منها العزلة والإقصاء... هكذا يؤثر التمييز المبني للنوع الاجتماعي على النساء

يؤثر التمييز المبني على النوع الاجتماعي على النساء ويساهم بشكل رئيسي في حرمانهن من حقوقهن الإنسانية، وهو الأمر الذي تعمل مؤسسات المجتمع المدني والنسوي منها تحديداً على بحثه ووضع حلول له.

أسماء فتحي

القاهرة ـ على الرغم من دخول النساء المعترك السياسي ونجاحهن في المجال العام، إلا أنهن حتى الآن تصادفن معوقات في التواجد بمعظم المجالات لكون أغلب من بها يعتنقون الأفكار الذكورية التي تقلل من شأن المرأة وقدراتها القيادية.

"تركت عملي وقررت أن أبقى في المنزل وأمارس بعض الأعمال المنزلية لأني لم أعد أطيق التواجد في مكان عمل يتحكم به الذكور ويروننا أقل منهم فيه" بتلك العبارة بدأت سلوى عادل "اسم مستعار" حديثها حول تأثر النساء بالممارسات التمييزية.

سلوى عادل لم تكن الفتاة الوحيدة التي قررت ترك العمل ولم تتحمل التمييز، بل هناك الكثيرات تفضلن ذلك هرباً من الهيمنة الذكورية في بعض أماكن العمل والتي تتعمد إقصائهن فقط لكونهن نساء.

وهناك العديد من الشائعات التي لا علاقة لها بأرض الواقع عادة ما تظهر قرينة للتمييز والانتهاكات التي تمارس على النساء في المجال العام ومنها أن لديهن أدوار رعائية تمنعهن من العمل لساعات أطول كما يفعل الرجال، وأن الكثيرات منهن غير متمكنات من عملهن وأقل قدرة على التحكم في مشاعرهن مقارنة بالرجال.

وفي المجال الخاص تتم معاملة النساء كأنهن درجة أدنى من الرجال، فعادة ما نجدهن متحملات لأعباء المنزل وبعضهن تحرمن من التعليم بسبب الزواج المبكر، وأخريات تحرمن من التقرير لذواتهن وغيرها من الأمور التي تعد انعكاس للنظام الأبوي.

وتعود سلوى عادل لطفولتها قائلة "كنت اتمنى في صغري أن أخرج للشارع وألعب كرة القدم كما يفعل أخي ولكن الفتيات في قريتي لا يحق لهن ذلك، وأن أدرس المحاماة ولكن أبي رأى أنها مهنة ليست للنساء بل للرجال، ورغم أني كنت مهددة طول فترة تعليمي بتركه لتزويجي إلا أنني وأمي تكبدنا العناء في محاولة إقناع أبي لدرجة الإذلال، أما الوضع بالنسبة لأخي كان مختلف كلياً فكنت أرى أبي يرجوه أن يركز في تعليمه لأجل مستقبله لكون الإناث سيقبعن في المنزل ويجدن من ينفق عليهن بينما هو لا".

وتابعت "أخي كان المدلل يلعب ويخرج متى شاء ويختار ما يرغب في دراسته بينما أنا لا يحق لي سوى الانصياع للأوامر لكون الفتيات يجب أن يكن مطيعات وتقمن بأعمال المنزل وتحرصن على إرضاء الأسرة كاملةً ولاحقاً الزوج وأهله، وكنت أكره تلك العبارات وأثور عليها".

وأوضحت أنها خرجت للعمل وفي كل مرة كانت تصطدم بشخص كأبيها الذي يرى أنها أنثى وتشكل عبء على العمل رغم أنها كانت تعمل أضعاف الرجال فقط لإثبات خطأهم في تقديرهم لها، إلا أنها مع مرور الوقت قررت ترك العمل والبقاء في المنزل لتدير مشروعها الخاص بعيداً عن هذا المجتمع الذكوري المستحوذ على أغلب المهن على حد وصفها.

من جانبها قالت المحامية هيام الجنايني مسؤولة وحدة الدعم القانوني بمبادرة مؤنث سالم، إنه لا توجد امرأة لم تعاني في مرحلة من حياتها من تمييز فقط بسبب كونها أنثى، وذلك نتيجة ثقافة المجتمع نفسه الذي يتعامل مع المرأة على أنها درجة أدنى من الرجل.

وعن تجربتها الشخصية مع التمييز أوضحت "درست الإعلام قبل دراستي للقانون وحينما دخلت معترك العمل وجدت نفسي محصورة في مجال الإعلانات، وهو أمر طال أغلب الفتيات حيث لم يكن هناك من يراهن صحفيات بقدر التفكير في استغلالها لجلب الدعاية والإعلانات المدفوعة للمؤسسات حينها".

وأشارت إلى أن رفضها للعمل في مجال الإعلانات كان سبب في استبعادها من العمل، وأن هذا المجال يقصي النساء حال عدم استجابتهن للتمييز المستند لجنسهن والمستغل لهن، فقررت تغيير مجالها ودرست القانون لتعمل في مهنة المحاماة لاحقاً.

وأكدت أن الممارسات التمييزية موجودة في أغلب بيئات العمل بنسب متفاوتة، معتبرةً أن ما تعرضت له من تمييز كان سبب في جعلها تتطوع في هذا النوع من القضايا لكونها تشعر بما تتكبده النساء من أعباء بسببه، لافتةً إلى أن أحد أهم حلول تلك الأزمة التي تقصي النساء تتمثل في إنشاء مفوضية مناهضة للتمييز المنصوص عليها بالدستور المصري، مع ضرورة التوعية بمسألة الممارسات التمييزية وسبل التعامل معها قانونياً.

 

 

وترى محامية النقض عبير أحمد السيد الجميل، أن التمييز منتشر بمهنة المحاماة فالموكلين عادة ما يفضلون ذكور المهنة عن إناثها دون التفكير في الكفاءة وغيرها من أدوات العمل وخاصة في القضايا الجنائية، مشيرةً إلى أن الممارسات التمييزية تظهر بشكل كبير في الانتخابات، على الرغم من دخول النساء المعترك السياسي ونجاحهن في المجال العام، إلا أنهن حتى الآن تصادفن معوقات في التواجد بنقابة المحامين لكون أغلب من بها يعتنقون الأفكار الذكورية التي تقلل من شأن المرأة وقدراتها القيادية.

أكدت أن التمييز طال كل الجهات التي تتعامل معها المحامية ومنها أقسام الأمن، مضيفة أن عدد ليس بالقليل من الفتيات خاصة حديثي العهد بالمهنة عادة ما ينفرن منها بفعل الممارسات التمييزية وتمتهن أعمال أخرى متنازلات عن طموحاتهن، كما أن من خضن الانتخابات عادة ما تتوقفن عن المحاولة لإدراكهن أنهن لن تتمكن من تحقيق النجاح وهو ما يؤثر سلباً على تواجدهن بشكل عام.

وعن تجربتها الشخصية مع التمييز قالت "في إحدى القضايا التي وكلت إلي عندما جاءت عائلة المتهم إلى المحكمة وضعوا اللوم على الأم أنها اختارت امرأة ولم توكل محامي في القضية وقد سمعت هذا الحديث وأثناء مرافعتي كان كلامهم حاضراً أمامي ويمثل تحدي لي وحصلت على البراءة للمتهم حينها".

ولفتت إلى أن القوى الناعمة وخاصة الدراما لها تأثير مباشر في تغيير تلك الأفكار والثقافة التمييزية، فضلاً عن ضرورة تسليط الضوء على تلك القضية لكونها من أكبر معوقات عمل النساء واستمراريتهن في المجال العام.