكادر على رحيلها، وحين دخولها الحمام فوجئت بمولودها يسقط هناك.

كان موقفاً محرجاً لسناء البرهومي التي خرجت تحمل مولودها بمفردها من حمام المشفى، لكنه لم يكن بذات الحرج بالنسبة للكوادر الطبية المستهترة التي لم تقدم لها ولزوجها أي اعتذار حتى عما حدث معها بسبب إهمالهم.

أما نزهة الجاسم (25 عاماً) صدمت حين تعرضت للضرب من كوادر مشفى الأمومة في بلدة دير حسان شمال إدلب، وعن تلك الحادثة تقول "كنت أتشارك آلام المخاض في غرفة مليئة بالأغطية الملطخة بالدماء يتواجد فيها أكثر من سبع نساء، وحين طلبت من القابلات أن تلد كل واحدة منا في غرفة بمفردها حفاظاً على الخصوصية تم نهري بعنف واعتبروني عدوة لهم".

يترجف صوت نزهة الجاسم بينما تروي ما كانت تشعر به في تلك اللحظات، وتقول "كأنني كنت في مسلخ بشري، أتلقى السب والعنف الجسدي واللفظي رغم وضعي الصحي المتعب والصعب، إنه تعذيب جسدي ونفسي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".

ولا تضع اللوم بكل ما تعرضت له إلا على الفقر الذي أجبرها على التعرض لكل تلك الإهانات والشتائم حين قصدت المشافي العامة، وهو ما دفعها لأخذ قرار بعدم الحمل والولادة مرة أخرى، إلا حين تتمكن من جمع المال الكافي لولادة لائقة في المشافي الخاصة حيث تعامل الحامل باحترام طالما أنها تملك ما يرد عنها بأس المنغصات والألم النفسي المضاعف.

وتبلغ تكلفة الولادة الطبيعية في المستشفيات الخاصة بإدلب قرابة 150 دولاراً أمريكياً بينما تبلغ كلفة الولادة القيصرية 200 دولاراً، ويستثنى في الحالتين ثمن الأدوية وأجور المبيت في المشفى والحضانة إذا ما احتاجها المولود والتحاليل.

من جانبها قالت المرشدة النفسية والاجتماعية وعد الدرويش (32 عاماً)، إن المرأة الحامل تمضي شهور طويلة من الأحلام والتعب والانتظار لرؤية طفلها أخيراً بعد ساعات مؤلمة وعصيبة من المخاض، غير أن ما يحدث من عنف داخل بعض مشافي التوليد العامة تقضي على فرحتهن بمولودهن الجديد، ليس ذلك وحسب وإنما تبقى آثار هذا العنف تلاحقهن طيلة حياتهن ويراودهن عند كل حمل قادم.

ولفتت إلى أنها لم تكن تتخيل أن يمارس العنف على امرأة في أصعب وأكثر اللحظات حرجاً في حياتها، وما يزيد من تلك الممارسات وتمادي المسيئين من الكوادر الطبية، أنه لا يوجد بلاغات عن تلك الانتهاكات أساساً من قبل المعنفات، لخجلهن عن التحدث عما تعرضن له من انتهاكات، كما لا توجد قوانين في محاكم إدلب تحمي حقوق النساء.

وطالبت النساء المعنفات بعدم الصمت على تلك الممارسات، وإنما تقديم شكوى لمنظمات المجتمع المدني الداعمة على الأقل، عليها تعمل بجدية وشفافية على تحسين الخدمات الطبية والانجابية داخل تلك المشافي آخذة ما تتعرض له تلك النساء بعين الاعتبار.